دعوة للمصالحة مع المؤسسات :

                                                   على طريق مأسسة المؤسسات

 

فـؤاد عباس

 

هناك مؤسسات أسمها مؤسسة لكنها في العمل وعلى ارض الواقع تعتمد اللامأسسة في العمل فيترتب على ذلك تحمل سلبيات المأسسة ودون الحصول على إيجابيات المأسسة الكبيرة جدا مقارنة مع سلبياتها وهذا يقود البعض ايضا الى نقد المأسسة والزهد في المؤسسات إيجادا وإستمرارا وتطويرا ودعما ، والعزوف عن المأسسة والركون الى العمل الفردي ، وهذا يقود الى نجاح وربما كبيرعلى المدى القصير لكن الى نكسة وكارثة ومأساة على المدى المتوسط والبعيد دون أدنى شك .

شركة فوردالعالمية مثالا :

في شركة "فورد" العالمية للسيارات بدأ "هنري فورد" عام 1905 من لا شيء، وبعد 15 عاماً أصبح صاحب أكبر شركة سيارات في العالم وأكثرها ربحاً في جميع أنحاء العالم، ووصلت أرباحه آنذاك إلى مليار دولار. لكن الشركة تحولت في عام 1927 إلى خراب، وظلت تخسر لمدة 20 عاماً، حتى باتت خلال الحرب العالمية الثانية غير قادرة على المنافسة.

في عام 1944 تولى "هنري فورد" الحفيد إدارة الشركة، وكان في السادسة والعشرين من عمره ولا يملك التدريب أو الخبرة الكافية، وبعد عامين قام بحركة انقلاب سريع حيث أدخل فريقاً إدارياً جديداً وأنقذ الشركة، ووضعها في مصاف الشركات القوية في عالم السيارات.

السؤال إذن: لماذا فشل فورد الجد بعد نجاحه ؟

هذه هي بعض الأسباب:

1- اعتقاد الجد بأن الشركة لا تحتاج إلى مديرين وإدارة، إنما تحتاج إلى مالك ومنظم للعمل لديه مجموعة من المساعدين. والفارق بين الحالتين كبير؛ لأنه حينما تملك وتدير كل شركاتك بنفسك دون دون مأسسة فقد تنجح لبعض الوقت، لكن من المؤكد أن الفشل سيلحقك في النهاية. أما إذا بنيت شركتك اومؤسستك على أساس المأسسة  فستكون لديك فرصة لمواجهة أي مشكلات وتطوير مؤسستك ولم تكن قابلا للإبتلاع او التذويب اوالتهميش .

2- المأسسة تحرر الفرد مالكا كان اورئيسا من أسر معتقداته وقناعاته الخاصة به وذلك يقربه من الحل الوسط والصواب ففورد الجد كان يعمل بلا مأسسة فكان أسيراً لمعتقداته؛ فلا يقبل أي حل وسط، وكان يفصل كل من يجرؤ على العمل كمدير أو يصنع قراراً دون أوامر منه شخصياً.

3- حينما اشتدت المنافسة مع الشركات الأخرى العاملة في نفس المجال وتضخمت الشركة، لم يستطع السيطرة على شركته بشخصيته القوية وعصبيته وملياراته ، فالفرد يبقى فردا وطاقاته محدودة مهما كانت عبقريته وقدراته الخارقة .

4- المأسسة الواقعية تكرس الشفافية وتسهل المحاسبة والتعديل فتؤدي الى كشف الأخطاء والمخطئين ، ولأن كل مؤسسة بحاجة الى ذلك ولم تكن شركة فورد تعتمد المأسسة اعتمد فورد الجد على فكرة البوليس السري، فكان يحكم الشركة عن طريق التجسس على العاملين وتهديدهم بالفصل ( 1 ) .

ياترى ماهي بعض ميزات المأسسة كي تجعل من مؤسستك إسما على مسمى فتصبح مؤسستك قائمة على المأسسة :

1- أول ما يذكر في بناء المؤسسات هو وجود هيكلية تنظيمية لهذه المؤسسة تحدد الوحدات المكونة لها والعلاقة بين هذه الوحدات وخطوط التواصل بينها وآليات صنع القرار.

2- الوصف الوظيفي لكل وحدة ومن ثم لكل عضو محدد بصورة واضحة وموجزة والتعامل مع أعضاء المؤسسة يتم على أساس اعتبارهم أعضاء كاملي العضوية في المؤسسة وأن عليهم واجبات و لهم حقوق.

3-  في نفس سياق الهيكلة والتنظيم يأتي حجم المؤسسة. وهذا الموضوع يصبح شائكاً عندما لا تصبح المؤسسة قادرة على تحديد الحجم الذي يناسبها و يجعلها مؤسسة يمكن إدارتها و لو من خلال اللجوء إلى اللامركزية في إدارة شئون فروعها.

4- من ناحية التخطيط والسيطرة والتوجيه فأن مأسسة المؤسسات تقوم على إشاعة روح الفريق وإدارة الأمور بمقاييس تقوم على تحقيق أفضل عائد من النفقات والعمل على إعادة توزيع النفقات بما يحقق أهداف المؤسسة بشكل عام .

وهذا لا يعني رفض المبادرات اوالخيارات الفردية طالما كانت تمثل رغبات مشروعة لا تتعارض مع مباديء ومصلحة المؤسسة والمجتمع كمؤسسة أكبر.

5- في المؤسسات تأتي قضية الثقافة من حيث قدرة المؤسسة على تطوير ثقافة خاصة بها تكون على توافق مع الثقافة الداخلية لأفرادها والثقافات المحيطة بها. و تكون هذه القيم هي المرجع العام لهذه المؤسسة.

