معركة متواصلة بين الخارجية الأميركية والبنتاغون حول أسلوب العمل في العراق

 

 

دبلوماسيون اعتبروا مساعد نائب وزير الدفاع شخصا «ستالينيا» يساعد المتمردين في صنع القنابل

اعتبر دبلوماسيون أميركيون يعملون في العراق أن مساعد نائب وزير الدفاع الأميركي، بول برينكلي، شخصا ستالينيا. بل اتهمه أحدهم بأنه يساعد المتمردين في صنع قنابل أفضل. ومن جانبها اتخذت وزارة الخارجية الأميركية خطوة غير طبيعية في كسب دعم «السي آي إيه» لانتقاد عمل برينكلي. ويكمن خطؤه في أنه سمح بإعادة فتح عشرات المصانع الحكومية في العراق. ويؤمن برينكلي وزملاؤه في البنتاغون بأن إعادة تأهيل المصانع الحكومية ستساعد على تشغيل عشرات الآلاف من العراقيين، وبالتالي ستساعد على تقليل العنف. لكن مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية يخالفون هذه الفكرة ويرون أن هذه المبادرة تتعارض مع الإصلاحات الهادفة لترسيخ مبدأ السوق الحرة التي ظلت الولايات المتحدة تروج لها في العراق.

لذلك فإن الصراع البيروقراطي هو حول الكيفية التي يمكن اتباعها لإحياء الاقتصاد العراقي المحتضر يعكس كيف أن اللاعبين الأساسيين في إعادة إعمار العراق ـ وزارتي الدفاع والخارجية ـ يظلان على خلاف مستمر حول الإجراءات الأولية المتعلقة بالسياسة والاقتصاد. وأدى هذا الخلاف إلى عرقلة المبادرات الهادفة إلى تعزيز الاستقرار بعد أربعة أعوام على سقوط صدام حسين.

وتحت ضغط من الكونغرس لإظهار تحقق تقدم على الأرض ظل الجيش يفضل غالبا تحقق نتائج مباشرة تهدف إلى تقليص العنف. وهذا أثار ردود فعل معاكسة من بعض المسؤولين في وزارة الخارجية والذين يهتمون بالنتائج البعيدة المدى. وخلال الأشهر الأخيرة ظلت الوزارتان الأميركيتان مختلفتين حول درجة دعم المزارعين العراقيين من حيث المساعدات والضرائب. وظلتا مختلفتين حول رغبة وزارة الخارجية في نشر فرق إعادة إعمار في محافظتين ذات أغلبية شيعية تقع في وسط العراق. لكن مسؤولي وزارة الدفاع رفضوا تقديم أي حماية امنية لهذه الفرق، مفضلين نشر أكبر عدد من القوات الأميركية في بغداد. وتحاجج وزارة الخارجية الأميركية بأن المدنيين الأميركيين المحميين بشكل جيد في تلك المحافظتين سيتمكنون من بناء علاقات جدية مع القادة المستقبليين للشيعة.

وقال مسؤول حكومي أميركي معني في وضع السياسة الخاصة بالعراق: «هناك درجة مدهشة من العداء بين الوزارتين». وأصبح الخلاف بين وزارة الخارجية وبرينكلي شديدا إلى الحد الذي جعله يكف عن التعامل مع السفارة الأميركية في بغداد. وقال برينكلي حول مسؤولي السفارة: «نحن نميل إلى عدم التعامل معهم غالبا. نحن لدينا مهمتنا ونحن نقوم بما خاص بنا».

وقال برينكلي الذي أجرت واشنطن بوست معه مقابلة إنه يتوقع بدء عدة مصانع حكومية بالعودة إلى العمل خلال هذا الصيف. ومع انتهاء هذه السنة يتوقع أن تبدأ الأسواق العراقية باستقبال سترات جلدية مصنوعة وسلع أخرى مصنوعة في العراق.

ويعود الخلاف حول الكيفية التي يجب التعامل وفقها مع المصانع الحكومية إلى وقت وصول القوات الأميركية إلى بغداد في أبريل 2003. وكان المستشار الأول الأميركي لوزارة الصناعة والمعادن، السفير المتقاعد تيموثي كارني، يحاول أن يعيد فتح أغلب المصانع الحكومية البالغ عددها 192 والتي حسب البنك الدولي كانت تشغّل 500 ألف عام قبل الحرب.

