أميركا ومخاطر العودة إلى طاقة الفحم

 

رونالد براونشتاين

 

بدأت تلوح في الأفق نذر صدام وشيك بين أجندة واشنطن التشريعية والقانونية من جهة والخطط الاستثمارية التي تعتزم منشآت إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة إقرارها للسنوات المقبلة من جهة أخرى. وما لم يتم إيجاد صيغة توافقية بين الطرفين، فإن أي تقدم ملموس للحد من الاحتباس الحراري ستتم إعاقته لسنوات، إن لم يكن لعقود مقبلة. فقد أصبحت القيود المفروضة على انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون ملزمة لمنشآت إنتاج الطاقة للتخفيف من حدة احترار الأرض، وذلك بعد القرار الذي اتخذته المحكمة العليا الأميركية الأسبوع الماضي. فبإصدار قرارها الذي صنف الغازات المسببة للاحتباس الحراري على أنها ملوثات ضارة بموجب قانون "الهواء النظيف"، تكون المحكمة العليا قد مهدت الطريق أمام "وكالة حماية البيئة" لسن القوانين والتنظيمات المناسبة لتطبيق القرار على أرض الواقع. والأكثر من ذلك أن قرار المحكمة العليا فتح الباب على مصراعيه أمام الكونجرس لوضع قيوده الخاصة بهدف خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. لكن كل ذلك قد لا يجد سبيلاً للتحقق في ظل معارضة الرئيس بوش لفرض قيود إلزامية على منشآت الطاقة.

فرغم أن العديد من مرافق إنتاج الطاقة تقر بحتمية الالتزام بالقيود المفروضة على انبعاث الغازات الملوثة، فإن أغلبها يتلكأ في الأخذ بها ما لم تلزمها القوانين بذلك. وفي الوقت الذي تماطل فيه واشنطن إزاء فرض تلك القيود وإلزام الشركات بتنفيذها تستمر منشآت إنتاج الطاقة في وضع خططها الاستثمارية التي تقوض أي استراتيجية قد تتبناها الأمة في المستقبل لحماية البيئة. فمع التقديرات التي تتوقع ارتفاع الطلب على الكهرباء بحوالى السدس طيلة الفترة الممتدة إلى 2015، تعتمد منشآت الطاقة بشكل أساسي على الفحم لتلبية الطلب المتزايد رغم إدراكها أن الفحم ينتج نسبة مرتفعة من ثاني أكسيد الكربون تفوق ما يطلقه النفط، أو الغاز الطبيعي. ويبدو أن الفحم تحول إلى سلعة جذابة بالنسبة لمنشآت إنتاج الكهرباء بسبب وفرته وانخفاض سعره الراجع إلى عدم مطالبة المنشآت بعزل ثاني أكسيد الكربون وبثه تحت الأرض. يذكر أن المحطات التي تعمل بالفحم تساهم في إنتاج نصف ما تستهلكه الولايات المتحدة من كهرباء، لكنها أيضاً تنتج 80% من حجم الغازات المسببة للاحتباس الحراري المرتبطة بإنتاج الكهرباء. والواقع أن المحطات التي تعتمد على الفحم، تنتج ثلث إجمالي الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الولايات المتحدة، وهو يوازي تقريباً ما تنتجه السيارات والشاحنات من انبعاثات غازية.

ومع ذلك، أفادت وزارة الطاقة الأميركية بأن منشآت الطاقة تعتزم بناء 150 محطة إضافية تعمل بالفحم بحلول 2030، ويتوقع أن يبدأ تشغيل نصف تلك المحطات مع 2011. وتبرر المنشآت خططها الجديدة بأنه لا بديل لديها لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، وهو ما يعني أن المحطات الجديدة ستستمر في العمل على مدى الخمسين سنة المقبلة ضاربة بعرض الحائط التشريعات الحكومية للحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ويعبر عن هذا التخوف "بروس نيلز"، وهو مدعٍ عام مهتم بحماية التشريعات الحكومية بقوله: "إن الخطر الأكبر الذي يتهدد السياسة الحكومية للحد من الاحتباس الحراري هو تعطيل صدور التشريعات الضرورية لسنة، أو لسنتين، حتى تتمكن شركات الطاقة من بناء محطات جديدة تعتمد على الفحم، وحينها يصبح من المستحيل القيام بشيء ما". ويأمل المراقبون في أن تؤدي الاكتشافات التكنولوجية الجديدة إلى طرح حلول مبتكرة تقلل من الأخطار المحدقة بالبيئة الناتجة عن انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون.

وفي هذا السياق يعكف العلماء والباحثون على تطوير أنظمة تقوم بإبقاء ثاني أكسيد الكربون داخل المحطات، ثم عزله ليتم بعد ذلك إطلاقه في باطن الأرض. لكن تلك المحاولات مازالت في مراحلها البدائية، بحيث تشير التجارب التي أقيمت في النرويج إلى أن المحطات لا تعزل سوى ثلث غاز ثاني أكسيد الكربون بينما يطلق الباقي في الأجواء، وهو ما تقوم به أية محطة أخرى دون فروق كبيرة. لذا تقوم بعض الشخصيات العامة مثل نائب الرئيس السابق "آل جور"، والمرشح "الديمقراطي" للانتخابات الرئاسية "جون إدوارد"، فضلاً عن المتحدث باسم وكالة الفضاء الأميركية "جيمس هانسين" بالضغط في اتجاه منع بناء محطات جديدة تعمل بالفحم حتى يتم التأكد من التكنولوجيا المعتمدة على عزل ثاني أكسيد الكربون. ومع أن الاقتصاد الأميركي لن يسمح بتعطيل إنتاج الطاقة لفترة طويلة مع تنامي الطلب، فإنه يتعين، على الأقل، السعي لإبقاء المحطات الجديدة المعتمدة على الفحم في نطاق ضيق.

ولعل السابقة التي يمكن للولايات أن تسترشد بها هي القانون الجديد الذي سنته ولاية كاليفورنيا، ويقضي بمنع شراء الكهرباء من المحطات التي تنتج كميات كبيرة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. والأكثر من ذلك يتعين على المحطات الجديدة أن تفكر مرتين قبل الإقدام على بناء منشآت تعمل بتقنية عزل ثاني أكسيد الكربون، لأن ذلك سيحتاج إلى قطع غيار باهظة الثمن. ورغم إعلان بعض الشركات المتخصصة خططها لتصنيع قطع الغيار للمنشآت الجديدة، نصح المراقبون بأن يتم بناء محطات متطورة لا تحتاج إلى قطع غيار كثيرة. ومع ذلك لا مناص من إقرار التشريعات الجديدة من قبل الكونجرس الأميركي، حتى تشعر منشآت إنتاج الطاقة بأنها في حاجة إلى تقليص انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وتلتزم بها بقوة القانون.

*كاتب ومحلل سياسي أميركي

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-18-4-2007