تعزيز دور البنك الدولي في عصر العولمة

 

 

سباستيان مالابي

 

 

مر الركن الرئاسي في مقر البنك الدولي بسلسلة من التغييرات؛ فتحت رئاسة "جيمس ولفينسون" كان هذا الركن يمتلئ بصور المناسبات التي حصل فيها الرجل على جوائز. وتحت رئاسة "وولفوفيتز" أخلت هذه الصور مكانها لخنجر تذكاري إندونيسي، أما في عهد الرئيس الجديد "روبرت زوليك" المدمن على العمل، فقد اختفت الصور والخناجر وامتلأت القاعة بالملفات المكدسة.

وعلى عكس الفشل الذي انتهت به خدمة سلفه في المنصب، فإن بداية "زوليك" كانت جيدة، كما أن أسلوبه في العمل حقق نجاحاً لافتاً حتى الآن. ففي الاستفتاء الاستطلاعي الذي أجريته بين الدائرة الداخلية المحيطة بالرئيس، أبدى الجميع إعجابهم الكبير بأسلوبه خصوصاً أن الرجل لم يقع في الخطأ الذي وقع فيه "وولفوفيتز" عندما أحضر مساعدين من الخارج فتعرض لسخط الموظفين القدامى ولكن الذي جعل مئة يوم الأولى لـ"زوليك" في البنك الدولي شهر عسل، لم يكن الأسلوب وحده بالتأكيد.

فلسنوات عديدة، ظل البنك هدفاً للهجوم من اليسار واليمين، بل من رؤسائه أنفسهم، بسبب تقليص الإقراض للدول المحتاجة وتجميده تقريباً مما اضطره إلى تبني موقف دفاعي. لم يحدث هذا مع "زوليك" الذي قدم نفسه باعتباره رجلاً لا يقبل المساومة فيما يتعلق بتطوير وتعزيز دور البنك الدولي. من هذا المنظور عمل الرجل على تخفيض نسبة الفائدة على القروض التي تمنح للدول المتوسطة الدخل، لتشجيعها على اقتراض المزيد، كما عمل على جمع الأموال من كافة المصادر الممكنة كي يتمكن من زيادة المساعدات المقدمة للدول الأكثر فقراً، ويسعى جاهداً لزيادة القروض التي يمكن تقديمها للقطاع العام والحكومات الإقليمية ويتحرق شوقاً لتوسيع دور البنك الدولي بشكل عام.

هذا الموقف من جانب "زوليك" يثير الكثير من الجدل. إذ يشتكي نقاده من أن البنك الدولي يقرض بالفعل الكثير من القروض دون تدقيق كبير، وهو ما يؤثر على الأسواق الخاصة، ويضخ الأموال في المشروعات دون أن يأبه بالفساد، أو التداعيات البيئية.

والنزعة التوسعية لدى زوليك تقوم على فهم للعولمة يشاركه فيه الكثيرون، فبفضل العولمة- كما قال "زوليك" في خطاب له الأسبوع الماضي- تمكن ما لا يقل عن 300 مليون إنسان من الهروب من غائلة الفقر المدقع منذ عام 1990. وبالرغم من اتفاقنا مع "زوليك" فيما يقوله حيال هذا الأمر، يجب ألا ننسى أن العولمة كان لها وجهها السلبي، والذي يتجسد في حقيقة أن هناك ما لا يقل عن مليار إنسان مازالوا يعانون حتى الآن خارج دائرة التقدم والرخاء... وأن وتيرة التغير الحراري قد ازدادت، وأن الأمراض قد ازدادت هي الأخرى انتشاراً، وكذلك عمليات تهريب الممنوعات والعنف عبر الحدود وأكبر مشكلة تواجهنا كبشر بالنسبة للعولمة هي أننا لا نمتلك الكثير من الأدوات المناسبة التي تمكننا من مواجهة هذه التحديات.

ولكن ما لا شك فيه هو أن البنك الدولي واحد من تلك الأدوات المناسبة، وهو ما يجعلنا نتفق مع "زوليك" على أن هناك حاجة لتوسيعه وتعزيز دوره بدلاً من تركه كي يذوي ويضعف.

على نفس المنوال، نجد أن صعود الصين والهند كان من الأنباء الطيبة في جوهره، لأنه أدى- وسيؤدي- إلى انتشال ملايين الصينيين والهنود من هاوية الفقر، كما سيؤدي إلى ظهور أسواق جديدة ومراكز للابتكارات والإبداع، تساهم في تعزيز مستويات المعيشة في الكثير من دول العالم.

ولكن ظهور مراكز جديدة للتقدم له جانبه السلبي هو الآخر، ومنه على سبيل المثال أن الصين والهند يمكن أن تقوضا الجهود الدولية المبذولة لمقاومة التغير المناخي، ومنه أن التمدد الصيني في الدول الأفريقية يمكن أن يقوض الجهود الأوروبية اللازمة لتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد. ومنه أن الصين إذا ما أحست أن الدول الكبرى تتعمد إهانتها قد تعمل على تعزيز دورها بالقوة.

وأفضل محاولة لتحويل قوة هاتين الدولتين الصاعدتين إلى قنوات إيجابية هو زيادة الدور السياسي المنوط بهما في نطاق العولمة. فإذا ما أعطيت الصين مثلاً حصة في المنظمات والمؤسسات الدولية، وإذا ما ظلت مثل تلك المنظمات والمؤسسات قوية ونشطة ومهمة، فإن الصين في تلك الحالة ستشعر بمسؤوليتها عن تقديم المساعدة من أجل مواجهة التحديات الكبرى مثل التغير المناخي، وأن قوتها الاقتصادية قد أصبحت مقترنة بما يلائمها من قوة سياسية.

إن للبنك الدولي منصةً مناسبةً لحدوث ذلك على الرغم من أن بعض النقاد يريدون من البنك أن يتوقف عن التعامل مع الصين على أساس أن دولة مثلها تبلغ احتياطياتها من العملات الناتجة عن مبادلاتها الخارجية ما يزيد عن تريليون دولار لا تحتاج إلى مساعدات ولا قروض من البنك الدولي . ولكن "زوليك"- الذي شغل نفسه كثيراً في التفكير في الكيفية التي يمكن بها جعل الصين مساهماً عالمياً عندما كان الرجل الثاني في وزارة الخارجية الأميركية- فضل اختيار طريق آخر. فهدفه في النهاية هو إدماج الصين بشكل أكبر في عمليات البنك الدولي، وذلك من خلال تقديم القروض لمشروعاتها الرامية إلى محاربة التغير المناخي، ومن خلال جعل الصين شريكاً للبنك في مواجهة تحديات التنمية في أفريقيا بطرق تؤدي إلى تعزيز الشفافية والحكم الرشيد.

إن نقاد البنك يبالغون في تضخيم السلبيات التي يمكن أن تنتج عن توسع البنك، في نفس الوقت الذي تغيب فيه عنهم الإمكانيات السياسية الواسعة لمثل هذا التوسع صحيح أن مشروعات البنك قد تؤدي في بعض الأحيان إلى تدمير البيئة، وقد يشوبها الفساد، وصحيح أن إقراض البنك قد يؤدي إلى التأثير سلباً أحياناً على الأسواق الخاصة، إلا أن الصحيح أيضاً أن العجز السياسي في مجال العولمة كبير، وأن طموح "زوليك" المناسب هو أن يخفض قليلاً من نسبة هذا العجز.

*كاتب ومحلل سياسي أميركي

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-20-10-2007