حوكمة الشركات بطريقة.. العصا والجزرة

 

تامر حماد

 

ترتبط بوسائل صيانة مصالح الملاك وتأكدهم من قيام المديرين بالمطلوب

مازال مصطلح حوكمة الشركات قادرا على سرقة الاضواء منذ ظهوره حتى الآن، وينسحب ذلك على دول العالم التي مازالت تشهد سجالا واسعا حول هذا المصطلح وآليات تطبيقه في عالم الاقتصاد من جهة ومحاولات عدة لتطويره من جهة أخرى.

وفي السياق تنشر 'القبس' دراسة أعدها الدكتور تركي الشمري استاذ التمويل في جامعة الكويت حول حوكمة الشركات في دول الخليج العربي، تؤكد ان ملاك الشركات والمساهمين في جميع دول العالم يتطلعون الى ارتفاع قيمة أسهمهم لأعلى حد ممكن وبما أن هؤلاء المساهمين لا يستطيعون ادارة شركاتهم بأنفسهم، فإنهم يطلبون من ينوب عنهم (مجلس الإدارة) بتعيين مديرين على قدر عال من الكفاءة الفنية والادارية مستعدين لاتخاذ قرارات صعبة من شأنها، أو على الأقل تهدف إلى رفع قيمة الأسهم.

وتساءلت الدراسة من يضمن النفس البشرية لهؤلاء المديرين الذي قد يتخذون قرارات ليست في مصلحة المستثمرين كتعيين اقاربهم والقيام بمغامرات مالية كشراء الشركات الاخرى بغرض تكوين امبراطوريات صناعية وشراء الطائرات النفاثة أو حتى السيارات الغالية الثمن وما شابه ذلك من امور لا علاقة لها بمصلحة المساهمين؟

واجابت: اذا من الواجب تحفيز هؤلاء المديرين للاجتهاد باتخاذ القرارات التي تهدف لرفع قيمة استثمارات المساهمين في الشركة وقالت: على مجموعة اللوائح والاجراءات التي تهدف للتأكد من تطابق ما يريده ملاك الشركات وطبيعة قرارات مديري تلك الشركات بمفهوم 'حاكمية الشركات' أو الCorporate Governance بمعنى اخر ترتبط حوكمة الشركات بالوسائل التي يستطيع من خلالها ملاك الشركة (والدائنين الى حد كبير) التأكد من قيام مديري الشركة (خاصة المدير العام والعضو المنتدب) بالعمل على تحقيق العائد المطلوب لهؤلاء المساهمين.

ومعظم شروط حاكمية الشركات تأتي في شكل سياسة 'العصا والجرزة' ويقصد بالعصا هنا تهديد المدير بالاقالة (أو حتى الادانة القضائية) في حال اخفاقه بالانحراف عن هدف رفع قيمة ثروة المساهمين ويقصد بالجرزة هنا رواتب ومكافآت المدير التي يجب تحديدها بطريقة يمكن من خلالها ربط هذه الرواتب باداء المديرين.

الرقابة

وبشكل عام فان اهم ما يستطيع ملاك الشركة عمله هو الرقابة عن طريق :

1- مجلس الادارة واللجان المختلفة التابعة له .

2- رقابة الملاك الكبار وخصوصا الشركات .

3- نسبة اعضاء مجلس الادارة ممن ليست لهم علاقة بالشركة او مديرها العام .

4- منح المديرين اسهم بالشركة كجزء من الراتب وما شابه ذلك من امور.

وبالتالي فان حماية المستثمر (مالك الشركة) من خلال النظام المالي يرتبط اساسا بنظام حوكمة الشركات وعليه فان حوكمة الشركات تهتم اساسا بمستوى الافصاح عن المعلومات التي تهم المستثمرين والدائنين على حد سواء.

أهداف الحوكمة

وأكدت الدراسة ان من اهم الاهداف الرئيسية لنظام حوكمة الشركات ما يلي:

1- ضمان قيام شركات ناجحة تسعى لخدمة المجتمع بشكل عام والمساهمين بشكل خاص .

2- حماية حقوق المساهمين والدائنين وزبائن الشركة .

