قمة الدول الثماني تدرس «خطة عمل» لأفريقيا
يحتل ملف القارة الإفريقية أهمية خاصة بين الملفات العديدة التي ستبحثها قمة الدول الصناعية الثماني مطلع الشهر المقبل في منتجع هايليفندام شمال ألمانيا. ويعود ذلك إلى كون القارة السوداء تضم أكثر الدول فقراً في العالم ولا تستقطب أكثر من اثنين في المئة من الاستثمارات الدولية على رغم أن عدد سكانها يتجاوز 900 مليون شخص. وتأكيداً على أهمية هذا الملف شهدت برلين أخيراً ندوة دعا إليها البنك الدولي ووزارة التعاون الاقتصادي والإنماء الألمانية وشارك فيها ممثلو بعض الدول الأفريقية والشركات الألمانية والدولية للبحث في كيفية مساعدة الدول الأفريقية على النهوض من كبوتها ورفع اقتراحات في هذا الصدد إلى قمة الثماني. وسبق ذلك أيضاً اجتماع وزراء مال الدول الصناعية الثماني على مدى يومين في بوتسدام القريبة من العاصمة الألمانية في نهاية الأسبوع الماضي في حضور وزراء مال عدد من الدول الأفريقية للاتفاق على تفاصيل «خطة عمل لأفريقيا» تهدف إلى منع دول القارة من الوقوع من جديد في هاوية الديون بعدما اتفقت الدول الصناعية الدائنة على إلغاء 80 في المئة تقريباً من ديون هذه الدول البالغة عشرات بلايين الدولارات. وبموازاة الانتعاش الاقتصادي الذي يشهده العالم منذ سنوات تعيش الدول الأفريقية بدورها في مرحلة نمو اقتصادي لا مثيل له بحسب المشاركين في الندوة. ونظرة سريعة إلى معدلات النمو المسجلة في العقود الأخيرة تؤكد هذا الأمر. ففي حين بلغ متوسط معدل النمو لدول القارة في الثمانينات من القرن الماضي 1.8 في المئة ارتفع المعدل إلى 2.4 في المئة في التسعينات وتجاوز الثلاثة في المئة عام 2000 ليستمر في الصعود مسجلاً خمسة في المئة من النمو عام 2006. وكما قالت وزيرة التعاون الاقتصادي والإنماء في ألمانيا هايديماري فيتشوريك تسويل في كلمة لها في الندوة فإن مردود النمو هذا لا يصل إلى الشعب بما فيه الكفاية، ما يمكِّنه من الشعور بتحسن شروط معيشته. وواضح أن أقلية في الحكم وخارجه تحتكر المردود الأكبر من النمو المحقق، الأمر الذي دفع بالوزيرة إلى المطالبة بالمزيد من الديموقراطية والمساواة الاجتماعية وتأمين فرص العمل. وإذا كان هذا الأمر يشكل جانباً إيجابياً من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها القارة السوداء فإن الجانب السلبي يتمثل في دوامة الديون التي تثقل كاهل الدول الأفريقية وجعلتها غير قادرة على الخروج منها. وبعد أن أعرب وزراء مال فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وكندا وروسيا والولايات المتحدة واليابان وألمانيا في بيانهم الختامي وفي حضور مسؤولين أفارقة عن «قلق كبير» من حجم الدين الذي ترزح تحته بعض الدول الأفريقية دعا وزير المال الألماني بيير شتاينبروك الذي ترأس بلاده قمة الثماني هذا العام «إلى تفادي وقوع الدول الأفريقية في دوامة جديدة من الديون» لافتاً إلى أن الدول الدائنة «تتحمل في هذه الحالة جزءاً من المسؤولية». وأكد شتاينبروك مع نظرائه الآخرين أن دولهم «ستلتزم بالوعود التي سبق وقطعتها إلى دول القارة السوداء» في ما يخص المساعدات المالية والتنظيمية المطلوب تقديمها. ومن هنا فإن المطلوب بحسب البيان خطة عمل لتنفيذ إصلاحات سياسية - اقتصادية - مالية في الدول الفقيرة والنامية لدفعها إلى الأمام وتمكينها من الوقوف على رجليها. ومما لاشك فيه أن أهم الإصلاحات المطلوبة في القارة التعامل المسؤول أولاً مع المساعدات المالية المقدمة، واعتماد التقشف في الموازنات المالية السنوية ثانياً، والطلب من الدول المانحة زيادة مراقبتها على كيفية صرف المساعدات ثالثاً. وثمة اقتراح أيضاً من المجتمعين بإنشاء مؤسسة «ديوان المحاسبة» في الدول الأفريقية لضمان مراقبة فاعلة على عمليات الصرف الحكومي والعمل على إصلاح النظام الضريبي فيها بصورة يتفهمها السكان. وفي ما يخص مردود الثروات الطبيعية التي تباع إلى الخارج نصت الخطة على أن تظهر الحكومات شفافية أكبر وأن تنشئ أسواقاً محلية لتقديم القروض الصغيرة والمتوسطة. وفي حديث مع جريدة «فرانكفورتر روندشاو» الألمانية اعترفت رئيسة ليبيريا إيلين جونسون سيرلاف «بأن على الدول الأفريقية تنفيذ شروط الدول الصناعية حتى تتمكن من التغلب على مشكلة الديون التي ترزح تحتها». وتابعت: «علينا القبول بتقليص سيادتنا لفترة محددة من الوقت إلى أن نتمكن من تنظيم شؤون بيتنا». ومن بين الشروط الموضوعة من الدول المانحة ممارسة المسؤولين الأفارقة ما يسمى هنا بـ «الحكم الجيد»، واتباع سياسة اقتصادية عقلانية، والتركيز على مكافحة الفقر واحترام حقوق الإنسان. ويختلف الخبراء والمراقبون حول مضمون هذه الخطة ومدى فاعليتها، لكن العديد منهم ينتظر من قمة الدول الثماني تحقيق تقدم جديد على طريق إعفاء الدول الأفريقية من كامل ديونها. كما يرى بعضهم أن القروض الكبيرة التي تقدمها الصين الشعبية حالياً إلى الدول الأفريقية ستكون مضرة بالنهج الذي تتبعه الدول الثماني لأن بكين تقدم القروض من دون الالتزام بالشروط الدولية المعتمدة التي تربط منحها باتباع الدولة المستفيدة «حكماً جيداً»، أي ممارسة سياسة مالية شفافة تتماشى والصالح العام وتبتعد عن الفساد والرشوة. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر: الحياة اللندنية-24-5-2007
|