فرصة العرب على المسرح الدولي في ظل تنامي نفوذ التنين الصيني
ابراهيم محمد
ينمو الاقتصاد الصيني بشكل يحبس الأنفاس. ويرافق ذلك سعي بكين إلى عقد اتفاقات شراكة تعزز أمنها الاقتصادي ونفوذها السياسي. مثل هذا السعي يفتح أمام الدول العربية فرصة أفضل لضمان مصالحها في معترك السياسة الدولية. تتسابق دول العالم وفي مقدمتها ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى هذه الأيام لإقامة علاقات اقتصادية أوسع مع الصين. ويقف وراء ذلك نمو الاقتصاد الصيني بشكل يحبس الأنفاس. فمنذ أكثر من عشر سنوات تتراوح معدلات النمو هذه بين 9 و 12 بالمئة سنوياً. وبفضلها وصلت قيمة الناتج المحلي الصيني إلى 1650 مليار يورو، مما يعني أنه أصبح سادس أكبر ناتج محلي في العالم بعد مثيله في كل من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وعلى ضوء هذه المعدلات يتوقع المراقبون تفوق الصين على الدولتين الأخيرتين من حيث حجم الناتج المذكور بحلول العام الجاري 2005. كما يتوقعون احتلالها للمركز الأول عالمياً في غضون العقود الثلاثة القادمة. ومن شأن ذلك إتاحة فرص تجارية واستثمارية ضخمة في أضخم سوق في العالم يبلغ قوامها أكثر من 1.3 مليار مستهلك. فرص النمو التي يتيحها الاقتصاد الصيني لا تقتصر بالطبع على السلع الصناعية والخدمات التي تتمتع بتقنيات عالية. فهي تشمل كذلك المواد الأولية والوسيطة على اختلاف أنواعها. ويأتي في مقدمتها مصادر الطاقة كالنفط والغاز وفلزات الحديد والفوسفات ومنتجاتها. وبما أن العالم العربي غني بهذه المواد فإن أمام دوله فرص ضخمة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين وتطوير اقتصادياتها عبر ذلك. ويزيد من أهمية هذه العلاقات بحث الأخيرة الدؤوب عن شركاء استراتيجيين يستطيعون تزويد اقتصادها الواعد بالسلع اللازمة لضمان نموه. كما يزيد من أهميتها طموح بكين إلى لعب دور رئيسي على صعيد السياسة الدولية يتناسب مع دورها الاقتصادي الصاعد. ونظرا إلى نفوذها المتزايد شرق آسيا وفي القارة الأفريقية وشراكاتها في مناطق ودول أخرى كإيران وفنزويلا فإنها تتمتع بمقومات جيدة للعب هذا الدور خلال العقدين القادمين. وفي هذا الإطار يقول كلاوس كريم مندوب غرف التجارة الألمانية في الصين أن القيادة الصينية لا تطمح فقط إلى وزن إقليمي يعادل وزن اليابان في شرق آسيا، فهي تطمح أيضاً إلى وزن عالمي يعادل وزن الولايات المتحدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. الصين كشريك استراتيجي بكين تسسعى لدخول مجال صناعة الطيران المدني من خلال ايرباص حققت بكين بفضل بحثها الدؤوب عن شركاء اقتصاديين خلال السنوات العشر الماضية نجاحا كبيراً في القارة الأفريقية حيث التنافس مع الولايات المتحدة أقل حدة مما هو عليه الحال في منطقة الشرق الأوسط. فقد وقعت حتى الآن على بروتوكولات للتبادل التجاري والتعاون الاقتصادي مع 40 من دول القارة السوداء. وقد أثمر ذلك عن توقيع عشرات العقود الخاصة باستخراج النفط وتحديث البنى التحتية ومضاعفة المبادلات التجارية بين الجانبين خلال السنوات الخمس الماضية ليصل حجمها بذلك إلى 20 مليار دولار. ومع استمرار الصين في البحث عن شركاء، يوجد أمام معظم الدول العربية فرصة لعقد اتفاقات شراكة معها تتعدى الشأن الاقتصادي إلى التعاون السياسي وخاصة على صعيد السياسة الخارجية. ومن خلال هذه الاتفاقات يمكن للدول المذكورة تزويد بكين بالمواد الخام وفي مقدمتها مصادر الطاقة والدخول في مشاريع استثمارية مشتركة مقابل الحصول على الخدمات والمنتجات الصينية الذي تتجاوز الأغذية والأنسجة ومنتجات الصناعات الخفيفة إلى منتجات صناعية ثقيلة وإلكترونية تتمتع بتقنية عالية. كما يمكن لها الحصول على دعم بكين في المحافل الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي الذي تتمتع فيه بمقعد دائم. دواعي تعزيز العلاقات مع بكين أهيمة الصين المتزايدة جعلت منها مقصدا لزعماء العالم وبينهم الرئيس بوش كذلك إن تعزيز العلاقات العربية الصينية يطرح نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى أسوة بما تفعله ألمانيا وعدد كبير من دول العالم. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى التطور السريع لهذه العلاقات خلال العقد الماضي. فخلال السنوات العشر الماضية على سبيل المثال وصل التبادل التجاري بين العالم العربي والصين إلى أكثر من 37 مليار دولار ليزيد أكثر من 10 مرات عن مستواه في عام 1994. وعلى ضوء الطلب الصيني المتزايد على المواد الخام من جهة وزيادة الواردات العربية على الأنسجة والمواد الغذائية والمنتجات الصناعية المختلفة يرى المراقبون فرصة واقعية لوصول حجم التبادل المذكور إلى 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. ومما يدعو إلى تعزيز العلاقات المذكورة أعلاه أيضاً تزايد الضغوط السياسية والاقتصادية التي يتعرض لها العالم العربي من قبل الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة. فتعزيز العلاقات الاقتصادية مع بكين لا يقدم للدول العربية فرصاً جيدة لتطوير اقتصادياتها فحسب، وإنما بدائل لعلاقاتها السياسية التي تحكمها ازدواجية المعايير مع الغرب. ولا يقلل من أهمية ذلك احتمال خضوع هذه العلاقات إلى ازدواجية المعايير مع الصين أو مع التنين القادم كذلك على أساس أنه سيعطي الأولوية لمصالحه في تعامله مع العالم العربي وغيره. فحتى في هذه الحالة سيكون أمام الدول العربية فرصاً أفضل للمناورة على مسرح السياسة الدولية. وكل ذلك حسب المصدر المذكور. المصدر: دويتشه فيلّه-2-1-2006
|