صندوق النقد الدولي... أربع خطوات على طريق الإصلاح
جوهانز لين* كولين برادفورد **
في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، التي عقدت في سنغافورة ، اتخذت خطوات بسيطة في ظاهرها، لكنها في غاية الأهمية تهدف إلى تحسين الهياكل الإدارية لصندوق النقد الدولي عبر الرفع من حصة الدول الأعضاء الأربع الأقل تمثيلاً في مجلس مديري الصندوق وهي: الصين وكوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا. ونظراً للدور الكبير الذي تلعبه مسألة توزيع حصص الدول في تحديد نظام التصويت داخل مجلس مديري الصندوق، فضلاً عن الالتزامات المالية الواجب تسديدها للصندوق والحقوق المترتبة على ذلك، فقد اعتبر مدير الصندوق "رودريجو دي راتو" الإجراء خطوة أولى في اتجاه إصلاح صندوق النقد الدولي وتحويله إلى مؤسسة أكثر تمثيلاً وذات شرعية عالمية. ولتحقيق الهدف النهائي من الإصلاحات والمتمثل في معالجة الاختلالات التي تعرفها المؤسسات المالية الدولية، يتوجب على الدول الأعضاء مسايرة جهود مدير الصندوق في أجندته الإصلاحية، ومد يد العون إليه من خلال الموافقة على برنامج العمل الذي يشمل النقاط التالية: أولاً: الرجوع إلى الأساسيات، حيث يتعين على صندوق النقد الدولي ألا يقف عند رفع حصص الدول الأعضاء في مجلس المديرين، بل يتوجب عليه أيضاً الرفع من حصة المخصصات المالية التي تدفعها الدول للصندوق بمعزل عن وزنها الاقتصادي، وذلك بهدف تمكين الدول الأعضاء الفقيرة في مجلس المديرين من مشاركة أكبر في التصويت، وفتح المجال أمامها لتمويل الصندوق كغيرها من الأعضاء الأكبر حجماً. وعلى الرغم من أن النفوذ الحقيقي داخل صندوق النقد الدولي سيظل بأيدي القوى الاقتصادية الكبرى، فإن هذه الخطوة البسيطة تعتبر إجراء على الطريق الصحيح لرفع تمثيل الدول الصغرى ما دامت هي الأطراف الأكثر تأثراً واعتماداً على قرارات صندوق النقد الدولي. وفيما يتعلق بالخطوة الثانية التي يشير إليها برنامج العمل الجديد المقترح من قبل مدير الصندوق والرامي إلى تقويم اختلالاته، فتتمثل في تغيير معايير تحديد حصص المشاركة المالية في تمويل الصندوق على نحو يعكس المتغيرات المالية والاقتصادية للدول الأعضاء. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق إدراج الناتج الإجمالي الداخلي للدول، فضلاً عن حجم التدفق التجاري والمالي، وربما حتى عدد السكان. ولاشك أن مثل هذه الخطوة ستنقل قوة الإدارة إلى القوى الاقتصادية الصاعدة عبر منحها القوة التمثيلية التي تتماشى مع نموها الاقتصادي. غير أنه لكي يتحقق ذلك، على الدول الأوروبية التخفيض من حصصها الكبيرة في صندوق النقد الدولي. وترتكز الخطوة الثالثة الرامية إلى إصلاح صندوق النقد الدولي على تقليص عدد المقاعد في مجلس المديرين من 24 إلى 20 مقعداً من خلال تعزيز المقاعد الأوروبية ودمجها في بعضها بعضاً. ولعل السبيل الأمثل لتحقيق ذلك يتم عبر موافقة الدول الأوروبية على ملء مقعد واحد يجعل الاتحاد الأوروبي أكبر عضو في الصندوق. وكجزء من هذا الإصلاح يمكن منح الدول الأفريقية مقعداً أو مقعدين إضافيين في المجلس لتعزيز صوتها في المؤسسات المالية الدولية. وفي الخطوة الرابعة، يجب ألا ننسى مسألة اختيار مدير الصندوق وأهميتها لإصلاح المؤسسة الدولية، وضرورة اعتماد معايير الشفافية والكفاءة بصرف النظر عن جنسية المرشح. وهو ما يتطلب أولاً توقف الدول الأوروبية عن عادتها السابقة في اختيار مدير الصندوق. وإذا ما تم تطبيق الخطوات الأربع السابقة فإن إصلاحاً مهماً سيطال إدارة صندوق النقد الدولي ليتحول إلى مؤسسة أكثر تمثيلاً واهتماماً بمطالب الدول الصغيرة. غير أن تلك الخطوات جميعاً تستدعي تنازل الدول الأوروبية عن بعض نفوذها، ورغبة حقيقية في إسناد أدوار فاعلة للدول الفقيرة، أو القوة الاقتصادية الجديدة. لذا لم يكن غريباً أن يبدي المسؤولون الأوروبيون خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي بسنغافورة معارضتهم لتقليص وزنهم التاريخي في المؤسسات المالية. ولكي يتم إقناع القوى الأوروبية بالتخلي عن بعض امتيازاتها في صندوق النقد الدولي لابد من التوصل إلى صفقة كبرى تقوم بموجبها الولايات المتحدة بالتخلي عن جزء من امتيازاتها في البنك العالمي مثل عدم اختيارها لمديره مقابل تنازل الدول الأوروبية عن بعض الصلاحيات في صندوق النقد الدولي. ويمكن للولايات المتحدة أيضاً أن تقلص من حجم مساهمتها المالية في المؤسسات المالية لإفساح المجال أمام باقي الأعضاء، فضلاً عن تنازلها عن حق النقض الذي تتمتع به دون غيرها في المؤسسات المالية الدولية. وأخيراً يمكن لأميركا أن تظهر قيادتها الحقيقية للعالم إذا ما هي قامت بتوسيع أعضاء قمة الدول الثماني الكبرى لتشمل قوى أخرى صاعدة مثل الصين والبرازيل والمكسيك والهند وجنوب إفريقيا. هذه التغييرات في حال إدخالها على المؤسسات المالية سيكون لها أثر كبير على قراراتها، بحيث ستنضم دول لها مواقفها الخاصة لتساهم في إثراء المؤسسات المالية ورفدها بأفكار جديدة تساعدها على الاضطلاع بمهامها وتعديل الطريقة الحالية التي تدار بها تلك المؤسسات. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى الجهود الكبيرة التي بذلها مدير صندوق النقد الدولي "رودريجو دي راتو" للدفع بأجندة الإصلاح رغم العراقيل الكثيرة التي واجهها، لاسيما من قبل القوى المتنفذة التي مازالت تتحفظ على العديد من النقاط المدرجة في برنامج العمل. ورغم الترحيب الذي أبدته الولايات المتحدة لإصلاح المؤسسات المالية ورضائها عن المقترحات التي تقدم بها "دي راتو"، فإنها لم تقدم من جهتها أي رد رسمي على المقترحات عدا موافقتها على تقليص حصتها المالية. لذا فإن الوقت قد حان كي تثبت الولايات المتحدة جدارتها في قيادتها للعالم من خلال تزعمها جهود إصلاح المؤسسات المالية لتعكس الوجه الجديد للعالم بقواه الاقتصادية الصاعدة وتعدديته السياسية. *المدير التنفيذي لمركز وولفينسون **زميل زائر في معهد بروكينجز لبرنامج الإنماء والاقتصاد العالمي و كل ذلك بحسب رأي الكاتبان في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز واشنطن بوست"- 30-9-2006
|