3- الشفافية في القرارات التي تهم جميع من له علاقة بالشركة .

4- التعزيز من مستوى المسؤولية لدى المديرين.

ومما لاشك فيه ان هذه الاهداف تساهم بشكل كلي في تقليل مستوى التدهور الاداري لدى الشركات وبالتالي الابقاء على المساهمين الحاليين وجذب مساهمين جدد لهذه الشركات باعتبار ان الممارسات الايجابية لنظام حوكمة الشركات تعني حماية اكبر لاصول وممتلكات الشركة. كما يساعد النظام الجيد لحوكمة الشركات على التقدم الاقتصادي من خلال زيادة فاعلية تدفق رؤوس الاموال الى الشركات وخاصة في الدول النامية باعتبار ان القطاع الخاص يمكنه توفير عدد كبير من فرص العمل وبالتالي سيتأثر النمو الاقتصادي للبلد ككل بالايجاب.

وقال انه بما ان اقتصادات دول الخليج احادية المورد (النفط) وبالتالي فان الانفاق الحكومي يعتبر المحرك الاساسي للنشاط الاقتصادي فان الحكومات في هذه الدول تسيطر على معظم الخدمات العامة كالنقل والكهرباء والماء والاتصالات وقد أدت الهيمنة الاقتصادية للدولة الى الافتقار الى نظام كفء قادر على وضع تشريعات من شأنها حماية مصالح المستثمرين كما يحدث في الدول المتقدمة.

هذه القضايا ادت الى الافتقار الى وجود الشفافية اللازمة فيما يتعلق بقيام استثمارات عالية الكفاءة لعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالقوانين التجارية وايضا التخبط في تطبيق القوانين واتاحة الفرصة لحصول المتنفذين على استثناءات تضر بالاطار العام لحوكمة الشركات. وقد دل الكثير من الدراسات على انخفاض كفاءة واداء المؤسسات التي تمتلكها الحكومات في معظم الدول النامية وذلك لعدم وجود نظام فعال لحوكمة الشركات مما ادى لخلق مشاكل كثيرة تعوق انتاجية هذه المؤسسات.

المدخل الإصلاحي

واضافت: المدخل الاصلاحي لخلق نظام فعال لحوكمة الشركات في دول الخليج يتمثل اولا بخلق بيئة امنه لنظام مالي فعال يستطيع المستثمرون من خلاله الاطمئنان الى قنوات توظيف اموالهم، وعليه يمكن تدوير الاموال من قطاعات الفائض الى قطاعات العجز في اطار نظام مالي فعال يستطيع معالجة وتوفير الكثير من المعلومات التي يحتاجها المستثمرون (نظام فعال لحوكمة الشركات) وبالتالي انخفاض تكلفة الاستثمار ومن ثم رواج الازدهار الاقتصادي.

وعلى الرغم من عدم وجود نظام مالي معقد في دول الخليج فان الشركات المصرفية والاستثمارية و العقارية تعاني نسبيا من قلة الفرص الاستثمارية او عدم تطوير انظمتها بما يساعد في تقديم خدمات اكثر تطورا.

وفي الغالب فان هذا يؤدي الى زيادة احتمال توظيف الموارد في مشاريع اقل انتاجية وبالتالي التحجيم من القدرة التنافسية لهذه الشركات امام المنافسة الاجنبية القادمة من خلال تطبيق اتفاقية تحرير الخدمات المالية.

اما من ناحية اسواق المال، فان الدول الخليجية لديها اسواق مالية ناشئة وتشريعات جيدة لضبط العمل بهذه الاسواق. اضف الى ذلك ان هذه الاسواق الناشئة آخذة بالتحسن المطرد من ناحية التشريعات القانونية ومن ناحية تداول الادوات الاستثمارية، وكذلك من ناحية تطوير هذه الادوات الاستثمارية وقد يعيب البعض على ادارات هذه الاسواق بطء عملية التطوير الا ان ذلك في تصوري يعد طبيعيا باعتبار وقوع دول الخليج ضمن فئة الاسواق الناشئة وفي دول نامية.

