أفق ستراتيجي في الصناعة والتصنيــع
تعرف الصناعة ( Industry المشتقة من المصطلح اللاتيني Industriuy ومعناه الاتقان ) على انها ذلك النشاط الاقتصادي الذي يختص بانتاج البضائع، بينما يعرف التصنيع Manu factoring المشتقة من المصطلح اللاتيني ايضا Manu factor ومعناه الصناعة باليد على انه النشاط البشري الذي يقوم بتحويل المواد الاولية الى منتوجات جاهزة بكميات كبيرة ويمكن ان يشير هذا المصطلح الى طيف واسع من النشاطات البشرية من الصناعات اليدوية الى التكنولوجيا الفائقة. ومن المعروف ان الثورات الصناعية بدءا من الثورة الصناعية الاولى في القرن الثامن عشر التي كان محورها المحرك البخاري وانتهاء بثورة النانوتكنولوجي التي تعنى بتكنولوجيا بالغة الصغر تدخل في الطب والمعلومات والهندسة وغيرها، كلها حدثت في الغرب، وانطلقت لتعم معظم دول اوروبا واميركا.. اما دول الشرق فقد كانت تعيش فترة من السبات تحت ظل الامبراطوريات الاستعمارية المتصارعة، فقد كانت معظم بلدان الشرق الاوسط العربية واقعة تحت الاحتلال العثماني التركي، بينما بدأت دول استعمارية ناشئة بفعل القوة الجديدة التي وفرها المحرك البخاري في غزو الشواطئ الجنوبية للجزيرة العربية والخليج العربي التي تحولت الى منطقة صراع على النفوذ بين تلك القوى المتمثلة ببريطانيا واسبانيا والبرتغال. وقد تضافرت اسباب تاريخية وثقافية فضلا عن العامل الكولونيالي، في عدم وصول اشعاعات الثورات الصناعية الى المشرق العربي او العالم العربي عامة الا مع جيوش الاحتلال وتسهيلا لمهماتهم الحربية، بمعنى ان منجزات التطور الصناعي جيء بها لا لتخدم شعوب المنطقة، ولكن لتسهل عمل قوات الاحتلال الاوروبي للمنطقة ولتسهيل الحصول على المواد الاولية من هذه البلدان، وكذلك لتسويق ما باتت تنتجه المصانع المنتشرة في عموم اوروبا والغرب. وظلت الدول العربية بعد الحرب العالمية الاولى تستهلك ما ينتجه الغرب، فالسيارات والقاطرات والطائرات وكل وسائل النقل تقريبا، والصناعات النسيجية والغذائية والمنزلية كانت تستورد من الغرب ( المستعمر ) لترضي الطلب المتزايد عليها في الدول العربية الناشئة ذات التوجه المدني التي تريد ان تعيش على وفق النمط المعاصر ( آنذاك ) من دون ان تفعل اي شيء لانتاج ذلك النمط.. الاستيراد طريقة سهلة ومريحة، ولذلك عند السؤال: هل ثمة صناعات عربية حقيقية في القرن العشرين؟ تكون الاجابة بالنفي، فكل الصناعات التي شهدتها تجارب الدول العربية لا سيما تلك التي تخلصت من انظمتها الملكية ( الموالية ) للغرب بانقلابات عسكرية كتجربة مصر وليبيا ظلت تدور في فلك الحاجة الى الغرب في كل شيء بدءا من استخراج المواد الاولية والمعادن وانتهاء بالصناعات الصغيرة كصناعات الزيوت والصابون وغيرها، فاستيراد مصنع زيوت او صابون وتدريب عدد من العمال على تشغيله والبدء بالانتاج لايعني بالضرورة ان البلد اصبح صناعيا، ومثل هذا الكلام ينطبق على تجربة عبدالناصر في تصنيع السيارات الايطالية نوع ( فيات ) او الطائرات من المعسكر الاشتراكي فلا يمكن القول اليوم ان ثمة صناعة سيارات او طائرات مصرية، كما ان هذه التجربة تكررت في بلدان عربية كثيرة منها العراق الذي تعاون مع دول صناعية مثل الاتحاد السوفيتي السابق وفرنسا والسويد ودول اخرى في صناعات من هذا النوع، لكنها لم تستطع ان تؤسس قاعدة صناعية يمكن تطويرها في المستقبل وسرعان ما اندثرت هذه الصناعات بعدما تطورت في بلدانها الاصلية بخطوات سريعة، بينما راوحت في مكانها او تراجعت في البلدان المستوردة للتكنولوجيا. وليس من شك في ان استيراد التكنولوجيا مرحلة مهمة لابد من المرور بها لتأسيس القاعدة الصناعية، وليست امثلة الصين والهند وحتى اليابان ببعيدة يوم كانت هذه الدول لاتجد غضاضة في استيراد التكنولوجيا المتطورة في اي مجال لكن مع سعيها الدائب للحصول على القدرات الفنية لانتاج التكنولوجيا وتطويرها، ولنأخذ المثال الاتي : فعندما ارادت الهند ان تطلق قمرا صناعيا الى الفضاء فانها عمدت الى صناعة هذا القمر وحمله الى الفضاء صاروخ هندي، بينما اشترى العرب اول قمر صناعي (عربي ) عربسات بالمال من اوروبا وحمله الى الفضاء الصاروخ الفرنسي ( أيريان ).. لقد استساغ العرب طويلا فكرة ( شراء ما نريد ) من ( الاصدقاء ) الامر الذي جعل ( الصناعة) في العالم العربي تراوح عند حدود محاكاة النموذج الغربي بنسخ اقل كفاءة بكثير من المنتج الاصلي في نسخته الغربية. ولم تجر -على نحو جدي - قراءة تجارب الدول الصناعية الكبرى وتطورها العلمي وآليات دعم وتطوير الافكار والاختراعات وبناء منظومة اقتصادية قائمة على التنافس الخلاق، وفسح المجال امام الشركات المتخصصة للتنافس في سوق مفتوح قائم على قاعدة ( دعه يعمل.. دعه يمر ). و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:جريدة الصباح
|