6- ما يميز المؤسسة هي قدرتها على توليد الآليات الكافية لحل مشاكلها و أولها الصراع بين العاملين فيها والذي ينشأ غالباً عن تباين في الرؤى و الثقافات ومنه تباين المفاهيم والطرائق ( 2 ) .

7-  توزيع الأدوار مع التفويض المتواصل الواضح والمحدد المعالم للمسؤوليات مع الصلاحيات المرتبطة اللازمة .

8- المؤسسة تتكون من وحدات اوأقسام عديدة كما تقدم ، وكل قسم يجب أن تتم إدارته بالمأسسة التي تقوم على التخطيط الجمعي والتخصص والشورية والتفويض وما نحو ذلك ، لكن ذلك لا يعني ان يكون للمؤسسة اكثر من مدير تنفيذي واحد ، وهكذا الأمر بالنسبة لكل قسم او وحدة من وحدات المؤسسة ، فالرئاسة يجب أن تسند الى رئيس واحد كما تجب مأسسة ذلك الإسناد ليكون بواسطة لجنة شورية تنتخب الرئيس وفقا لمعايير محددة وشفافة ولمدة معينة وتراقب الرئيس ويمكن لها أن تحجب عنه الثقة وتقيله وفقا لأليات واضحة على أن تضمن قوانين المؤسسة المعلومات وحرية الوصول وتدفق المعلومات الى اللجنة الشورية المذكورة . فالشورية التي تعتبر من عماد الماسسة لا تعني أن يكون للمؤسسة اكثر من مدير تنفيذي واحد فذلك يقود الى الإضطراب والتداخل والصراع والتناحر وإهدار الطاقات والإمكانات وتأخر المؤسسة وهو يناقض المأسسة جملة وتفصيلا بل ويناقض الشورية لأن الشورية تلزم المشاركة في الرأي فكما عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام ) :

((  الشِّـركة في المُـلك تٌـؤَدِّي الى الإضطراب ، الشِّـركة في الرَّ أي تٌـؤَدِّي الى الصواب  )) (3)

9- العمل الذي لا يقوم على المأسسة يرتكز عادة على أفراد أومجموعة محدودة من الأفراد ، في هذا النوع من العمل يوظفُ المالكُ اوالمؤسس للمشروع اوالرئيس عددا من المعاونين والمستشارين ويديرهم ويتعامل معهم بنفسه وفرديا وكثيراً ما يتقدم بسرعة واحيانا بسرعة كبيرة لكن في النجاح والتقدم يكون ودائما في البداية فقط ، وهذا النوع من العمل بحاجة إلى مأسسة حتى يحافظ على عنصر الديمومة في العمل وتقدم العمل والأفراد .

كيف يصف المفكرون المؤسسة :

1- المؤسسة تيتح للمرء أن يكون مع الناس وأن يفيد الناس ، وأن يحس بالناس وبأحاسيسه دون أن تنحرف به غوغائية الجماهير اوأطماعه في كسب ودها ليصل الى موقع عالمه الفكري الملتزم والصافي .

2- المؤسسة هي ذلك الوعاء الديموقراطي الذي يعتاد الآخرون به الذين يتشاركون الرأي والمعتقد الواحد على التشاور والتحاور وعلى احترام الغير وعلى صيانه الحرية وعلى العمل الجماعي الذي شِكل غيابه او ضعفه الأفة الكبرى في بعض مجالات الحياة العربية .

3- المؤسسة هي عطية المفكر الملتزم وتركته للأجيال فتجسد الرأي و تنفذ البرنامج وتحقق الخطة فتكون الصدى الصحيح لكلام اللسان ودعوة  التعلم و نصيحة العقل ، الرؤية الصحيحة تبقى ضباباً هائماً في فضاء المجتمع ما لم تتبنها مؤسسة لتنفذها بإخلاص

4- المؤسسة هي مجموعة قوانين راسخة يتم وضعها لمقابلة المصالح الجماعية وهي أنماط مستقرة للسلوك الذي يتمّ الإعتراف به ، و تنميته من قبل المجتمع (4).

أجل المأسسة سلاح إداري عصري حضاري استراتيجي متقدم ومنقطع النظير ، وإذا لم يتمكن البعض من التجسيد المتكامل للمأسسة في مؤسسته اوشركته او حزبه او منظمته او وزارته او جمعيته فذلك لا يعني الإنغلاق على المأسسة والمؤسسات ولوازمها كالإجتماعات والمؤتمرات و الندوات واللجان بتبرير اواخر بل يجب التواصل وتظافر الجهود ودراسة التجارب حتى لو تصورناها فاشلة في عالم الإفتراض فالنجاح يولد النجاح من رحم الفشل وذلك يحدث فقط للذين يتعلمون من تجاربهم وتجارب الآخرين فليكن تراجعـنا حتى مع الإنسداد تراجعا الى الأمام .

...................................

المصادر :

( 1 ) : بتصرف من : إدارة نت - ياسر فاروق - من مجلة إبداع .

( 2 ) : بتصرف من مقال بعنوان : لنبدأ من الأسرة : نحو مأسسة الأسرة – بقلم سالم غانم : من http://www.alwatanvoice.com/arabic

(3) : غرر الحكم 1941- 1942

(4) : موسوعة عامر رشيد مبيض : ص  1095 – 1096 نقلا من : كتاب : قسطنطين زريق عن 65 عاماً من العطاء بيروت 1996