روسيا والصين وتحدي الغرب؟!
جدعون راتشمان
ديمتري بيسكوف الناطق
الرسمي باسم الرئيس الروسي يحب النكات، فقد لاحظ زوار مكتبه في
الكرملين الأسبوع الماضي، أن الشاشة الحافظة على كمبيوتره عبارة عن
سلسلة من الاقتباسات الدوارة من جورج أورويل في 1984 بعنوان: "الأخ
الأكبر يراقبك": الحرب هي السلام، الحرية هي العبودية، الجهل قوة.
حيث إن بيسكوف يعمل
من نفس البناية التي كان ستالين يعمل فيها - ويتحدث الآن باسم فلاديمير
بوتين الذي يتهم في كثير من الأحيان بإقامة حكم فردي روسي جديد - فإن
هذا الأمر أكثر من جريء، أو بلا ذوق، وربما كلا الأمرين معاً.
يتحدث بيسكوف بانشراح
وحتى بلهجة أخصائي تلفيق أمريكي، لكن لدى الاستماع إلى بعض ما كان عليه
أن يقوله، لمست إحساسا قوياً بمشهد متكرر لم تكن الولايات المتحدة هي
التي جاء ذكرها، بل كانت الصين.
خلال الحرب الباردة
كان من الطبيعي الجمع بين روسيا والصين، والآن فإن البلدين يشغلان مرة
أخرى حيزاً أيديولوجيا متشابهاً، فهما لم يعودا يناصران الشيوعية، لكن
روسيا والصين توصلتا، كل على حدة، إلى معتقدات سياسية متشابهة جداً.
على الصعيد الداخلي فإن الصيغة استبدادية تقترن بنمو اقتصادي سريع وروح
قومية، وعلى الصعيد الدولي فإن كلا منهما يرى قوته الاقتصادية
المتزايدة أساساً لتصويب الإذلالات السابقة، وهما يحضّان على مبدأ
الاحترام المطلق للسيادة الوطنية.
أعطت نكسات أمريكا في
العراق للروس والصينيين ثقة جديدة في معركة الأفكار، لكن الأساس
الحقيقي لثقتهما الجديدة أساس اقتصادي، فالصين مصدر تصنيع مهم، لكن
طفرة روسيا ذات أساس أكثر هشاشة: السعر المتزايد للنفط والغاز، لكن كلا
البلدين مشبع بالأموال النقدية.
تؤدي حقيقة أنهما
يحسنان صنعاً – دون تبني ديمقراطية متحررة - إلى رفض متزايد الثقة
للنماذج السياسة الغربية، فالتركيز الرسمي في روسيا والصين ينصب على
الاستقرار، ويتم صرف النظر عن التحرر السياسي على أنه فخ يمكن أن يخلق
فوضى اجتماعية.
عندما انتهت الحرب
الباردة اعتقد الكثيرون في الغرب أن الجدل الأيديولوجي قد انتهى أيضا،
والتاريخ انتهى، فروسيا والصين اعتنقتا الرأسمالية، وذلك بدوره يمكن أن
يخلق طبقة متوسطة يمكن أن تطالب بالحرية السياسية.
بعد نحو عشرين سنة لا
يبدو أن الأمور تسير على ذلك النحو، فمع أن البرجوازية المترفة واضحة
جداً دون أي شك في المدن الكبيرة في كلا البلدين، فإن الطبقة المتوسطة
الروسية والصينية، تبدو في الوقت الحالي مهتمة بأجهزة التلفزيون ذات
الشاشة المسطحة والسيارات الأجنبية، أكثر من اهتمامها بصحافة حرة أو
حركات سياسية جديدة. ما زالت هنالك حرية تعبير في روسيا أكثر من الصين،
لكن الوضع يزداد سوءا ويبدو أن عدداً قليلاً فقط من المثقفين يكترثون
بذلك.
