ماذا لو توقّفت الصين عن دعم الولايات المتحدة ؟

 

 

على رغم النمو الاقتصادي النشط، تبقى الصين بلداً نامياً فقيراً. فمتوسط دخل الفرد السنوي يزيد عن الألف دولار اميركي قليلاً. ويبلغ ثلاثة في المئة من متوسط دخل الفرد السنوي بالولايات المتحدة. وتترتب على الصين أعباء باهظة جراء «مساعدتها» أغنى بلدان في العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة. فحجم الصادرات الصينية ينمو، سنوياً، 30 في المئة. وتبيع الصين السلع بأسعار هي الأدنى في العالم، بفضل تدني تكلفة عوامل الإنتاج. ولكن تدني تكلفة التصنيع تحمل في طياتها عدداً من المشكلات منها:

إهمال حماية العمال والبيئة، وتردي شروط العمل (ملايين العمال يعملون أكثر من ستين ساعة في الأسبوع، ويقطنون غرفاً مكتظة)، وتدني سعر الطاقة عن مستوياته العالمية، وتسعير صرف العملة الصينية أدنى من قيمتها الحقيقية. فاليد العاملة الصينية زهيدة، والرواتب تقلّ عشرين ضعفاً عن الرواتب بالولايات المتحدة (7 ملايين شخص يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم). ويعود رخص اليد العاملة الصينية الى غياب نظام ضمان اجتماعي صحي وحقوقي فعال. ويظهر غياب هذا النظام في بخس التعويضات التي تقدّم الى ضحايا حوادث العمل أو عائلاتهم (15 ألف شخص يموتون جراء حوادث العمل)، وفي هزال العناية الطبية.

وإذا كانت غزارة الموارد البشرية تبرر قلّة الرواتب، فلا مبرر لتعديل كلفة الطاقة الحقيقية المرتفعة. فاستهلاك النفط يبلغ أكثر من 40 في المئة من الواردات. وعلى رغم حاجتها الماسة إلى النفط، يبقى مستوى سعر الوقود في الصين أدنى من مستوياته في بقية بلدان العالم، ويحظة بدعم الدولة. ويترتب على هذا الدعم ارتفاع الطلب الداخلي على النفط، ما يرفع الأسعار العالمية بدوره، ونفقة لشراء النفط الأجنبي (في 2004، حلّت الصين ثانية بين مستهلكي النفط بعد الولايات المتحدة، ما أسهم في ارتفاع الأسعار العالمية عموماً). ونظراً إلى نهوض نموها الاقتصادي على استيراد النفط، تدور الصين في حلقة مفرغة تضرّ بمصالحها. وقيمة العملة الصينية منخفضة، ما يؤدي الى زيادة كبيرة في الاستثمارات، ويزيد مخاطر التضخم المالي، ويُعرّض النظام المصرفي الضعيف الى الانكماش والانهيار.

وأدى ثبات قيمة اليوان قياساً إلى الدولار، والتدفق الغزير للرساميل الى تضخم احتياطي العملات بالصين. وبلغ الاحتياطي 740 بليون دولار نهاية تموز (يوليو) المنصرم، ولا يكف عن الارتفاع. ومن طريق شراء السندات الأميركية تسهم الصين في تدني الفوائد الأميركية الطويلة الأمد. ولا شك في أن امتناع آسيا من اعتماد أسعار صرف متغيّرة لعملاتها، يساعد الأميركيين على الاستهلاك وشراء العقارات. ويقع على كاهل الصين وحدها عبء تلك «المساعدات».

ولعل حل مشكلة الصين يقتضي رفع تكلفة عوامل الإنتاج إلى مستوى أكثر عقلانية، وخصوصاً كلفة اليد العاملة والطاقة. وقد يكون عليها اعتماد سعر صرف أكثر مرونة والامتثال لقوانين السوق. وعلى الصين إصلاح قطاعها المالي، وتهيئته للصمود أمام ركود اقتصادي أو انهيار اقتصادي عالمي.

المصدر: الحياة نقلا عن ها جيمينغ، «كايجينغ» الصينية- 15/12/2005