حرب التجارة بين أمريكا والصين...بيان حقائق

 

 

يستبعد المحللون أن تسفر زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو للولايات المتحدة هذا الأسبوع عن انفراج كبير في التوترات التجارية بين الدولتين، وترى الولايات المتحدة أن الصين تمثل بممارساتها غير العادلة خطرا تجاريا يجب مواجهته.  لكن السؤال الذي يجد صعوبة كبيرة في الإجابة عليه هو... كيف يمكن كبح جماح الصين التجارية؟ ؟

منذ أن بدأ الزعيم الصيني الراحل دينج شياو بينج  مبادرته الإصلاحية في نهايات سبعينات القرن الماضي، شهد العالم تصاعدا غير مسبوق في قوة الصين الاقتصادية، وخلال الربع الأخير من القرن الماضي وصل متوسط النمو الاقتصادي الصيني السنوي لما يقرب من 9.5% وتضاعف الناتج القومي للصين أربع مرات، وتم انتشال ما يقرب من 400 مليون صيني من حالة الفقر المدقع التي كانت شائعة بصورة كبيرة.

وفي عام 1977 كانت الصين تشغل المرتبة الثالثة عشر في حجم التجارة الدولية، ويتوقع خبراء الاقتصاد الدولي أن تصبح الصين المتعامل الأول من حيث قيمة التجارة الخارجية في العالم خلال عشر سنوات، كذلك أن يصبح القومي الإجمالي الصيني الأعلى في العالم.

دور أمريكا

ما لم يكن للصين أن تتمتع بهذه النسب العالية من النمو التجاري لولا وجود عدة عوامل أساسية يأتي على رأسها الشراكة التجارية بينها وبين الولايات المتحدة التي بدأت بصورة منظمة ومطردة عام 1979، وما تلاها من انضمام الصين لمنظمة التجارة الدولية WTO عام 2001. إلا أن العلاقات التجارية الصينية الأمريكية كانت على الدوام علاقات غير سهلة، ولسنوات طويلة استغل الكونغرس الأمريكي مراجعة تشريع "الدول المفضل التعامل معهما Most Favored Nation  “ ليربط بين حرية التجارة مع الصين بسجلها فيما يتعلق بحقوق الإنسان.  ومؤخرا بدأ الكثيرون في واشنطن في التعبير عن قلقهم من الفجوة المتزايدة في العجز التجاري مع الصين. ويحاول أنصار نظريات الحماية التجارية في كل من الدوليتين التأثير السلبي ضد قوى السوق الحر التي تدفع في طريق زيادة التبادل التجاري بين الدولتين. وتدعو الولايات المتحدة الصين منذ فترة طويلة بضرورة ترك العملة الصينية لعوامل السوق لتحدد قيمتها، وان تقوم أيضا بمحاربة القرصنة الفكرية على المنتجات الأمريكية. وتبرز النقاط التالية أهم مخاوف الولايات المتحدة من العلاقات التجارية مع الصين.

حجم التجارة

وصل حجم التبادل التجاري بين الدولتين عام 2005 إلى 245.6 بليون دولار، أو ما يقرب من 80 ضعف حجم التجارة بين الدولتين عام 1979. ومنذ انضمام الصين  لمنظمة التجارة العالمية عام 2001 زاد حجم التبادل التجاري بنسبة 27.4 سنويا.  وتمثل الولايات المتحدة الآن الوجهة المفضلة للمنتجات الصينية، وفي نفس الوقت تشتري الصين المزيد من المنتجات الأمريكية، وترتفع الصادرات الأمريكية للصين بمعدل بنسبة 21.5 سنويا منذ 2001.

العجز التجاري

بلغ حجم العجز التجاري بين البلدين 202 بليون دولار عام 2005، وقد بلغ نفس مستوى العجز 162 بليون دولار في عام 2004. وحذر السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيويورك  تشارلز شومر في بيان له عقب نشر أرقام العجز التجاري قائلا "هذه الأرقام يجب أن تكون كارت تحذير أحمر للكونغرس وللاقتصاد الأمريكي." وأضاف "أن الكثير من الأمريكيين لديهم قلق من الاعتماد المتزايد على الصين، وما لذلك من تأثيرات سلبية على تسريح أعداد كبيرة من العاملين بقطاع الصناعة الأمريكي." ورغم القلق المتزايد في الكونغرس الأمريكي، إلا أن العجز التجاري الكبير لا يمثل قلقا لدى الكثير من الاقتصاديين.

 "أنا لا أعتقد أن العجز التجاري يمثل خطرا على الولايات المتحدة" كما ذكر بين شتيل  Benn Steil مدير قسم دراسات الاقتصاد الدولي بمجلس العلاقات الخارجية بمدينة نيويورك. ويعود السبب فيما ذكره الخبير الأمريكي إلى أن العجز ليس كبيرا جدا إذا ما تم حساب أن الكثير من حجم الصادرات من الصين تقوم به شركات أمريكية وأجنبية أخرى لديها مصانع في الصين.

ويري الكثيرون في الولايات المتحدة أن مستوى العجز التجاري الكبير من الصين لا يمثل تهديدا حيث أن اعتماد الناتج القومي الصيني بنسبة 80% على الصادرات يمثل تحذيرا للصين التي يجب أن تنمي بقية قطاعات اقتصادها، وأن تركيز الصين بهذه النسبة الكبيرة على التصدير يعني فشلها في تنمية قاعدة استهلاكية محلية كبيرة توازي حجم نموها التجاري، وهذا بدوره يعرض الصين لأثار سلبية كبيرة في حالة تعرض اقتصاد الدول التي تمثل سوقا بالنسبة لها لأي اضطرابات اقتصادية مفاجئة.