وفي الواقع، فان الكثير من الدول التي تفشل في اقامة نظام فعال لحوكمة الشركات وفي اطار قانوني متكامل فانها حتما ستفشل في جذب المستثمرين المحليين وكذلك الاجانب وكذلك التجارة الدولية وبالتالي انحسار او ضعف النشاط الاقتصادي فالمعروف ان المستثمرين الاجانب يقومون بتقييم مخاطر الاستثمار الدولية مثل المخاطر السوقية والمخاطر السياسية ومخاطر تقلبات العملة وبالتالي سيحجم هؤلاء المستثمرون عن الدول التي تتصف بعدم وضوح الرؤية القانونية الناتجة عن عدم وجود نظام فعال لحوكمة الشركات.

وتدل الدراسات الحديثة في مجال حوكمة الشركات ان اختلافات انظمة حوكمة الشركات بين الدول صاحبتها اختلافات جوهرية في هيكل ملكية الشركات وسياسات توزيع الارباح على المساهمين وتكاليف التمويل الخارجي بالنسبة للشركات وبالتالي انعكس ذلك على تقييم الشركات المدرجة في اسواق الاسهم.

وفي الواقع فان الكثير من الشركات تستطيع تقوية نظام حوكمة الشركات لديها عن طريق ادراج بعض اللوائح في نظامها الاساسي والتي تهدف الى حماية حقوق المستثمرين وذلك من خلال عدة طرق كما يلي:

1- من اهم هذه الطرق والوسائل زيادة مستوى الشفافية للمستثمرين في ما يتعلق بالمعلومات التي لها علاقة بالقيم الحقيقية لهذه الشركات .

2- اضف الى ذلك وجود مجلس اداري قوي وفعال في الدفاع عن حقوق المساهمين خاصة في الجمعية العمومية وليس كما يحدث عادة في الكثير من الشركات في دول الخليج، حيث تتلاحم مصالح ادارة الشركة مع مصالح اعضاء مجلس الادارة في انتزاع بعض من حقوق المساهمين.

3- كذلك يمكن وضع بعض الضوابط التي تمنع او 'على الاقل' تحجم ادارة الشركة او حتى احد المساهمين الرئيسيين عن اتخاذ قرارات ادارية لمصلحة فئة معينة دون اخرى.

وهناك دراسات اخرى اوضحت انه بشكل عام فان مستوى حوكمة الشركات يكون اقل ما يمكن، خاصة في الدول التي لديها انظمة قانونية ضعيفة او غير شاملة ومفصلة. وتوضح كذلك بعض الدراسات انه يوجد علاقة طردية بين مستوى حوكمة الشركات والقيمة السوقية للشركة اي ان قيمة الشركة (سعر السهم) تزيد كلما زاد مستوى حوكمة الشركة.

دور مجلس الإدارة

ونوهت الدراسة بأن مجلس الادارة يعتبر المحرك الاساسي لنظام حوكمة الشركات باعتبار ان مجلس ادارة اي شركة يهتم اساسا برسم السياسات العليا لانشطة الشركة وبالتالي حماية حقوق المساهمين، فمجلس الادارة له السلطة العليا في شكل ومحتوى وتفاصيل التقرير السنوي للشركة الذي كلما كان مفصلا زادت شفافية المعلومات عن الشركة وبالتالي زاد مستوى حوكمتها.

وقالت: تدل الدراسات ايضا على ان الفصل بين وظيفتي العضو المنتدب ورئيس مجلس الادارة له اثر ايجابي في قيمة الشركة. بمعنى آخر، كلما كان العضو المنتدب يختلف

عن رئيس مجلس الادارة (وليس الشخص نفسه كما في الكثير من الشركات)، زادت قيمة الشركة (مع ثبات العوامل الاخرى).

ويمكن التأكيد انه كلما زادت نسبة اعضاء مجلس الادارة ممن ليس لهم علاقة بالشركة انعكس ذلك بالايجاب على قيمة الشركة (مع ثبات العوامل الاخرى) باعتبار ان تلك الفئة هي المدافع الحقيقي عن حقوق المساهمين وبالتالي فان وضع نظام لحوكمة افضل الشركات يجب ان يأخذ هذا العامل بالاعتبار.

