الصين بين الأمن الغذائي وانتاج الإيثانول

 

 

بيتر فورد

 

 

وضعَ إنتاجُ "الإيثانول" الحكومةَ الصينية في موقف صعب للغاية؛ حيث تتزايد المخاوف من أن تؤدي هذه المادة الصديقة للبيئة التي تضاف إلى الجازولين إلى تأجيج زيادة في أسعار المواد الغذائية، خاصة اللحوم، وهي زيادة تنطوي على أبعاد سياسية خطيرة.

فبعد أن باتت صناعة "الإيثانول" تستحوذ على قدر متزايد من محصول الصين من الذرة، اتخذت السلطات تدابير وخطوات من أجل إبطاء وكبح جماح ما وصفه تقرير رسمي بالاستثمار "الأعمى" في قطاع استخراج "الإيثانول".

وفي هذا الإطار، يقول "زانج زونجون"، نائب رئيس مكتب "منظمة الأغذية والزراعة" التابع للأمم المتحدة في بكين:"لا يمكن للصين أن تضحي بالأمن الغذائي من أجل الطاقة. ويبدو أن هذا هو الرأي الغالب في أوساط الحكومة".

آخر المؤشرات على انشغال الحكومة وقلقها إزاء هذا الموضوع صدرت عن رئيس الوزراء "وين جياباو" الذي قام، وسط تغطية إعلامية كبيرة جدا عطلة نهاية الأسبوع الماضي، بزيارة لإحدى مزارع الماشية وسوق اللحوم في مدينة "كزيان"، التي تبعد حوالى 750 ميلاً عن بكين. فحسب وزارة الزراعة، ارتفعت أسعار اللحوم بنسبة 29 في المئة خلال العام الماضي.

وتصدَّر هذا الارتفاع الكبير في الأسعار عناوين الصحف الصينية، وأثار موجة من الاستياء والتذمر في الأوساط الشعبية.

وقد نقلت وكالة الأنباء الصينية الرسمية عن "وين" قوله مخاطباً حشداً من الناس في السوق: "إن الحكومة تبذل كامل الجهود من أجل ضمان استمرار توفر اللحوم، وجعل سعرها في متناول المواطن الصيني العادي".

ويقول "هو كزينغدو"، المحلل السياسي بـ"معهد بكين للتكنولوجيا":"إن الحكومة الصينية تولي اهتماماً كبيراً لهذا الموضوع"، مضيفاً "ذلك أنهم يخشون أن يؤثر ارتفاع الأسعار على الاستقرار الاجتماعي؛ فهم لم ينسوا بأن التضخم كان سبباً رئيسياً في دفع الناس للمشاركة في أحداث 1989" التي قام فيها الطلبة بتزعم احتجاجات عارمة في ساحة "تيانانمان".

ويعزي محللو القطاع زيادات الأسعار إلى انتشار أمراض تصيب بعض أنواع المواشي في الصين.

إذ بالرغم من أن السلطات أعلنت عن وقوع 300 حالة وفاة في قطعان المواشي، فإنها أبلغت الوكالات الدولية بوقوع 100000 حالة وفاة، بل إن بعض الخبراء لا يخفون تشككهم حتى في هذا الرقم. وفي هذا الإطار، يقول خبير دولي مطلع على الوضع في الصين: "ربما تكون ملايين الماشية قد نفقت. والحقيقة هي أننا لا نعرف".

أما "لو يونبو"، رئيس كلية علوم الغذاء التابعة لجامعة الزراعة في بكين، فيرى أن ارتفاع الأسعار مرده إلى "الإقبال الكبير على الذرة لأغراض صناعية، مثل إنتاج الإيثانول، وليس الاستعمال الزراعي فحسب".

يُعرف "الإيثانول" بكونه وقود المستقبل البديل، وباعتباره مصدر طاقة نظيفا، يمنح الفلاحين في البلدان النامية فرصاً جديدة.

وعلى هذه الخلفية، حددت الخطة الخمسية الصينية الحالية الهدف المتمثل في استعمال الوقود البيولوجي بنسبة 15 في المئة من احتياجات قطاع النقل في البلاد في أفق 2020؛ بل إن محطات الوقود في عدد من الأقاليم الصينية، تمزج حالياً ما نسبته 10 في المئة من الإيثانول مع الجازولين الذي تبيعه.

بيد أن المنتقدين عبر العالم بدؤوا مؤخراً في التساؤل بخصوص التأثيرات المترتبة عن إنتاج الإيثانول على نطاق واسع، ومن ذلك ازدياد التنافس على المواد الغذائية.

وفي الصين بصفة خاصة، حيث توفي نحو 30 مليون شخص بسبب المجاعة قبل أقل من 50 عاما، يكتسي هذه الموضوع أهمية كبيرة، ويدفع الكثيرين إلى التحفظ على استعمال المواد الغذائية كوقود.

وبموازاة مع انتشار مصانع "الإيثانول"، الكبيرة منها والصغيرة، في المناطق المعروفة بإنتاج الذرة خلال السنوات الأخيرة، اشتد تنافس هذه المصانع مع منتجي الأعلاف الحيوانية على المواد الخام. فحسب دراسة صدرت في ديسمبر الماضي عن "لجنة الإصلاح والتنمية الوطنية"، وكالة التخطيط الاقتصادي في الصين، فقد تضاعف تقريباً حجم الاستعمال الصناعي للذرة بين 2001 و2005 ليصل إلى 23 مليون طن، وهو ما يشكل 16.5 في المئة من محصول الذرة لعام 2005.

والنتيجة - حسب التقرير- هو النقص في الذرة، ذلك أن "إمدادات الذرة المخصصة للقطاع الصناعي تنافس إمدادات الأعلاف الحيوانية، التي تؤثر على تطور تربية الماشية".

الواقع أن نسبة الذرة المخصصة لأغراض غير غذائية في الصين أصغر بـ30 في المئة من كمية الذرة المخصصة للإيثانول في الولايات المتحدة؛ كما أن إنتاج الإيثانول الصيني - الذي يقدِّره المركز الزراعي التابع لجامعة لويزيانا بـ3.7 مليون طن- لا يمثل سوى ربع المستويات الأميركية.

إلا أن "زانج" من "منظمة الأغذية والزراعة" يرى أن "الوضع في الصين مختلف"، على اعتبار أن "الولايات المتحدة والبرازيل تتوفران على مناطق زراعية واسعة جدا والكثير من الماء.

 أما الصين، فتعاني من نقص في الماء والأراضي المستقية، ثم إنه بلد يعاني العجز"، حيث يستورد من الحبوب أكثر مما يصدره.

*مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في بكين

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-23-6-2007