مستقبل المنطقة بين دولار ضعيف ودولار
قوي
( 3- 3)
سلطان مهنا المهنا
لا
بد أن نعترف أن الدولار أصبح يشكل أزمات متتالية وخسائر ضخمة لدول
المنطقة بسبب ارتباط عملاتهم, استثماراتهم, استيرادهم, تصديرهم والنسبة
العظمى لاحتياطياتهم النقدية بالدولار، وأصبحت مقولة وزير الخزانة في
عهد الرئيس نيكسون جان كونالي عام 1971 في اجتماع للبنوك المركزية في
أوروبا بعد امتناع الولايات المتحدة عن استبدال الدولار بالذهب حسب
معاهدة بريتون وود أن "الدولار عملتنا والمشكلة مشكلتكم"، هي واقع
تعيشه وتعانيه دول المنطقة في الوقت الحالي وشبيهة لما حدث للموقف
الأوروبي بداية السبعينيات الميلادية مع فارق بسيط وهو وجود خيارات
أخرى قامت بها الدول الأوروبية، فاللجنة الاقتصادية الأوروبية وافقت
على تبني عام 1972 سعر صرف موحد لعملة ست دول أوروبية بعد انهيار
اتفاقية بريتون وود, وهي فرنسا, ألمانيا, هولندا, بلجيكا, إيطاليا،
ولكسمبورج، وسمي هذا النظام بـ "العملة الأفعى" Currency Snake، لأنه
يسمح لتذبذب عملات تلك الدول فيما بينها بنسبة لا تتجاوز 2.25 في
المائة, وقد استمر العمل بنظام "العملة الأفعى" حتى أقرت العملة
الأوروبية الموحدة في أواخر الثمانينيات الميلادية 1989 والعمل بها
بداية 1999.
دخول
اليورو كمنافس للدولار أصبح واقع لا بد من القبول به عاجلا أم آجلا،
فمنطقة اليورو 27 دولة صناعية, الوضع السياسي مستقر, معدل التضخم
منخفض, الناتج المحلىGDP يصل إلى 14.518 تريليون دولار حسب مصادر صندوق
النقد الدولي 2007, الولايات المتحدة نحو 13.2 تريليون.
يضاف
إلى ذلك نسبة حجم صادرات دول منطقة اليورو "أوروبا" إلى دول المنطقة
تصل إلى نحو 40 في المائة، هذا إلى جانب استحواذ "اليورو" على 25 في
المائة من إجمالي احتياطي العملة الصعبة في العالم وفى تصاعد مستمر.
في
الوقت الحالي توجهات الإدارة الأمريكية هي استمرار سياسة الدولار
الضعيف على المدى القصير والمتوسط, فتوقعات إدارة الإحصاء في وزارة
العمل الأمريكية حتى كانون الثاني (يناير) 2008 تشير إلى تصاعد "مؤشر
الأسعار الاستهلاكية" CPI أحد أهم المؤشرات لقياس القوة الشرائية
للدولار "التضخم" إلى معدل 4.5 في المائة عن السنة الحالية 2007. هذه
إشارة إلى أن قيمة الدولار ستستمر بالانخفاض على الأقل حتى نهاية السنة
الحالية 2007 وبداية السنة المقبلة 2008, أيضا العديد من المحللين
الماليين والاقتصاديين وطبقا لبحث أجرته جولدمن ساكس نشر في 24 آب
(أغسطس) 2007 على موقع Bloomberg.com يتوقعون استمرار الانخفاض في قيمة
الدولار إلى مستويات قياسية بالنسبة لليورو ليصل إلى مستوى 1.43 دولار
خلال الأشهر الثلاثة أو الستة المقبلة, وأرجعت الأسباب إلى أن بطء
النمو الاقتصادي سيجبر بنك الاحتياط الأمريكي تخفيض سعر الفائدة.
من
جهة ثانية، خلال اجتماع محافظي البنوك المركزية الخليجية في الرياض يوم
السبت 8 أيلول (سبتمبر) 2007 صرح محافظ مؤسسة النقد السعودي بشأن زيادة
معدل التضخم بقوله "إن معدل التضخم في السعودية يمكن أن يصل إلى رقم
مرتفع جدا, قد يصل إلى 4 في المائة مع نهاية العام الجاري" 2007 ـ
جريدة "الاقتصادية" 9 أيلول (سبتمبر) 2007، لكن مصادر أخرى غير رسمية
في المملكة تشير إلى إمكانية وصول التضخم إلى مستوى 6 في المائة خلال
العام الحالي.
