الـتحديات الاقـتـصادية الـتي تـواجـه الـحـكـومـة العراقية المـقـبـلـة

 

 

  د. هيثم كريم البدري

 

تشكلت الحكومة العراقية بعد مخاض عسير شهدته العملية السياسية في العراق  نتيجة لعدم توفر ارضية توافق بين القوى والكتل السياسية الفاعلة في البيئة السياسية العراقية وسيادة مفاهيم الطائفية والمحاصصة كإفراز لحالة الفوضى التي سادت العراق منذ عام 2003 .

وحداثة العمل السياسي والحزبي في عراق ما بعد سقوط النظام السابق.

ورغم كل المعوقات ولدت حكومة عراقية جديدة ، وهنا نتساءل هل ان ولادة حكومة عراقية جديدة سيكون نهاية لمرحلة الفوضى وعدم الاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق ؟ وماهي مقومات نجاح الحكومة الجديدة في عملها ؟ وما هي المشاكل التي ستواجهها الحكومة العراقية ؟ وما هي الوسائل والطرق التي ستتبعها لمواجهة تلك المشاكل ؟ كيف ستحدد مسار تعاملاتها مع العالم الخارجي في ظل وجود التأثير الاميركي ؟ ما هي سياساتها المتبعة في مواجهة متغيرات البيئة الدولية الجديدة ومنها الاقتصادية كالانفتاح على العالم الخارجي هل هو انفتاح مطلق ام مقيد ؟ هل ستشرع ببرامج الخصخصة على وفق برامج المؤسسات الاقتصادية الدولية ام على وفق برامج تتلاءم ومتطلبات الحالة العراقية ؟ ما هي سياساتها مع الشركات والاستثمارات الاجنبية؟ ما هي سياساتها الضريبية والكمركية ؟وكيف ستتعامل في توزيع الثروات ؟ وكيف ستوفق بين التطلعات المتقاطعة لمكونات المجتمع العراقي ؟ وغير ذلك الكثير من التساؤلات التي لايمكن حصرها في هذه الدراسة . وبقدر تعلق الامر بالجانب الاقتصادي سوف نركز على اهم التحديات التي تواجهها الحكومة العراقية وهي:

اولا: تحدي المديونية الخارجية

من اولى التحديات الكبيرة التي ستواجهها الحكومة العراقية المقبلة هي المدينوية الكبيرة للعراق التي تقدر بـ (127) مليار دولار ، فقد ورث العراق تركة النظام السابق بسبب سياساته الخاطئة التي استنزفت موارد العراق النفطية اذ ان العراق كان يحتل المرتبة الرابعة من حيث حجم الفوائض المالية على الصعيد العربي الا انه وبسبب الحروب التي خاضها النظام ( حرب مع ايران 1980-1988، وحرب الكويت 1991، وما تبعه من سنوات حصار اقتصادي كبير استمرت من 1991 -2003  والذي حرم العراق من الحصول على ايرادات بيع نفطه) جعلت من العراق دولة مدينة للعالم الخارجي رغم المحاولات الكبيرة للتخفيف من حدة المديونية الخارجية وبمساعدة الولايات المتحدة الاميركية حيث ان الرئيس جورج دبليو بوش عين جيمس بيكر كمبعوث شخصي له ليتولى موضوع الغاء ديون العراق تجاه دول العالم، الا انها ما تزال تعتبر احد معوقات تحقيق التنمية المستقبلية في العراق وتحد بارز يواجه الحكومة اذ امامها مهمة تتمثل بكيفة تحقيق موازنة بين متطلبات تحقيق التراكم الداخلي ومتطلبات الايفاء بتلك الديون وفوائدها .    واهم تلك الديون هي المترتبة على دول الخليج وتبلغ (30) مليار دولار، ايطاليا (1.726 ) مليون دولار، الولايات المتحدة (4.1 ) مليار دولار  ، اليابان 4.108.600 مليار دولار ، المانيا2.403.900 مليار دولار ، روسيا (12) مليار دولار ، فرنسا (2.993.700) مليار دولار ، وغيرها من الدول وعليه فان تلك المديونية هي كابح ومحدد رئيس في قدرة وفاعلية الحكومة العراقية الجديدة في المرحلة القادمة مضاف الى ذلك الفوائد المترتبة عليها والتي تلبغ 47 مليار دولار.