لكن رئيس الإدارة المدنية للعراق، بول بريمر، اعتبر ذلك سياسة اقتصادية سيئة. وأغلب هذه المصانع كانت تنتج سلعا دون المعايير العالية قبل الحرب، ومنذ ذلك الوقت تعرضت للنهب. وكان بريمر يريد أن يبادر المستثمرون الخاصون بشراء المصانع حتى مع استمرار العمال بتسلم رواتبهم دعما لهم. لكن ذلك الأمل لم يتحقق قط. وظلت المصانع مغلقة بينما أوقفت الحكومة العراقية رواتب العمال. ويرى مسؤولون عسكريون أميركيون أن الكثير من هؤلاء العمال التحقوا بالتمرد.

وتقدر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ان ما يقرب من نصف العراقيين عاطلون عن العمل أو يعملون اقل من 15 ساعة اسبوعيا، ولكن تلك الأرقام لا تتضمن مئات الألوف ممن عملوا ذات يوم في المشاريع التي تملكها الدولة ويستمرون في الحصول على 40 في المائة من رواتبهم الأصلية. ويعتقد برينكلي انه اذا ما حسبوا فان الرقم الحقيقي للعاطلين العراقيين عن العمل قد يصل الى 70 في المائة.

وأخذ برينكلي هذه الحقائق المقلقة الى غوردون انغلاند، مساعد وزير الدفاع، واقترح اعادة تأهيل المصانع التي يبدو ان من الممكن انقاذها. وبعد جولات على ما يزيد على 50 من المؤسسات والمصانع قدر فريق برينكلي ان حوالي 20 منها جديرة بالتصليح، وبينها مصانع لقطع غيار السيارات والأنسجة والسلع الجلدية والأسمدة والسجاد. ولكن عندما كشف برينكلي خططه لمسؤولين في السفارة ببغداد الخريف الماضي شعروا بالغضب.

وحذر المسؤولون في السفارة برينكلي من أنه اذا ما فتح مصانع في المناطق السنية أولا فانه سيخاطر باثارة غضب الشيعة. وفضلا عن ذلك فان الكهرباء الضرورية للانتاج يمكن أن تعني اقل بالنسبة للسكان. وتساءل مسؤولو السفارة: هل سيكون الناس أكثر سعادة اذا ما حصلوا على وظائف ولكن كهرباء اقل في بيوتهم؟

وطلبت وزارة الخارجية من «السي آي إيه» تقييم العلاقة بين البطالة والهجمات على القوات الأميركية في العراق. ولم يجد تحليل «السي آي إيه» صلة هامة بين الظاهرتين. كما أن «السي آي إيه» أبلغت وزارة الخارجية بأن الأغلبية الساحقة من المتمردين الذي سألهم محققون أميركيون في العراق زعموا بأن لديهم وظائف.

وقال برينكلي انه شعر بعدم الارتياح بسبب معارضة خططه، ولكنه تشجع من دعم انغلاند ومسؤولين آخرين في البنتاغون. أما البيت الأبيض فقد شعر بحماس تجاه مبادرة برينكلي بحيث طلب من الكونغرس اوائل العام الحالي تخصيص مبلغ 100 مليون دولار لتلك الجهود. وقرر الكونغرس تخصيص 50 مليون دولار. ويعتقد برينكلي انه حتى هذا المبلغ المخفض يمكن أن يعيد ما يقرب من 100 ألف عراقي الى العمل. وزاد عدد الفريق العامل معه الى 60 شخصا. كما أنه وسع مهمته لتشمل التركيز على قطاعات الزراعة والاتصالات. وقال برينكلي انه على الرغم من العنف المستمر والتقدم البطيء لعملية المصالحة السياسية فانه يواصل اعتقاده بأنه بوسع الولايات المتحدة المساعدة على تحقيق الاستقرار في العراق. وبينما تتعزز سمعته في واشنطن فان منتقديه في بغداد يصبحون اكثر حدة. وأضاف قائلا انه ما يزال يعمل ولكن من «من دون ان يجد أي شخص من السفارة يتقدم لمساعدته».

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الأخبار العراقية نقلا عن واشنطن بوست-15-5-2007