كيف أصـبح كارلوس سليم حلو ثالث أغنى شخص في العالم والأكثر ثراء في أميركا اللاتينية ؟
قصة نجاح إبن والدين عربيين هاجرا إلى المكسيك بداية القرن العشرين كارلوس سليم حلو رقم صعب في المكسيك. تحبه أو تكرهه، الا انك لا تستطيع أن تتجاهله. الرجل علامة فارقة لدى مجلة «فوربس» المتخصصة في أثرياء العالم بسبب سرعة صعوده: في المرتبة الخامسة والثلاثين في 2003 وبثروة تقدر بـ7.4 مليار دولار، قفز في 2004 إلى المرتبة الـ17، وارتفعت ثروته إلى 13.9 مليار، وثم إلى المرتبة الرابعة في 2005 لتبلغ ثروته 23.8 مليار دولار. ليضيف الى ثروته 6.2 مليار دولار ليصبح أغنى ثالث رجل في العالم في قائمة «فوربس» عام 2006 بثروة قدرها 30 مليار دولار، وأغنى رجل في أميركا اللاتينية منذ سنوات. مكسيكي الجنسية ابن مهاجرين عرب سافرا الى المكسيك ببداية القرن العشرين. هاجر جده من جبل لبنان في 1902 ووصل الى مرفأ تنبيكو في المكسيك عام 1902 برفقة أبنائه الثلاثة، من جبل لبنان وانتقلوا عام 1911 إلى مدينة مكسيكو حيث أسّسوا متجراً لبيع المواد المنزلية، أطلقوا عليه اسم «نجمة الشرق». ولد كارلوس في بداية العام 1940، خامساً في عائلة من ستة أولاد. أبوه جوليان سليم حداد، وأمه ليندا حلو، فصار اسمه حسب التقليد الإسباني الذي يحفظ اسم الوالدين كارلوس سليم حلو. وهنا في هذا المتجر تلقى كارلوس، الذي كان يعشق التجارة منذ صغره، دروسه الأولى في عالم الأعمال. ينقل كارلوس عن أبيه الذي توفي عام 1952، أن جده كان يشتري أراضي وشققاً في مدينة مكسيكيو في عزّ الثورة، التي بدأت في العقد الثاني من القرن العشرين، فأخذ أبناء الجالية يحذرونه من الظرف الدقيق وكان يجيبهم: «بالعكس، إنه أحسن ظرف، الأسعار منخفضة والأراضي والشقق باقية في المكسيك، لن تغادرها». تخرّج كارلوس سليم مهندساً، وفي أواسط السبعينات من القرن الماضي أسس شركتين، واحدة للبناء وأخرى في البورصة، وكأنه أراد بإنجازه الأول، أن يؤشر عن سعة آفاقه. وأخذ يطبق نصيحة جدّه: في المكسيك كثرة من الباعة وقلّة من الشارين. فصار «المهندس» خبيراً في اغتنام هذه الفرص. اشترى في البداية معملاً لإنتاج علب السجاير، وبعد سنتين تملك أول شركة للتبغ في المكسيك. في الثمانينات، صار على رأس أكبر شركة تأمين ونائب رئيس البورصة، من دون أن يلتفت إلى همس وتهكم البورجوازية التقليدية على هذا «الصاعد الطارئ». أظهر براعة في شراء العقارات المقيّمة بأقل مما تستحقه وهذا ما أدى إلى تأسيس شركة العقارات «غروبو كارسو» المتكونة من عدة شركات وبنك ومكتب وساطة للبورصة تعرف باسم «Inbursa». وهذه أصبحت الوسائط لسلسلة من المبادلات التجارية. وفي عام 1981 اشترى سليم شركة Cigatam المتخصصة بتوزيع السجائر التي لديها خصم لماركة مالبورو في المكسيك. وأدرك أن ذلك يمكن أن يصبح أشبه بـ«البقرة الحلوب» التي تعطي نقودا: فموزعو السجائر يجمعون الضرائب للحكومة لكن بإمكانهم أن يبقوها معهم لمدة شهر بدون فائدة قبل إرسالها إلى خزانة الدولة. وهذا ما منحه نقدا جاريا سمح له الاستفادة من الأزمة الاقتصادية التي حلت بالمكسيك في السنة اللاحقة، مما مكنه من الانقضاض على أرصدة ثمينة مثل ««Sanborn الذي يعد من أكبر المخازن المتخصصة ببيع السلع الرخيصة مع عدد من المطاعم؛ وشركة تأمين؛ وشركة إنتاج النحاس؛ وأكبر مصنع لأحواض الحمامات والمرافق. وكان الانقلاب الأكبر عند شرائه احتكار المكسيك «Telmex» للاتصالات الهاتفية في عام 1990 خلال موجة الخصخصة. وقاد اتحادا يتضمن France Telecom وSBC الأميركية. وعند النظر إلى الوراء كان السعر الحكومي للصفقة 1.75 مليار دولار وهو رخيص جدا. لكن حتى سليم لم يتوقع ما ستولده Telmex من مداخيل كبيرة. وأصبحت الأرباح التي تصله سنويا حوالي ستة مليارات دولار منها. وما زالت Telmex توفر نقدا كافيا كل سنة يعادل ما دفع لشرائها في البداية. ويعتبر سليم اليوم «الدائن الذي يعتمد عليه كآخر ملجأ» للمكسيك فهو يتدخل لإنقاذ الشركات المهزوزة. ولعب دورا في إعادة هيكلة تلفيزا