الصين: ماذا لو حدثت أزمة اقتصادية ؟
ميشال مرقص
تصلحُ أزمة الرهن العقاري الأميركي العالي المخاطر، أن تكون عبرةً للاقتصاد الخارج عن ضوابط المجازفة، والآخذ باستثمارات عالية المخاطر، خارج قوانين لعبة الاقتصاد الحر. لقد أحدثت الأزمة ندوباً عميقة الأثر في جسم الاقتصاد العالمي، لا يُحتمل محوها في المدى القريب، تجعل العولمةَ محكومة بالمناخ العام في الكرة الأرضية، وتلزمها تأسيس حصانةٍ آمنة، ليس للدول الكبرى، بل لاقتصادات الدول الصغرى. فربط اقتصاد الدول الكبرى، أو المجموعات الجيو- اقتصادية ذات الأثر الشديد على مستوى اقتصاد الدول، وإمعان النزوات المالية غير المضبوطة، أو الخارجة على إرادة المؤسسات العالمية ذات الأداء التقويمي، يدفع باقتصادات الدول غير المعنية مباشرةً بالأزمات، إلى الانهيار. فبعد أزمة الولايات المتحدة الأخيرة، وقبلها بسنواتٍ اليابان ومجموعة النمور في شرق آسيا، يتخوف المراقبون من احتمال اهتزاز اقتصاد الصين، وتأثيره في إمبراطوريات اقتصادية كبرى، ليس داخل الصين فحسب وإنما في العالم. ففي الآونة الأخيرة، تتعرّض الصين لمزيدٍ من الضغوط، على الصعيدين الاقتصادي والبيئي وتتنوّع الضغوط الاقتصادية، إذ يتلقى اقتصادها ضرباتٍ، قد يكون فيها شيءٌ من الصحة، مثل مخالفة منتجاتِ صينية الصنع معايير الجودة ومواصفات السلامة العامة. لكنّ أبرز الضغوط تتلقاها من الولايات المتحدة، وتتمثّل في إحراجها لتقوّم عملتها الوطنية الـ «يوان» الذي تدعم قيمة صرفه بنحو 40 في المئة عن مستوى قيمته الفعلية. هذا الدعم للعملة، وسّع قدرة الصين على التصدير، وعزّز فائض ميزانها التجاري مع كل الدول، ونمّى احتياطها بالعملات الأجنبية بما يلامس التريليون دولار، وسمح لها أن تصير «مصنع العالم» وتتلقى استثمارات خارجية، في دفقٍ لافت من السيولة العالمية الباحثة عن مجالات لتحقيق الأرباح. تجاه هذه الضغوط، تتجاوب الصين بطريقة غير مباشرة، إذ ترى أن الفائض الكبير في الميزان التجاري يحدثُ صدمة اقتصادية غير مستحبة، ويضيّق آفاق استخدامه. فالاقتصاد الذي ينمو بدعم العملة، ويحقق معدلات غير مسبوقة في تاريخ النمو، ولسنوات متتالية بلا استثناء، قد يهوي فجأةً مثل فقاعة، ما لم تتدارك السلطات آليات نموه وتسقط السلبي منها. وهذا ما حمل إلى اعتبار مسؤولين صينيين، أن الاقتصاد الصيني لا يتحدد بعملة مدعومة بل بتنويع الإنتاجية. وخطأ هذا الاقتصاد العملاق، أنّه لم يحذُ حذو اقتصادات سائر الدول الصناعية المتقدمة. بل بقي اقتصاداً ناشئاً، لم يرقَ إلى الاقتصاد المبتكر، الذي عرفته الصين القديمة، يوم اخترعت الكتاب المطبوع وبارود المدافع، والبوصلة وغيرها... ثم أوقفت قطار الثورة الصناعية فعلى هذه القارّة «المصنع» أن تجتاز اليوم، طريقاً طويلاً لكي تتمتّع بنظام ابتكار حديث وشديد الدقة. هذا ما رآه خبراء منظمة التعاون للتطوير الاقتصادي. وعلى رغم كونهـــا تحقـــق نموا في الموازنة المخصصة للأبحاث والتطوير، بمعدل 19 في المئة سنوياً، بلغت 30 بليون دولار في 2005، وضعها في المرتبة السادسة بين الدول العالمية المهتمة بهذا الشأن، فإن الصين تمحور أبحاثها وابتكاراتهـــا حول التكنولوجيا العليا، على حساب نقص في مجالاتٍ أساسية