انعكاسات الديون الخارجية على واقع الخدمات العامة
علي دنيف حسن
فيما كانت ديون العراق تتفاقم وتتضخم وتصل الى اعلى مستوياتها نتيجة لظروفه السياسية والاقتصادية ،كان مستوى اداء الخدمات العامة فيه تهبط الى أدنى المستويات على صعيدي الأجهزة المادية والبشرية من جهة، وعلى مستوى الانجاز والأداء والتطوير من جهة أخرى.. لقد خلق هذا الوضع فجوة واسعة لايمكن ردمها أو تجاوزها الابمزيد من مليارات الدولارات التي لايمكن توفيرها حتى مع احتساب عائدات النفط العراقية ، مما يستدعي البحث في مسببات هذا الاختلال وعدم التوازن ومراجعة الأسباب الحقيقية التي أدت الى هذه الكارثة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية على مستقبل العراق في جميع الأصعدة. لقد تردت الخدمات العامة نتيجة لعدة اسباب مهمة نذكر منها: 1- عامل الاهمال من قبل السلطات الرسمية وشبه الرسمية بشكل عام ، والمواطن العراقي بشكل خاص. فالاهمال وعدم المتابعة وانعدام الجدية في معالجة العيوب والأخطاء والتجاوزات وغياب المسؤولية كانت وماتزال سبباً مهماً في تردي واقع الخدمات. 2- غياب البعد الستراتيجي في التخطيط قديماً وحديثاً، اذ لم يأخذ المخططون للخدمات العامة في العراق ماقد يأتي به المستقبل من مستجدات ومتغيرات كعامل ازدياد السكان على سبيل المثال ، الذي يستدعي بدوره توسعاً كبيراً في مستوى الخدمات ،ولهذا غصت الشوارع بوسائل النقل ، والعيادات بالمرضى ، والمدارس والكليات بالطلبة ، وما الى ذلك من صور أفرزها تطور وازدياد السكان في العراق. 3- تداعيات الواقع السياسي للنظام السابق ، واستثماره لميزانية العراق في الجوانب التعبوية والدعائية والعسكرية ودخوله في حروب متعددة دفعته لاهمال الانفاق على متطلبات الخدمات العامة... 4- تداعيات الحصار الاقتصادية على العراق نتيجة لغزوه دولة الكويت والشكوك التي حامت حول استخدامه المزدوج للكثير من الأجهزة والمعدات ذات الطابع المدني في العمل العسكري.وهو ماحرم العراق من تجديد أجهزة ومعدات الخدمات العامة.. 5- الفساد الاداري قديماً وحديثاً الذي لعب دوراً مهماً في ضياع واهدار الأموال المخصصة لاصلاح وتطوير وتفعيل جاهزية بنى الخدمات العامة ، اذ مازال هذا القطاع بؤرة يعشش فيها الفساد المالي والاداري بجميع صوره واشكاله حتى الآن … 6- تدني المستوى العلمي والمهني للملاكات المشرفة والعاملةفي قطاع الخدمات العامة بسبب قلة تدريبها وعدم اطلاعها على مجمل التطورات الحديثة والاجراءات المبتكرة لتجاوز الأزمات والمشاكل والاخفاقات في مثل هذه القطاعات.. 7- العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية لاسقاط النظام السابق وما رافقها من تدمير لأجزاء متعددة من قطاع الخدمات العامة سواء كان التدمير بفعل هذه القوات او بفعل عوامل السلب والنهب لقطاعات ومؤسسات الدولة او بفعل عوامل التخريب والارهاب .. لكل هذه الأسباب وأسبا ب أخرى ، ورثنا قطاع خدمات مدمر في جميع مستوياته ، ولا عجب والحال هذه أن نسمع تصريحات المسؤولين في الحكومات العراقية المتعاقبة بعد سقوط النظام وهي تتحدث عما تحتاجه عمليات إصلاح هذه الخدمات واعادة فاعليتها بمليارات الدولارات..وتشكل حاجة العراق لاصلاح واقع خدماته المتردية عامل ضغط لايمكن الاستهانة به على مستقبل الاقتصاد العراقي الذي ينوء بثقل تفاقم ديونه الخارجية التي لم يجر حسمها واطفاؤها،واستمرار في زيادة حجم بعضها بسبب استمرار احتساب الفوائد عليها...لقد تفاقمت ديون العراق الخارجية لعدة اسباب نذكر منها: 1/هشاشة الخطط الاقتصادية لرفع مستوى الانتاج الصناعي والزراعي للبلاد ، واعتماد النظام السابق في ظل تخبطه في الحروب على عائدات النفط كمورد وحيد.. 2-اتساع الانفاق العسكري والاستخباراتي والدعائي والاعلامي.. 3- إهدار أموال البلاد وعائداته النفطية على شكل رشاوى وهبات لأصدقاء النظام من عراقيين وعرب وأجانب((فضائح كوبونات النفط)). 4- التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة وحتى البعيدة ومايتطلبه هذا التدخل من أموال طائلة.. 5- تهريب الأموال والممتلكات العراقية من قبل اقطاب النظام واعوانه واستثمارها خارج العراق تحت اسماء معروفة او وهمية ، واستشراء الفساد الاداري والمالي في جميع موسسات الدولة..وان الاقتصاد العراقي يعيش بين ضغطين أحلاهما مر، وينعكس احدهما على الآخر ،هما حاجة قطاع الخدمات العامة للأموال من اجل اعادة ماتبقى منه، واطفاء ديونه الخارجية من جانب آخر . وهو مايلزم وضع الدراسات والبحوث المجدية للخروج به من هذا النفق المظلم. و كل ذلك بحسب راي علي دنيف حسن المصدر المذكور. المصدر: جريدة الصباح-7-2-2006.
|