ثانياً :  تحدي التعويضات:

من التحديات التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة هو تحدي التعويضات المترتبة على العراق نتيجة سلوكيات النظام السابق سواء تجاه ايران او الكويت وفضلا عن تحمله كلفة الحرب عليه سواء حرب الخليج الاولى او الثانية ، حيث بلغت التعويضات ( 320 مليون دولار) و الثابتة منها ( 148 ) مليار دولار اما التعويضات غير الثابتة فهي ( 172 ) مليون دولار.

 ثالثاً : تحدي البطالة:

ان البطالة المستشرية في العراق بين صفوف القوى القادرة على العمل تشكل تحدياً يواجه الحكومة العراقية الجديدة خلال المرحلة القادمة ، اذ ان البطالة يمكن ان تعتبر احدى اركان مثلث العنف في العراق التي تولد الفقر ومن ثم لا يكون امام المواطن العراقي الا ان يلجأ الى طرق غير مشروعة لتأمين عيشه ومنها اللجوء الى العنف والارهاب ، ووفق دراسة وزارة التخطيط لعام 2005 اشارت في تقريرها عن البطالة في العراق بان نسبة البطالة تبلغ 38 % من جحم القوى القادرة على العمل الا اننا يمكن ان نقول بان النسبة هي اكثر من ذلك خاصة بعد حل الجيش العراقي والدوائر المنحلة ووزارة الاعلام ، لذا فان التحدي المباشر الذي يواجه الحكومة الجديدة هي مدى قدرتها على تحقيق فرص عمل للايدي العراقية العاطلة فضلا عن قدرتها على اعادة تأهيل قدرات تلك القوى من خلال اعادة تأهيلها على صناعات جديدة فمعظم القوى العاملة في العراق هي من النوع غير الماهرالذي لا يتناسب مع متطلبات التنمية الحديثة وهذا تحد مضاف في ظل محدودية امكاناتها المالية .

 رابعاً : تحدي الانتقال الى اقتصاد السوق.

 الانفتاح الاقتصادي والخصخصة من التحديات الجسام التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة هي مسألة الانتقال الى اقتصاد السوق وتطبيق سياسات الخصخصة وما يترتب عليها من آثار اجتماعية خطيرة على المواطن العراقي في ظل عدم وجود شبكات للامان الاجتماعي التي تنادي بها حتى المؤسسات الاقتصادية الدولية وقد لاحظنا في الاونة الاخيرة عندما شرعت وزارة النفط العراقية بتنفيذ احد الشروط المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والخاصة بالغاء الدعم عن المحروقات ، بان ذلك انعكس وبشكل سلبي على المواطن العراقي وبشكل خاص مسألة ارتفاع الاسعار ، فكيف الامر اذا طبق العراق بقية الشروط التي تقتضي بالغاء الدعم وبجميع اشكاله عن المواطن العراقي وفي مجالات تمس امن الموطن العراقي كالماء والكهرباء والصحة والتعليم والبطاقة التموينية ....الخ ، وهذا تحد يواجه الحكومة الجديدة بدلا من العمل على كسب رضا الشعب .

خامساً :  تحدي الاستقلالية في اتخاذ القرار الاقتصادي الخارجي ان تحدي الاستقلالية في اتخاذ القرار الاقتصادي العراقي سيشكل تحديا اخر يواجه الحكومة العراقية القادمة ، وهذا التحدي جاء كافراز للحالة الراهنة التي يمر بها العراق والمتمثلة بوجود القوات الاميركية في العراق فضلا عن التأثير الكبير للمتغير الاميركية في صياغة تحركات الحكومة العراقية الجديدة فالولايات المتحدة الاميركية تقود العملية الاقتصادية في العراق من خلال تأثيرها في المنظمة الدولية للتجارة WTO حيث منحت العراق صفة مراقب في المنظمة في فترة لم تحظ بها اية دولة من دول العالم وكذلك التأثير الاميركي في مسألة تخفيف الديون عن العراق من خلال الجهود المبذولة مباشرة من قبل مبعوث الرئيس الاميركي (جيمس بيكر) فضلا عن اسقاط الدين الاميركي والبالغ اربعة مليارات دولار ، وايضاً التأثير الاميركي على المؤسسات الاقتصادية الدولية وخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين يضاف الى ذلك الهيمنة الإميركية ومن خلال مكتب PCO  على الية منح عقود اعادة اعمار العراق فضلا عن احياء الاتفاقية الاقتصادية بين العراق والولايات المتحدة الاميركية لعام 1987 التي ربطت العراق بأميركا في مسائل التجارة والاستثمار فضلا عن التمويل الاميركي للمشروعات والشركات الخاصة في العراق من خلال بنك التصدير والاستيراد الاميركي وكل ذلك يمثل مؤشرات على مدى ارتباط الحكومة العراقية الجديدة في قرارها الاقتصادي المستقبلي بالولايات المتحدة الاميركية وبعبارة اخرى هل الحكومة الجديدة قادرة على صياغة وتوجيه مسار تعاملاتها الخارجية بعيداً عن تأثير المتغير الاميركي وهذا تحد مهم يواجه الحكومة العراقية الجديدة .

