تجميد معدلات القروض الرخيصة ...المشكلة في خطة بولسون لمعالجة أزمة الرهن العقاري

 

 

كليف كروك

 

 

"هذا جهد يقوم به القطاع الخاص ولا دخل فيه للأموال الحكومية". هذه الكلمات صدرت عن هانك بولسون، وزير المالية الأمريكي أثناء إعلانه عن الصفقة التي انتهى من التوسط فيها بين ممثلين عن المستثمرين في الأوراق المالية المدعومة بالقروض السكنية وممثلين عن شركات خدمة القروض السكنية في سبيل تجميد التعديلات على أسعار الفائدة على بعض القروض. وأكد أن هذا الاتفاق هو أمر طوعي. "إن معايير الصناعة التي أعلنت اليوم لا تغير طبيعة المسؤوليات في صناعة خدمات الدين، فالشركات العاملة في هذا المجال ستواصل تعديل القروض حين يكون ذلك في مصلحة المستثمرين وباختصار، كما يقول بولسون، فإن هذه الصفقة هي "خطة قائمة على السوق" إننا نُقَدِّر لبولسون استخدام كلمة "السوق" دون أن ينفجر ضاحكاً. نبئوني إن كانت هناك سوق لتمويل الإسكان على هذا الكوكب أكثر تلاعباً وتشويهاً على نحو شامل على يد الحكومة مثل سوق تمويل الإسكان في الولايات المتحدة، حتى قبل هذا التدخل الأخير!

أما التدخلات فلا حصر لها. خذ مثلاً الإعفاءات الضريبية التي لا حد لها تقريباً على القروض السكنية. أضف إلى ذلك المؤسستين العملاقتين اللتين "توفران السيولة"، وهما "فاني ماي" و"فريدي ماك"، اللتان كان لهما دور أساسي في تمكين فورة توريق القروض السكنية، واللتان تعملان في الخلفية في ظل ضمانات حكومية ضمنية، حيث تبلغ تعاملاتهما 40 بالمائة من القروض السكنية الأمريكية على قيودهما. ولا تنس الإدارة الفيدرالية للإسكان، وهي الجهاز الحكومي المسؤول عن تأمين القروض السكنية (ستة ملايين قرض سكني والعدد في ازدياد)، والذي طلبت منه الحكومة لتوها أن يتخذ دوراً أوسع بكثير من ذي قبل. والآن خطة بولسون.

التوصل إلى القيمة الكلية الصريحة والضمنية لهذه البرامج يصيب العقل بالذهول. فالإعفاءات الضريبية وحدها تصل إلى 80 مليارا تقريباً في السنة. أظن أن الوقت قد فات إلى حد ما للدخول في خطة قائمة على السوق أما ألفونسو جاكسون، وزير الإسكان والتطوير العمراني، فقد كان أقل حصافة وإدراكاً للعواقب من بولسون. بدأ جاكسون حديثه قائلا: "إن إعلان اليوم له أهمية على الساحة الأمريكية والعالمية. ففي الوقت الذي نوشك فيه الآن على الدخول في منتصف الشتاء، حين يعمل البرد القارس على إسكات صوت الأمل في قلوبنا، فإن هذه الإجراءات التي أعلنت اليوم ستبعث الدفء في قلوب الأمريكيين الذي علِقوا في الأزمة العاصفة للقروض السكنية ضعيفة الملاءة." انظر ما أجمل هذه الطريقة حين تريد التسويق لسياسة معينة. "يجب ألا ننسى أبداً أن أصحاب المساكن هؤلاء استثمروا أنفسهم وأموالهم في مساكنهم . . . وهم يريدون حلولاً حقيقية. إنهم يريدون أن يعلموا أننا نفكر فيهم . . . وأننا نهتم بمصلحتهم . . .وأننا نتخذ خطوات عملية فعلاً." كلام صحيح تماماً وانظر أين أوصلتنا هذه "الخطوات العملية"!

ما الذي يحققه فعلاً هذا الاتفاق الذي يدفئ القلوب، والذي يتمتع بأهمية على الساحة العالمية، والذي تم على نحو طوعي تماماً في سبيل خدمة مصالح المستثمرين في الأوراق المالية المدعومة بالقروض السكنية؟ الاتفاق معنيٌّ بجزء صغير من أحد الأجزاء الصغيرة للمشكلة. هناك حوالي 1.8 مليون قرض سكني صرفت في الفترة الأخيرة لمقترضين ضعيفي الملاءة (بمعنى أن جدارتهم الائتمانية دون المطلوب)، وهي قروض خاضعة لأسعار فائدة متغيرة، ومن المقرر أن يتم تعديلها خلال السنتين المقبلتين. هناك عدد غير معروف حتى الآن من القروض ما تزال تسدد في مواعيدها، ولكن ربما يكون هناك تخلف في السداد إذا تم تعديل أسعار الفائدة. ويتخوف المسؤولون من أن هبوط أسعار المساكن يمكن في هذه الحالة أن يتسارع، وهو ما يمكن أن تكون له عواقب وخيمة أخرى من حيث توفر الائتمان واستقرار الأسواق المالية. تقترح هذه الصفقة المعقدة تجميد التعديلات على الفوائد المفروضة على بعض هذه القروض، وتعرض أن تساعد بعض المقترضين في التحول إلى قروض أيسر ضمن إمكاناتهم (تضمنها في الغالب الإدارة الفيدرالية للإسكان).