يبدو أن أسباب هذه
السلبية السياسية متشابهة مرة أخرى، فالتاريخ الصيني والروسي يعطي
لمحدثي النعمة سبباً وجيهاً للخوف من "الاضطرابات"، وتتعزز تلك المخاوف
بواسطة الدعاية الرسمية.
إذا تحدثت مع
المحللين المستقلين في موسكو تجد أن قلقهم يذكر بشدة، بذلك النوع الذي
تسمعه في بكين، ففي كلا البلدين، يلام النظام السياسي على تفريخ الفساد
وتجاهل المشكلات البيئية، وكلا البلدين يواجه أيضا مشكلة كلاسيكية
بالنسبة للحكومات المستبدة: كيف تدير تغييراً في القيادة دون إثارة
اقتتال داخلي خطير في القمة؟
استجابة النخب
الروسية والصينية لهذه الشكوك السياسية متشابهة أيضا، فشرعيتها
الداخلية تعتمد بشكل متزايد على إحساس متجدد بالكبرياء الوطنية،
فحكومتاهما تروجان رسالة شعبية بأن القوة الاقتصادية تعني: أنه لم يعد
بالإمكان أن يؤثر الغرب عليهم، وكلا البلدين يخبر جمهوراً متقبلاً لما
يقال له إن الضعف الوطني شيء من الماضي، وإصرار الصين على أنها ستحارب
من أجل الحيلولة دون استقلال تايوان، كلام شعبي مقبول، ويبدو أن
الجمهور الروسي يبدو محباً للأمر، عندما يكون بوتين فظاً مع الرئيس
الأمريكي.
لكن الشعور القومي
ينبغي التعامل معه بحذر وعناية، ففي الصين كبحت السلطات في النهاية
التظاهرات المناهضة لليابان في عام 2005، وفي روسيا ترعى الحكومة
منظمات الشباب القومية، فهي مصدر مفيد للقوة السياسية، لكن من المهم
أيضا ضمان أن تدعم القومية الروسية المنبعثة، النظام وليس العمل على
تقويضه.
تشكل القومية الروسية
والصينية - التي تدعمها القوة الاقتصادية- مآزق واضحة في السياسة
الخارجية للغرب، فالقضايا التي تشملها سياسية وفلسفية على الصعيد
العملي فإن على الأقطار الغربية أن تقرر مدى صلابة الموقف الذي عليها
أن تتخذه عندما تهدد الصين تايوان، أو عندما تضغط روسيا على جورجيا،
وما مدى الجلبة التي علينا أن نثيرها حول حقوق الإنسان؟ وماذا يجب
علينا أن نفعل عندما تحاول "صناديق الثروة السيادية" الروسية والصينية
أن تشتري الشركات الغربية؟ وكيف نتعامل مع حقيقة أن روسيا والصين
تعوقان بين الحين والآخر الجهود الغربية في مجلس الأمن الدولي، إزاء
بورما وكوسوفو وإيران مثلاً ؟
ووراء هذه القضايا
اليومية هنالك بعض الأسئلة الفلسفية الأكبر، فهل كان من الخطأ الاقتراض
بأن العولمة والنمو الاقتصادي يمكن أن يعنيا في نهاية المطاف، أن روسيا
والصين يمكن أن تصبحا ديمقراطيات متحررة ؟ إذا كان ذلك أمراً مرتجلاً
جداً، فهل أن الصين وروسيا الجديدتين تهددان المصالح الغربية ؟
من السابق جداً
لأوانه أن نجيب عن هذه الأسئلة بشكل محدد، فمع أن الصين وروسيا تشكلان
مرة أخرى، تحدياً أيديولوجيا للغرب، فإن القومية المستبدة التي تدعمها
احتياطيات أجنبية ضخمة، قد يتبين أنها ببساطة مرحلة على طريق طويل إلى
الديمقراطية المتحررة، أو قد يثبت أنها شيء أكثر ديمومة وأورليانية.
و كل
ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر:صحيفة الإقتصادية الإلكترونية-6-11-2007
|