سادساً :  تحدي تمويل عملية اعادة اعمار العراق:

ان الحكومة العراقية الجيدة ستواجه تحديا كبيرا يتمثل باعادة اعمار العراق لكن نتساءل في ظل المديونية الكبيرة للعراق فضلا عن مسألة التعويضات وفي ظل محدودية الموارد المالية للعراق كيف ستتمكن الحكومة الجديدة من الايفاء بمتطلبات اعادة اعمار العراق التي قدرت بـ(100 ) مليار دولار، وعليه فان الحكومة ستكون فاعلة بمدى قدرتها على تجاوز هذه الاشكالية .

سابعاً : تحدي الموازنة بين فروض صندوق النقد الدولي وتطلعات الشعب العراقي بدور اكبر للحكومة الجديدة .

ان الحكومة العراقية ستواجه اشكالية تتمثل بمدى قدرتها على الموازنة بين الايفاء بوعودها لمعالجة الحالة الاقتصادية العراقية المتدهورة وما تنطوي عليه من حالة بطالة متعاظمة ومعدلات نمو منخفضة ومعدلات تضخم كبيرة فضلا عن حالة الفقر المستشرية في العراق ،هذا جانب ومن جانب اخر الايفاء وفي ظل تزايد الدعوات ووفق فروض المؤسسات الاقتصادية الدولية وخاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بابعاد الدولة وتقليص دورها في النشاط الاقتصادي وحصره في ثلاثة جواني (السياسة الدفاعية ، السياسة الاحتكارية العامة ، سياسة الأمن العام ) ، اذ ان مساعداتها اصبحت مرهونة بعدد من الشروط ومنها ابعاد الدولة ورفع الدعم الحكومي بجميع اشكاله عن المواطن العراقي في حين ان الشعب العراقي يتطلع وبمختلف اطيافه ومكوناته الى الحكومة الجديدة وكأنها الاداة التي سوف تنقله من حالة الفوضى الى حالة المدنية والرفاهية .

ثامناً : تحدي الفساد الاداري وترشيق الدولة واصلاح النظم الادارية .

ان الفساد الاداري يشكل تحديا كبيرا يواجه الحكومة العراقية الجديدة ويعتبر آفة اقتصادية تواجه اقتصادات الدول وخاصة المتحولة منها ، وقد تم تصنيفه ضمن ما يسمى ( بالجريمة الاقتصادية ) ، لذا فان إنهاء عمليات الفساد الإداري في المؤسسات التابعة للدولة العراقية الجديدة من خلال عمليات رقابة شديدة وإنهاء حالة الارتزاق الوظيفي التي تعد من المظاهر السائدة في مشاريع القطاع العام يعد ضرورة ملحة ينبغي للحكومة الجديدة التصدي لها .فضلا عن أن كفاءة الجهاز الإداري يعتبر أحد أهم العوامل في تنمية اقتصاد أي بلد ولنا في النهضة اليابانية نموذج على ذلك لذا لابد من إعادة النظر بصيغ ووسائل الإدارة العراقية (الإصلاح الإداري ) والتأكيد على أعداد القيادات الإدارية إذ ليس بالضرورة  القدم في الوظيفة هو الأساس في تبؤ الوظائف القيادية لذا لابد من وضع برامج لإعداد القيادات الإدارية على وفق المناهج العالمية التي تخدم الهدف إذ لابد من تجاوز العناوين التي كانت تحكم الجهاز الإداري سابقا والتأكيد على نتائج ومخرجات الإدارة حيث أن الشركات ومؤسسات الدولة العراقية انطوت على بيروقراطية شديدة أفضت مخرجاتها إلى ضياع للجهد والوقت والكفاءة فضلا عن انعدام  الحساب الاقتصادي في التصرفات وعلى جميع المستويات ، يضاف إلى ذلك لابد من إعطاء صلاحيات لتلك القيادات لترتقي إلى مستوى صلاحيات صاحب العمل في القطاع الخاص من اجل تجاوز المركزية الشديدة في إلادارة التي أضاعت الكفاءة والربحية الاقتصادية فضلا عن البطء الشديد في القيام بالإجراءات أو اتخاذ القرارات الإدارية وهذا من شأنه معالجة الخلل الإداري وتضخم قوة العمل في الدولة مما يجعل منها أداة لتخفيف الأعباء التي تتحملها الميزانية العامة للدولة بدلا من أن تكون أداة لاستنزافها أولا ومن ثم تكون مصدراً مهماً من مصادر الإيرادات العامة توظف لدعم القطاعات المهمة كالتعليم والصحة والاهتمام بالبنية الأساسية .