كان بالإمكان تنفيذ هذا الترتيب، وهو ترتيب ممكن إلى حد ما، دون تدخل وزارة المالية، على أساس أن المستثمرين يفضلون الحصول على فوائد متدنية لفترة من الزمن بدلاً من سحب حقوق الملكية من أصحاب المساكن ذات الحقوق الملكية الصفرية أو السالبة. إن الهدف الحقيقي للاتفاق هو وضع منهج معياري خاص بالتعديلات التي كان يمكن أن تتم على نحو متفرق من بنك لآخر. أي أن الاتفاق هو عارضة يمكن تطبيقها على نحو واسع، وهو من شأنه أن يخفف بعضا من العبء الإداري الذي يمكن أن تشتمل عليه التعديلات لو أنها تمت من خلال إعادة التفاوض مع كل مقترض على حدة بشأن القروض السكنية المورقة. والأمر المهم للغاية في هذا المقام هو أن جانب الإجماع في الخطة يقصد به أن يقلل ما أمكن من مخاطر التقاضي التي ستجد شركات خدمة القروض السكنية أنفسها معرضة لها لو أنها عدلت أحكام القروض بنفسها دون الحصول على موافقة محددة من المستثمرين لكن سيكون من المستغرب لو أن المستثمرين الذي لا يوافقون على هذه التعديلات، لا يعملون على تحدي هذه التعديلات في المحاكم.

في الأحوال العادية فإن المحافظين هم الذين يأخذون بالاحتجاج والصراخ عند الإعلان عن السياسات التي من هذا القبيل بحجة أنها تشكل مخاطر أخلاقية، على أساس أنها مصممة بالذات لمكافأة السلوك غير الحصيف. هذه المرة يقود الكورس النائب بارني فرانك الذي لا يستغني أحد عنه، وهو ديمقراطي ويتولى رئاسة لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب وكما أوضح فرانك فإن هذه الخطة تقصر مساعدتها الموعودة، على نحو عجيب غريب، على المقترضين من أصحاب التاريخ الائتماني السيئ. جدير بالذكر أن أكثر من ثلث القروض السكنية التي ألغيت وسحبت حقوق ملكية المساكن المشتراة بها في الوقت الحاضر كانت قد صرفت إلى مقترضين ذوي ملاءة مالية، وأن أكثر من نصف القروض المذكورة كانت قروضاً بأسعار فائدة متغيرة. وبموجب خطة بولسون, فإن المقترضين من ذوي الملاءة الذين يمكن أن يقعوا في المشكلات حين يتم تعديل أسعار الفائدة الميسرة سيتعين عليهم إن استطاعوا أن يحصلوا على قرض ثان على مسكنهم. فإن لم يكن ذلك بوسعهم فإنهم سيتركون لشأنهم وسيشعر المقترضون الذي جهدوا لتحسين درجاتهم الائتمانية قبل الحصول على قروض ثانية طويلة الأجل لتمويل مساكنهم، سيشعرون بالغبن والظلم. وفي كثير من الحالات فإن مكافأة الجهود المذكورة ستكون سحب مساكنهم منهم وإخراجهم منها بالقوة.

إن بولسون الذي تبدو عليه بوضوح علامات التردد وعدم القبول شعر بالارتياع من نذر العاصفة المتجمعة في الأفق وقرر أن عليه أن يتصرف على نحو ما. والنتيجة التي لا مفر منها لهذا الوضع هو أن المشكلة تقع الآن على عاتق الإدارة على نحو لم يسبق لها أن مرت به من قبل وفي الوقت الذي يزداد فيه وضع سوق الإسكان سوءاً، وهو أمر يبدو أنه لا مفر منه، وفي الوقت الذي يعمل فيه البرد القارس مرة أخرى على إسكات صوت الأمل في قلوب الناخبين، فإن الإجراءات التي أُعلِن عنها حتى الآن سيُنظَر إليها (أكثر حتى مما ظل يُنظَر إليها حتى الآن) على أنها ظالمة وغير مناسبة. وعندها سيكون قد فات الأوان على القول: "لا شأن لنا بذلك".

نتيجة لذلك فإنه منذ الآن فصاعداً فإن كل عملية لسحب المساكن من أصحابها سيُنظَر إليها على أنها دليل على إخفاق السياسة، وهو إخفاق سيُنظَر إليه على أنه يعود إلى حد ما إلى الحكومة. إن من المرجح أن السعي للتعامل فقط مع الجوانب الشاذة الواضحة في الترتيبات الجديدة سيتطلب خلال فترة قصيرة على ما يبدو مساعدات أكثر شمولاً وسخاء. وبعبارة أخرى فإن سوق تمويل الإسكان في الولايات المتحدة، التي هي سوق مشوهة تماماً ومدارة بطريقة سيئة على نحو هائل، ستصبح أسوأ حتى من ذلك. ويحسن بدافعي الضرائب والحالة هذه أن يكونوا مستعدين للسطو على أموالهم.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:aleqt