بحر قزوين‏..‏ حلبة صراع الكبار

 

 

نجوي عبد الله

 

القوة والنفوذ والأمن والثروة تلك هي الاهداف التي تسعي روسيا الي تحقيقها بإبرامها اتفاقها الاخير مع كل من تركمنستان وكازاخستان لانشاء خط انابيب للغاز الطبيعي مواز لبحر قزوين لنقل غاز تركمنستان الي الاسواق الغربية والاوروبية علي وجه الخصوص‏,‏ فبهذا الاتفاق تكون موسكو قد اعلنت عن بداية فصل جديد في اللعبة الكبري للسيطرة علي مصادر الطاقة في منطقة آسيا الوسطي وهي اللعبة التي بدأت فور انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام‏1991‏ ومازالت مستمرة وهو ما يفرض علي باقي اللاعبين‏,‏ وبالتحديد الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والصين البحث عن استراتيجيات جديدة لمجابهة المد الروسي في المنطقة او علي الاقل لا تترك الساحة مفتوحة لها‏,‏ وجاء رد الفعل سريعا من جانب الولايات المتحدة التي اعلن وزيرها للطاقة ان هذا الاتفاق ليس في مصلحة اوروبا التي دائما ما سعت الي تنويع مصادر امداداتها بالطاقة خلافا لروسيا التي سبق ان اثبتت انها لا تتواني عن استخدام مصادر الطاقة كسلاح اقتصادي وسياسي ينهي اي صراع لمصلحتها مثلما حدث خلال ازمتها مع اوكرانيا العام الماضي حيث قامت بقطع امدادات الغاز عنها‏.‏

ومن ثم تأثرت امدادات الغاز لأوروبا كلها كرد فعل علي اعتراض كييف علي قرار موسكو ببيع الغاز لها بأسعار السوق في حين اعتادت شراءه بأسعار تفضيلية علي اعتبار انها كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق‏.‏

ومن جانبها تسعي موسكو الي تأكيد وجودها القوي في المنطقة في مواجهة التحالف الأوروبي الأمريكي والذي بات جليا في مشروع الدرع الصاروخية الامريكية في اوروبا الشرقية و وافضل الطرق من وجهة نظرها هي دعم سيطرتها علي خطوط تصدير الغاز بإبرام مثل هذه الاتفاقيات التي تضمن لها الهيمنة الكاملة علي مصادر الطاقة التي تحتاجها اوروبا بشدة‏.‏

وبالفعل تبدو الصفقة الروسية الأخيرة لمصلحتها‏100%,‏ فهي تعني انه في المستقبل القريب ان الغاز قادم من تركمنستان سيتم تصديره عبر روسيا التي اعتادت شراء الغاز التركمنستاني بأسعار اقل من اسعار السوق مما يمكنها من تحقيق هامش ربح اكبر من بيعه الي اوروبا‏,‏ فعلي سبيل المثال قامت روسيا العام الماضي بشراء‏42‏ مليار متر مكعب من الغاز من تركمنستان بسعر‏100‏ دولار للمتر المكعب الواحد لبيعه بنحو‏250‏ دولارا في اسواق اوروبا التي تمدها موسكو بنحو‏25%‏ من احتياجاتها من الغاز الطبيعي كما أنها ثاني اكبر مصدر للبترول لها‏,‏ وهو ما يعني تحقيق مكسب يصل الي‏150%.‏

 فماذا عن بناء خط أنابيب جديد وتحديث القديم منها وهو ما سيسمح لروسيا بشراء ما يقرب من‏80‏ مليار متر مكعب من تركمنستان سنويا‏,‏ وإحراز تقدم علي قوي الغرب في زيادة نفوذها علي دول آسيا الوسطي وهو الأمر الذي ساعد علي تحقيقه وفاة رئيس تركمنستان صابر مراد نيازوف الذي استطاع ان يثني مؤقتا روسيا والغرب عن أحلامهما في وضع ايديهم علي الغاز الطبيعي لبلاده في الوقت الذي وقع اتفاقا مع الصين لبناء خط أنابيب لتصدير الغاز الي الصين‏,‏ ليتولي بعده كوربانجولي بيرديمحمدوف المتحمس لاتخاذ خطوات تأتي بنتائج تصب في المصالح القومية لبلاده ويسمح لروسيا بتحقيق حلمها‏.‏

وتعلم دول اسيا الوسطي ان تقديم بعض التنازلات للكرملين سيجعل الحياة بالنسبة لها أسهل ويجنبها التعرض لرد الفعل العنيف الذي مارسته روسيا ضد أوكرانيا واستونيا وجورجيا‏,‏ ومن ناحية اخري تجد جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ان اتفاق خط الانابيب الذي تقدمت به موسكو هو افضل ما حصلت عليه من عروض‏,‏ فقد سبق ان حاولت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي استغلال نفوذهما من اجل نقل الغاز من تركمنستان الي تركيا واذربيجان عبر بحر قزوين دون المرور بروسيا إلا ان هذه الخطة لم تتخط كونها مجرد فكرة لم تخرج الي حيز التنفيذ‏.‏

إذن فالمؤكد ان دول آسيا الوسطي ستسعي الي تنويع طرق وخطوط تصدير غازها ونفطها وهو ما يزيد من انتاجها وبالتالي سينعكس علي اقتصادها‏.‏

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر : الأهرام المصرية-27-5-2007