أخرى، تحتاج إليها بعمق مثل الطاقة والخدمات وحماية البيئــة والعلوم الأساسيــة التي هي ركيزة الابتكار على المدى الطويل. وعيبُ الصين، أنها باتت مصنعــاً يقلّد ولا يبتكــر، ويزوّر الماركــات العالميـــة، ويؤسس مصانع تجميعٍ بدل أن يرقى إلى مراتب الدول الصناعية التــي تدفــع إلى السوق سنويـــاً، بمئات الابتكارات الجديدة وكذلك بالمنتجــات غيــر المقلّـدة، والتقليـد يـؤدي إلـى الكسـل والبعد من الابتكار. لكن الأبحاث تحتاج إلى تمويل، وهنا ترى منظمة التعاون للتطوير الاقتصادي أسواقاً لرؤوس الأموال أكثر انفتاحاً ونفعاً، تسمح للمستثمرين بمزيد من الاستثمار في قطاع مجازف مثل التقانة الحيوية. وما يثيرُ المخاوف أيضاً لدى هذا العملاق، المقتحم «العولمة»، كون جهازه المصرفي، الآخذ بأنظمة الغرب، يخضع لمصرفٍ مركزي يراقبه الحزب الحاكم. هو بدوره لا يحفّز على الابتكار. ويستأثر إنشاء المصارف، اليوم، باهتمام كبير، ويشد المستثمرين إلى تملك أسهم المصارف الناشئة فمصرف مثل «تشاينا سيتيك بنك كورب» تضاعفت أسهمه في ساعات من إنشائه. وبنهاية العام الماضي كانت قيمته الترسملية نحو 50 بليون دولار، أضعاف ما كانت لدى تأسيسه قبل عام فالنظام المصرفي الصيني، يشكل ثغرةً شبيهة بالثقب الأسود إذا بدأت المتاعب، لن تصل إلى قعر. ويوجد قلقٌ جاهزٌ باستمرار بشأن المصارف، لأنها على رغم انعدام شفافيتها المتواصل وفقدان الشواهد على ديونها المعدومة المتراكمة، تتفوق على مثيلاتها الأجنبية من حيث تقويمها الورقي. هذه المصارف تلقت مجتمعة، في الأعوام الثلاثة الماضية، ما يربو على 20 بليون دولار استثمارات استراتيجية من بنوك أجنبية أمثال «أوف أميركا» و «غولدمان ساكس» و«تيماسك» الذراع الاستثمارية لسنغافوره، وجمعت أكثر من 60 بليون دولار من عروض الاكتتاب العام. لكن سعر السهم في هونغ كونغ، هو أعلى بثلاثة أضعاف قيمة أصوله. هذه المصارف عاجزةٌ عن أن تفي بالوعود بعدما أخذ نموها يتباطأ منذ العام الماضي، ما يؤدي حتماً إلى تدهورٍ متوقع في جودة الأصول، وإلى حالات جماعية من القصور في تسديد الديون إذا حصلت أي انتكاسة اقتصادية رئيسة ووفقاً للأرقام الرسمية جرى فتح 10 ملايين حساب تجاري جديد في الثلث الأول من 2007، أي اكثر مما جرى من السنوات الخمس السابقة مجتمعة. والخطر الثالث أن الصينيين الجدد الباحثين عن الثروة يسعون إلى تملك الأسهم لدى شركات مشبوهة، وأن سعر الأسهم لنحو أربعين شركة مدرجة في كل من بورصتي هونغ كونغ والصين، يرتفع أحياناً إلى 80 في المئة من قيمته الحقيقية. هذه المخاوف تناولتها المحادثات الرسمية بين قادة الدول وقادة الجمهورية الشعبية، وهي حملت الرئيس الصينى هو جين تاو على أن يصرّح في لقاء «آبيك» الأخير، بأن الصين ستفسح المجال كاملاً أمام الدور الرائد والأساس للابتكار العلمي والتكنولوجي وتنشط تنمية طاقة جديدة ومتجددة وتكنولوجيات كفاءة الطاقة وامتصاص الكربون وتكنولوجيات تكيف مختلفة وتسعى الصين جاهدة لإحداث توازن بين النمو الاقتصادي، والسكان، والموارد، والبيئة. لكن هل تستطيع منع حدوث أيّة أزمة، شبيهة بأزمة الرهن العقاري؟ و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:الحياة اللندنية-10-9-2007
|