بشكل
عام أهداف الإدارة الأمريكية من تخفيض قيمة الدولار التي بدأت فوائدها
تظهر أخيرا ولو بنسبة محدودة جدا هي بجانب تقليص العجز في ميزان
التبادل التجاري مع الصين بالدرجة الأولى, تخفيف الضغوط عن الشركات
الأمريكية بشأن إبقاء الأسعار لمستويات متدنية, زيادة عدد السياح
للولايات المتحدة, إضافة إلى أن المستثمرين الأجانب يجدون سوق الأسهم
والسندات الأمريكية مغرية للاستثمار للاستفادة من انخفاض قيمة الدولار.
هذه الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة دون إعلان, استشارة أو
اتفاق مع أحد كما كان يحدث في السابق أخذتا بشعار مصلحتي أولا على حساب
الآخرين beggar my neighbor policy هي سياسة قد تعالج وبشكل محدود
مشكلة مزمنة للاقتصاد الأمريكي, ولكن من جهة ثانية ستسبب أضرارا وخسائر
جسيمة لمناطق الدولار خارج الولايات المتحدة, من أهم الأضرار الملموسة
هي أن ارتفاع أسعار السلع والمواد الخام المستوردة لمناطق الدولار
"خارج الولايات المتحدة" تسببت بدورها في دفع تكلفة المعيشة إلى أعلى
"التضخم" بشكل عام ولم تعد مقتصرة على المستورد منها فقط.
انخفاض أو انهيار قيمة الدولار إلى أي مستوى ممكن أن تصل قبل أن يعاود
الارتفاع, طبقا لجان ويليمزJohn Williams “ shadow government
statistics” وهي نشرة شهرية إلكترونية تحلل عن قرب تقارير, إصدارات,
إحصائيات, ومؤشرات اقتصادية صادرة عن الحكومة الأمريكية, قوله "أعتقد
أننا (الولايات المتحدة) سنجعل الدولار ينهار، ولكن على بنك الاحتياط
أن يعمل على إبطاء انخفاض قيمته تدريجيا وقد يستغرق الأمر ما بين سنة
إلى سنتين للوصول إلى أدنى مستوى" (المتوقع أو المطلوب). هذه خلاصة ما
توصل إليه جان ويليمز ونشرت نهاية العام الماضي 2006. السؤال الآن: ما
المستوى الأدنى المتوقع أو المطلوب للانخفاض قبل أن تتدخل الإدارة
الأمريكية التي ألغت اتفاقية "بازل" بعد أن انخفضت قيمة الدولار إلى
النصف أمام الين الياباني؟ هل انخفاض50 في المائة من قيمة الدولار أمام
العملات الرئيسية يعنى الوصول إلى المستوى الأدنى المطلوب قبل أن يعاود
الارتفاع؟ أم أن 1.43 دولار لليورو الواحد قبل نهاية السنة الحالية
2007 وبداية السنة المقبلة 2008 الحد الأدنى المتوقع للانخفاض حسب بحث
جولد من ساكس؟
بالنسبة لـ "الأوبك" زيادة أسعار النفط على حد قول السيد شكري غنيم
وزير النفط الليبي هل تبقى الحل الأنسب والمتوافر للتعايش مع الانخفاض
المستمر لقيمة الدولار؟ هل هذا يعنى أن توقعات كولدمن ساكس بوصول برميل
النفط إلى أكثر من 100 دولار (105 دولارات للبرميل الواحد) أصبحت واقعا
لتعويض الدول المنتجة "للنفط الخام" من انخفاض قيمة الدولار أمام
العملات الأخرى وهو مستوى يعادل تقريبا "القيمة الحقيقية لسعر برميل
النفط عام 1979 عند 109 دولارات للبرميل بالقيمة الحالية للدولار، مع
الأخذ في عين الاعتبار تعديل معدل التضخم", FT.com.
أم
أن الحل الوحيد وكما تعودت المنطقة يكمن في مغامرة عسكرية أخرى؟ لدعم
"عملة الشيء الوحيد الذي يقف أمام استخدامها كورق للحمام هو برميل
نفط". الأشهر القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة.
و كل
ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر: aleqt
|