 تاسعاً : تحدي التحول التكنولوجي في العراق

  ونتيجة لأوضاع العراق فهو يعاني من فجوة تكنولوجية ومعلوماتية كبيرة وهذه الفجوة تحول دون عملية التحول الصناعي للعراق وعدم احتلال موقع متقدم في المنافسة الدولية لان مستوى تطوره التكنولوجي منخفض ،وعليه فان تعاظم الفجوة التكنولوجية ينطوي على عدم إمكانية دخول العراق عضو فاعل ومؤثر في الاقتصاد العالمي أي أن العراق يحتاج إلى  التكنولوجيا المتقدمة من اجل توظيفها لتجاوز مرحلة تخلفه  .

وأمام هذه الإشكالية يواجه العراق خيارين:

الأول : بناء قاعدة علمية وبحثية وطنية .

 الثاني :- نقل التكنولوجيا في محاولة لتحقيق تنميته .

فيما يتعلق بالخيار الأول .. نلاحظ أنه في ظل ظروف العراق الحالية هناك معوقات تحد من إمكانية  تطوير قاعدة تكنولوجية وطنية كما هو الحال في العديد من دول الجنوب وهذه المعوقات تتمثل بالأتي:

أ . الشروط المقيدة التي يضعها مالكي التكنولوجيا .

ج. القيود المالية أي ضعف الموارد المالية اللازمة لإقامة مثل تلك القاعدة التكنولوجيا ، إذ أن العراق يعاني من عجز مالي كبير (حالة المديونية التي وضعها فيه النظام السابق ونتيجة للتعويضات الكبيرة التي يجب على العراق الإيفاء بها فضلا عن حالة التدمير في بنيته الصناعية ) . وهذا عامل مضاف لاضعاف القدرة المالية العراقية في المستقبل القريب . كذلك الافتقار إلى الملاكات  البشرية فضلا عن نقص المعلومات و الخبرات التكنولوجية المحلية، أي الافتقار إلى ملاكات بشرية مهيأة ومدربة تقنياً ، ألا إن العراق ونتيجة للقيود الكبيرة التي وضعها النظام السابق على انتقال العراقيين لتلقي العلوم والتدريب في الدول المتقدمة فضلاً عن حالة العزلة التي وضع فيها بموجب (قرارات مجلس الأمن ) عن التطورات التكنولوجية الحديثة كل ذلك أدى إلى عدم توفر هياكل إدارية وتقنية قادرة على الإبداع والابتكار  التكنولوجي  .

يضاف إلى ذلك غياب مؤسسات البحث والتطوير في العراق بل أن نسبة ما يخصص إلى البحث والتطوير تكاد لا تذكر باستثناء البحوث في المجال ( التصنيع العسكري ) الذي استنـزف ميزانية العراق وكبله بديون كبيرة سينوء تحتها ولأزمنة طويلة .امام هذه الإشكاليات التي ينطوي عليها الواقع العراقي ليس امام العراق سوى الخيار الثاني وهو نقل التكنولوجيا ، التي هي مملوكة للشركات المتعددة الجنسية ، وعليه فان الحكومة الجديدة ستواجه تحديا مهما و تجاوزه يتوقف على مدى قدرتها في التعامل الايجابي فضلا عن قدرتها التفاوضة والتساومية مع تلك الشركات .

وكل ذلك بحسب رأي د. هيثم كريم البدريالمصدر المذكور.

المصدر: جريدة الصباح-6-2-2006