المحطة التي تحتكر البث في المكسيك وإنقاذها من أزمتها المالية وبالمقابل أصبح سليم مالكا لجزء كبير من أسهم هذه المحطة. وفي السنة الماضية اشترى كل ديون محطة التلفزيون أزتيكا ثاني أكبر مؤسسة بث مكسيكية. ومثل العديد من الشركات الأخرى التي استفادت من أوضاع السوق في المكسيك مثل شركة إنتاج الاسمنت «سيمكس»، وكان على سليم أن يتحرك وبشكل متزايد لترك المكسيك كي يجد أرباحا جديدة. وكانت الديون المعلقة على الشركات وراء اندماجها في قطاع الاتصالات الهاتفية بالمكسيك خلال التسعينات من القرن الماضي وهذا ما وفر له فرصة في الفترة الأخيرة كي يشتري أرصدة بقيم رخيصة. فإضافة إلى شركة MCI حصل على حصة كبيرة من الأسهم من غلوبال كروسنغ وهي شركة اتصالات هاتفية أميركية بعد أن أفلست. كذلك اشترى شركة Embratel البرازيلية للاتصالات الهاتفية والتي كانت تحت سيطرة MCI بمبلغ 400 مليون دولار. سيطر على شركة الهاتف «تيليمكس» عند موجة خصخصة الاقتصاد المكسيكي، التي أطلقها الرئيس كارلوس ساليناس، فاز كارلوس سليم (على رأس مجموعة تضم «بيل» الأميركية و«فرانس كابل»)، بشركة الهاتف المكسيكي «تليميكس». أثارت المناقصة في حينها (عام 1991) فضيحة كبيرة لأن سليم حصل على روزنامة تسديد مرنة سمحت له بدفع جزء من الشركة من خلال تشغيلها. وأيضاً بسبب السعر الزهيد الذي استقرت عليه عملية البيع: 1.76 مليار دولار، فيما تقدر قيمة أملاك الشركة في السوق بـ20 ملياراً. قيل وقتها إن كارلوس سليم لم يكن إلا واجهة وهمية لرئيس الجمهورية، لكن تبيّن أن عرض سليم لشراء «تيلميكس» كان أكبر العروض المقترحة. و تتحكم تيلميكس اليوم بـ90 في المائة من خطوط الهاتف الثابت في المكسيك، ولم تنجح أكبر الشركات الأميركية في خرق ما تعتبره «حالة احتكارية» تقاضيها أمام المحاكم. يقول كارلوس سليم مازحاً: «منذ أن دخلت قطاع المواصلات، اصبحت محاطاً بالمحامين بدلاً من المهندسين». اليوم، يملك أيضاً «أميركا موبيل»، وهي أكبر مشغل للهاتف الجوال في أميركا اللاتينية. وتشكل «تيلميكس» جوهرة إمبراطوريته الاقتصادية، اذ يعمل فيها أكثر من 250 ألف موظف وعامل، وتمثل 40 في المائة من رأس مال بورصة مكسيكو. خلال السنوات الأخيرة، صار سليم يبحث بدوره عن الفرص في الولايات المتحدة، وخصوصا في قطاع المواصلات، حيث تحول إلى اكبر مالك لأسهم «إم.سي.آي»، وفي قطاعات أخرى مثل فيليب موريس، وأسس شركة موجهة للجمهور اللاتيني مع بيل غيتس. يرفض الخضوع للهيمنة الأميركية ويمثل كارلوس سليم نموذجاً من رجال الأعمال اللاتينيين الذين يأبوا أن يخضعوا للهيمنة الأميركية شكلاً ومضموناً. يتحاشى التحدث بالإنجليزية، التي يتقنها، في المناسبات العامة، ويمزج بين ذكاء لامع ومعرفة دقيقة بقوانين اللعبة، وأعصاب فولاذية. «يبيع أكثر من ألف كومبيوتر يومياً، وما زال يلجأ إلينا بواسطة الهاتف إذا كان يحتاج إلى معلومة يجهلها. كما يقول أحد معاونيه. لا يخشى اللجوء إلى نوع من الشوفينية التي تحتقر «مقلدي الأميركيين»، وحتى إلى نوع من العائلية عندما تقتضي الحاجة: عشية فض عروض مناقصة «تيلميكس»، جمع زوجته سميّة ضومط وأولادهما الستة وأقسموا معاً بأنهم، إن وُفقوا في مسعاهم، لن يبيعوا أسهمهم «قبل جيلين». أعطى للشركة الأم في الكونسورتيوم إسم «كارسو» الذي هو مزيج من كارلوس وسميّة. وقد توفيت هذه الأخيرة بين يديه عام 1999 خلال رحلة طيران، وخضع هو عام 1997 إلى عملية قلب مفتوح. يعتبر أهم جامع أعمال فنية بأميركا اللاتينية، ومجموعته معروضة بمتحف في مكسيكو، ولديه ثاني أكبر مجموعة من تماثيل النحات الفرنسي رودان، بعد متحف رودان الباريسي. يرأس «مؤسسة وسط مكسيكو التاريخي»، وهو شريك أساسي في عملية إعادة تنظيمه وترميمه. يتحاشى كارلوس سليم السياسة ويساير أسيادها». وعلى رغم شكوك البعض، ينفي سليم أن يكون لديه مشروع سياسي خاص، وأي توجه لأن يكون بيرلسكوني أو الحريري المكسيكي مبرراً ما يقوم به «بمجرد حبه للبلد وخوفه عليه». المصدر : لندن: «الشرق الاوسط»- 16-3-2006
|