آفات التفويض
المهندس مصطفى الصادق
تحدثنا في مقال سابق عن ضرورة إستخدام التفويض في المؤسسة كأداة لإستثمارالموارد المالية والبشرية وتدريبها وتنميتها بصورة أكثر فاعلية. لكن و كما هو الحال في شؤون أخرى هناك آفات يمكن أن تتعرض لها عملية التفويض وفي هذا المقال سنستعرض بعض الآفات التي يمكن أن تصيب العملية الإدارية المسماة بالتفويض والتي تؤدي إلى نتائج عكسية مما سيؤثر سلباً على أداء المدراء و المرؤوسين و المؤسسة بشكل عام. التفويض وسيلة أم هدف ؟ يمكن القول بأن معظم الآفات التي تصيب عملية التفويض ( وليس من المبالغة أن نقول كلها ) ناتجة عن النظرة الى التفويض كغاية او هدف حيث ينظر المدير إلى قضية التفويض وهنا تبدأ المشاكل.إن التفويض ليس هدفا وغاية بل هو أداة للإستثمار المؤثر والفاعل لطاقات للمدير والمرؤسين والمؤسسة. هناك من المدراء من ينظر إلى التفويض كنهاية يجب الوصول إليه دون أن يحدد ما هو الهدف من التفويض وما هو المرجو من التفويض. إذاً هذه النظرة تشكل المصدر الأساسي للآفات التي يمكن تصيب مشروع التفويض. عندما يكون التفويض بلا حدود ! إن التفويض اللامحدود أو بالأحرى التفويض المطلق يعتبر من أهم آفات التفويض وهو التفويض الذي لم يحدد فيه المدير موضوع التفويض وحدود وأهدافه و...الخ. وهذا يربك العمل والأداء ويزيد من المخاطرات والتعارضات والحركات العشوائية غيرالمحسوبة ويتسبب في تكريس نوع من اللامركزية الفوضوية وتشويه العلاقات بين المرؤوسين من جهة وبينهم والمدير من جهة ثانية وبين المفوض لهم من جهة ثالثة ويخلق المزيد من الأعمال و المشاكل للمدير نفسه وهذا خلاف الغاية والمقصود من عملية التفويض . من أهم سلبيات التفويض المطلق الفضاض هي؛ 1- حين لايكون هدف التفويض محدداً حيث يقوم المدير بالتفويض دون أن يحدد الأهداف الذي يجب إنجازها من قبل المرؤوس فكل ما يصل إليه المرؤوس من نتائج يعتبر إنجازاً لأن ليس هناك هدفاً محدداً يلتزم المرؤوس الوصول إليه. 2- عندما لم يرسم المدير الإطار العام للأليات العامة التي يتمكن المفوض له من خلال إستخدامها للوصول إلى الغاية المرجوة من التفويض فذلك سيؤدي إلى إجتهادات خاطئة اوفردية . 3- عندما يكون التفويض بشكل مطلق وفضفاض و دون تحديد للأطر العامة فذلك سيغلق باب المساءلة والمحاسبة او يجعل المساءلة فضفاضة ويمهد لتضييع المسئولية لأنه ليس هناك إطار او أساس يمكن الرجوع اليه لغرض المساءلة والمحاسبة. 4- من أهم التداعيات السلبية للتفويض المطلق واللامحدود هو الإنطباع الخاطئ الذي يخلقه هذا النوع من التفويض لدى المرؤوس و الذي يعتبر من خلاله المرؤوس بأن المدير يتيح له كل هذه الصلاحيات لأنه ليس قادراً حتى على التخطيط العام لأداء تلك المهام وذلك من أخطر الإنطباعات التي إذا غرست لدى المرؤوسين سيجعل قيادة المرؤوسين من أصعب المهمات. 5- إبتعاد المديرعن الأجواء وعدم تمكنه من تحديث معلوماته عن سير الأعمال والمشاريع المحورية التي فوضها لهذا او ذاك من مساعديه هي أيضاً من مشاكل التفويض المطلق لأن التفويض المطلق الفضفاض يدفع كل مفوض له أن يعمل بحسب اجتهاده وقناعاته وإذا أراد المدير أن يتابع هؤلاء فالمتابعة والتقييم والتصحيح يستنزف جهدا ووقتا كبيرا من المدير. صحيح أن المدير يجب أن لا يتدخل في أدق التفاصيل و ليس من الضروري أن يطلع على الجزئيات من مجريات الأمور لكن هذا شيء و التفويض المطلق الفضفاض شيء اخر يمكن أن يقود المدير ليواجه مفاجئات خطيرة في اوقات عصيبة وذلك لعدم إطلاعه على ما يحدث في المؤسسة للسبب المتقدم . التفـويض المستعجل يجهض العملية ويقود الى الكفر بمأسسة التفـويض! البعض وفور تسلمه لمنصبه كمدير لموقع جديد يقوم بإطلاق وابل من التفويضات الفردية المختلفة المستعجلة وعلى الأصعدة المختلفة مما يخلق تفويضات مطلقة غير مدروسة وحالة من الإرتباك والتعثر في المرؤوسين ومجريات الأمور في المؤسسة إضافة الى ما يترتب على ذلك من زهد العاملين في قبول التفويضات وبالتالي تراجع المدير نفسه عاجلا عن الركون الى سياسة التفويض لإنجاز المهام . ما هو الحل إذاً ؟ أتصور أن الحل واضح جداً؛ - فأولاً يجب تغيير النظرة إلى عملية التفويض من الهدف إلى الوسيلة. - وثانياً يجب تحاشي الإنزلاق إلى التفويض الفضفاض اللامحدود في المؤسسة و تحديد إطار عام لذلك أو بالأحرى تقنين التفويض ومأسسته وحصر التفويض في المواقع والمهام التي لا تتحمل الأخطاء بالتفويض الجمعي المحدود أي بتفويض الموقع الإداري اوالمهمة الى لجنة مصغرة متجانسة على أن تكون أليات إتخاذ القرار وحسم الإختلاف في الأراء عملية وواضحة تماما . - و ثالثاً وبالنسبة لما يرتبط بتوقيت التفويض وإنتخاب المفوض له ورسم إطار التفويض وحدوده يجب التمسك بالوسطية كي يبقى باب الإبداع للمفوض له مفتوحا ويحتفظ بالهامش المطلوب اللازم من الحرية ويتسنى للمؤسسة توفير الوقت الكافي للمدير كي يتفرغ لما هو محوري ومصيري وأهم وفي جملة واحدة : التفويض عملية إدارية حساسة وضرورية ومحورية وهي بحاجة الى برمجة وتخطيط ومرحلية ومتابعة وتوجيه وتنمية ورقابة وتنسيق .
|