ضبط سلوك المديرين

قسمت الدراسة ادوات ضبط سلوك مديري الشركات الى داخلية وخارجية فالعناصر الداخلية يمكن تمثيلها بمستوى التدقيق المحاسبي، حجم وتشكيلة مجلس الادارة، مستوى رواتب المديرين، النظام المحاسبي الذي من خلاله يمكن كشف الكثير من التلاعب بالحسابات واموال المساهمين.

ولفتت الى امر مؤسف وهو ان مندوب المكتب المحاسبي في الجمعيات العمومية لكثير من الشركات في دول الخليج يكون في صف الادارة بدلا من تمثيل المساهمين الذين قاموا باختياره، مؤكدة انه لايمكن هنا اغفال دور لجنة المحاسبة او لجنة التدقيق المنبثقة عن مجلس الادارة والتي تقدم اقتراحات مهمة في تكوين نظام مناسب لحوكمة الشركات، اذ تتعلق هذه الاقتراحات بتعيين ومكافأة مكتب التدقيق المحاسبي وضع نظام لرقابة الأداء.

اما الادوات الخارجية فيمكن تمثيلها بما تفرضه هيئات سوق المال من لوائح وقوانين لغرض حماية استثمارات ملاك الشركات. وفي معظم الاحوال فان هذه اللوائح والقوانين تهدف الى زيادة مستوى الشفافية لكل ماله تأثير في سعر سهم الشركة. ولاشك ان هيئات سوق المال في دول الخليج قد نجحت في اصدار الكثير من القوانين التي من شأنها زيادة مستوى الشفافية للمستثمر.

العلاوة مشروطة بالأداء

لفتت الدراسة الى ان اداء وقيمة شركات الاستثمار العقاري الاميركية تتأثر سلبا مع الراتب او المكافأة النقدية لمديري تلك الشركات بينما عند اضافة العلاوة السنوية للراتب والتي ترتبط اساسا باداء مديري الشركات فان التأثير يصبح ايجابيا.. وقالت: لاشك ان هذه النتيجة تؤكد وجود نظام فعال لحوكمة شركات الاستثمار العقاري وان مصالح المساهمين والمديرين قد تقاربت بسبب ربط المكافأة السنوية مع اداء تلك الشركات.

تحديات الحوكمة الفعالة في المنطقة

اشارت الدراسة الى ان التجارب التي مرت بها الدول المتقدمة انتجت خبرات تؤكد ان متطلبات وجود نظام فعال للحوكمة تستلزم وجود اطار قانوني متكامل يوضح حقوق المساهمين ويبين متطلبات النظام المحاسبي الفعال. ومما لا شك فيه ان الدول الخليجية تفتقر الى وجود هذا النظام المتكامل كما يوجد في النظم الغربية وقالت من الامور المشجعة في هذا الشأن ان المؤسسات الحكومية المختصة والمهنة المحاسبية ومتطلبات الادراج في البورصات الخليجية كلها عوامل مشجعة للتغير الى الافضل وخصوصا بعد رغبة الحكومات الخليجية في فتح اسواقها للمستثمر الاجنبي. ومن اهم التحديات التي تواجه الدول الخليجية في هذا الشأن ما يلي:

1- هيكل الملكية للشركات الخليجية.

2- العلاقات المتداخلة ما بين الحكومات والانظمة المالية.

3- انظمة قضائية ومدنية ضعيفة او غير كاملة.

4- عدم تطور النظام المؤسسي بما يوفر مزايا مراقبة الشركات بفاعلية كبيرة.

5- غياب الرغبة الحكومية الجادة في تطوير الانظمة القضائية.

6- تفشي الرؤية على اساس المصالح الشخصية.

7- صغر حجم الاسواق المالية الخليجية وكذلك صغر حجم الشركات الخليجية نسبيا وضعف السيولة في هذه الاسواق وقلة عدد الشركات المدرجة وشددت الدراسة على اهمية وجود الرغبة الصادقة لاقرار اي نظام لحوكمة الشركات وبأنه لايكفي أبدا اقرار من دون تطبيق لكامل بنوده.

المصدر : القبس الكويتية