ويساهم توافر منتجات صينية مصنعة رخيصة في السواق الأمريكية على حدوث تضخم في الولايات المتحدة حيث يجد الفقراء والطبقة المتوسطة كذلك منتجات رخيصة يستهلكونها.

قضية العملة الصينية

تعتبر قضية العملة الصينية المعروفة باسم يوان Yuan أهم القضايا الشائكة المتعلقة بالتجارة بين الولايات المتحدة والصين.

 وتنتقد واشنطن محافظة الصين على قيمة غير حقيقية لعملتها تجعلها 40 بالمائة أقل من قيمتها الحقيقية في حالة تركها لقوى السوق. ولهذا السبب تنخفض أسعار المنتجات الصينية في السوق الأمريكي وترتفع أسعار المنتجات الأمريكية في الصين بما يؤدي لوجود هذا العجز الكبير في ميزان التجارة بين الدولتين. وترى واشنطن أن من شأن سياسة الصين بخصوص اليوان أن تؤثر سلبا على قدرة الولايات المتحدة التنافسية.

وينادي بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بضرورة فرض تعريفة جمركية على المنتجات الصينية بنسبة 27.5 بالمائة طالما بقيت الحكومة الصينية على سياستها الحالية في التحكم في قيمة عملتها، إلا أن مشروع القرار قد تم سحبه بعدما زار عضوان من مجلس الشيوخ الصين الشهر الماضي وتم إقناعهما أن الصين تقوم بخطوات جادة لإصلاح عملتها.  وفي شهر يوليه من العام الماضي قامت الصين بزيادة قيمة عملتها بنسبة 2.1 بالمائة وبدلا من ربطها فقط بالدولار تم ربط العملة الصينية بسلة عملات دولية، وما زال موضوع قيمة العملة الصينية يمثل أحد المشكلات الأساسية بين الولايات المتحدة والصين.

ويرى بين شتيل أن زيادة قيمة عملة الصين سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الأسعار في السوق الأمريكي، إضافة إلى احتمال حدوث تضخم كبير في أمريكا.

سياسات الحماية التجارية المتبادلة

تعرقل إجراءات الحماية نمو التبادل التجاري بين الدولتين لمستويات أكبر مما تبلغ عليه الآن، وفي أمريكا يتم التركيز على مواجهة المستثمرين الصينيين بالتركيز على المخاوف الأمنية، إضافة إلى عدم الثقة الكبيرة في الشريك الصيني. وخلال شهر أغسطس 2005 عرقل الكونغرس صفقة شراء شركة طاقة صينية تعرف باسمCNOOC  لشركة البترول الأمريكية UNOCAL.  وبسبب المخاوف الأمنية لا تصدر الولايات المتحدة التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، أو المواد والتكنولوجيا التي يمكن أن يكون لها استخدام مدني وعسكري.

من الناحية الأخرى، تقوم الصين أيضا ببعض إجراءات الحماية التجارية، وبسبب المخاوف من السرعة التي يندمج فيها الاقتصاد العالمي وما حدث من امتلاك الأجانب واستثمارهم لنسب كبيرة من الاقتصاد الصيني، عرقل البرلمان الصيني مشروع قانون يتعلق بحماية الملكية الخاصة يشمل أيضا ممتلكات الأجانب في الصين في مؤتمره السنوي في شهر مارس 200. أيضا منعت وزارة التجارة الصينية مجموعة كاريل  CARYLE الأمريكية من شراء حصة كبيرة في  كبرى شركات المقاولات في الصين تعرف باسم XUGONG.

حقوق الملكية الفكرية

تمثل هذه القضية أحد مصادر التوتر في العلاقات التجارية الأمريكية الصينية، ولا يقتصر الأمر فقط على نسخ برامج الكومبيوتر Software والأفلام DVD، بل يتعدى الأمر ذلك إلى نسخ وتصنيع أدوية وسيارات وقطع غيار طائرات. 

من ناحيتها فرضت الحكومة الصينية قانون يمنع النسخ والتزوير وأنشأت محكمة خاصة لمحاكمة من يقوم بمثل هذه الأنشطة. ويذكر بعض الخبراء أنه ليس هناك ميزة للسلطات المحلية في الصين لمكافحة أعمال القرصنة والنسخ حيث توفر هذه الأنشطة وظائف للسكان المحليين، إضافة إلى قيام المصنعين بتقديم رشاوى للسلطات المحلية. 

وتهدد الولايات المتحدة بعرض القضية أمام منظمة التجارة العالمية، إلا أنها لا تتوقع الكثير من النتائج من ذلك الإجراء على المدى القريب. ومؤخرا توصلت الصين لاتفاقية مع شركة مايكروسوفت تسمح بوجود برامج ميكروسوفت في الكومبيوترات التي يتم تصنيعها في الصين مما ينفي الحاجة للقرصنة عليها.

الردع الإقتصادي

كما أظهر البيان بعض الحقائق عن طبيعة وحجم وتشابك المصالح الإقتصادية بين الصين والولايات المتحدة لدرجة تجعل من المستحيل تصور حدوث مجابهات حقيقية بين العملاقين. ورغم عدم إنتفاء المنافسة الشرسة بين الدولتين على كافة الأصعدة السياسية والإقتصادية والتكنولوجية والعسكرية .. وحتى الرياضية، إلا أن دور عوامل السوق الحر المفتوح تضبط وتجعل من المنافسة مباراة ينتصر فيها الطرفان.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: تقرير واشنطن-العدد55-22-4-2006