الهند تُركّز على استيراد مؤصّل لمنتجات المعلوماتية
مبرمجو الكومبيوتر في الصين: براعة نظرية وإخفاق في التطبيق! ما الذي يدور في عمق الشرق العتيق، بين العملاقين الآسيويين: الهند والصين؟ يتردد هذا السؤال وأشباهه في عالم المعلوماتية راهناً، خصوصاً مع تزايد أهمية البلدين، وكذلك دخولهما في تنافس ضار. وفي تلك الحلبة القاسية، يستعمل منهما أسلحة مختلفة. ويبدو الهدف شبه موحد: الإمساك بالموقع المتقدم في ركب التطور المعلوماتي، الذي تتصاعد أهميته باستمرار، وإدماجه في سياق التنمية، بما يساهـم في الوصـول إلى موقع القوة الكبرى. واستعرض مقال سابق (أُنظر «الحياة» بتاريخ25/6/2006)، بعض الملامح المميزة للنهوض المعلوماتي في الهند والصين، وهنا متابعة مستقاة من مصادر متنوعة. تُركز المعلوماتية الصينية على ما يُصنعه البلد بنفسه، أي باستخدام ما يحوزه (وما يكتسبه) من خبرات علمية وعملية، بالتنسيق مع قوى السوق العالمية، ومتطلباتها وشركاتها العملاقة. كما تُركّز على صناعة الأجهزة الرقمية ومكوّناتها، إضافة إلى دعم صناعة البرمجيات والنُظم والالعاب الالكترونية ومواد الترفيه الرقمي وغيرها من المنتجات الرقمية المُقلّدة، وتُعتبر الصين المعقل الاساسي لصناعتها عالمياً. وفي المقابل، تُركّز الهند على استيراد مؤصل للمعرفة والتكنولوجيا، وبما يمكنها من هضمه وتحويله إلى جزء أصيل من معارفها، وبالتالي صنع أجزاء من منتجات الشركات العملاقة. وبديهي ان الوصف نفسه ينطبق على الاتصالات المتطورة وتقنياتها وخدماتها في البلدين، خصوصاً مع التدامج المتواصل بين المعلوماتية والاتصالات. والارجح ان تجربة كلا البلدين فيها ما يفيد العرب، ان هم سعوا للاستفادة أصلاً. وبعد، فما الذي استفاده العرب من تجارب النهوض العلمي والاقتصادي والاجتماعي والحضاري، لدى الشعوب الأُخرى في الأزمنة الحديثة؟ تقريباً... لا شيء! «لا يتردد جايمس أماشي الذي يدير مكتب في إحدى المقاطعات الصينية الناهضة، تابعاً لشركة «غريب سيتي» اليابانية في ابداء رأيه إيجابياً في المعلوماتية الصينية. والحال ان شركته تعمل في تكنولوجيا المعلومات خارج الدولة اليابان. وبحسب رأيه فقد تصاعدت السوق الصينية «أكثر ممّا هو متوّقع... في البداية، ظننّا بأنه قد تمّر علينا سنتان أو ثلاث قبل أن يتوافد الينا الزبائن من الصين... لكنّنا لا نزال نعمل على مشروع ضخم في الاتصالات، انطلاقاً من معاملنا في الصين». ويرى كثير من المراقبين ان الصين والهند تفصلهما مسافة 5 إلى 10 سنوات من التطور في تكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات المتطورة، لمصلحة الهند. ويقف في وجه الصين عائقان. يكمن أولهما في عدم إلمام الصينيين الكافي بكتابة اللغة الانكليزية وتكلمها على رغم أنّه في إمكانهم قراءتها. ويمثّل هذا الأمر مشكلة في الخدمات الذكيّة، التي تقتضي تواصلاً متكرراً مع مكاتب الشركات العملاقة الأجنبية. فمثلاً، توظف شركة «انفنيون» مُدرّسين في اللغة الانكليزية يعملون دواماً كاملاً في مختبراتها في مقاطعة «شيآن» الصينية. وبحسب مايكل تيفنباخر المدير الاداري في تلك الشركة، «يبدو عجز موظفينا عن التكلم إلى زملائهم في الخارج مخزياً. وغالباً ما يميل الناس الى الخلط بين الكفاءة اللغوية والمهارة التقنية». يملك بعض متخرجي معاهد الهندسة والكومبيوتر كثيراً من البراعة، بحسب ما تُفيد شهاداتهم. وفي الواقع، فإنهم يبرعون في المجال النظري أكثر من الاوروبيين، لكنهم لا يملكون براعة مماثلة في المجال العملي. ويتخرج بعض المهندسين الصينيين في الجامعة وهم على استعداد كامل لتطبيق ما تعلموه في حل المشاكل اليومية. ولكن هذه البراعة لا تظهر عملياً، ما يتبدى للعيان جلياً عند انتقالهم الى العمل في مجال تطوير برمجيات الكومبيوتر. وتعقيباً على ذلك يقول أماشي: «تُشبه هذه المميزات عملية وصف منشار المعادن وكيفية عمله بامتياز ولكنهم أناس يجهلون استخدامه في بناء باب». وتلقت شركة «غريب سيتي» 1200 طلب من أفضل ست جامعات تقنية في مقاطعة «شيآن»، في استجابة لبرنامج معدّ للحصول على مُبرمجين للكومبيوتر. والمفارقة ان الشركة لم تنتق سوى 7 منهم! ويرجح بعض الخبراء ان السبب الأول لتلك الظاهرة، يكمن في نقص التدريب المهني، إضافة إلى قلة الاتصال بين عالم الأعمال والنظام الأكاديمي. في المقابل، تتطلب شهادات الهندسة في أوروبا والهند خبرة في العمل. كما أنّ أساتذة الجامعة الذين تلقوا تعليماً صارماً، على الطريقة الصينية، من طريق نظام يرتكز على النظرية يعجزون عن تهيئة الطلاب لمواجهة العالم الحقيقي. ويرى وانغ يينغلوو، وهو مدرّس في جامعة «شيآن جوتونغ» وعضو في نقابة المهندسين الصينيين، ان معظم زملائه «لا ينتمي إلى الصناعة... ولا يملك خبرة كافية عن العالم التجاري». وتستفيد الشركات الأجنبية من استقرار نظام التعليم الصيني، إذ لا تجد حاجة الى الانفاق المُكثّف على التعليم. ويخضع نوشيرو، الذي يدير فرع شركة «فوجيتسو» اليابانية الشهيرة في الصين، 40 من عمّاله لتدريب مكثّف في اليابان، ما يكلّفه 30 الف دولار سنوياً. وفي المقابل، يعلن أماشي أنّه حتى بعد مضي 3 سنوات على التدريب تتراوح نسبة البرمجيين الذين يحصلون على مستوى جيد يخولهم صنع تصاميم الكومبيوتر وبرامجه، بين 10 و20 في المئة. ويقول: «في الصّين جامعات كثيرة وعددٌ لا يستهان به من المتخرجين، لكنّ الشهادات التي تمنحها هذه الجامعات ليست ذائعة الصيت». وهذا ينطبق على بنى الصين التحتية. وأخيراً، غمرت مياه الامطار الغزيرة شركة «غريب سيتي» بمبناها وأجهزة الكومبيوتر فيها بعد يومٍ على انتقالها إلى مقرها الجديد في «شيآن». ولا تملك غالبية الشركات الغربية أكثر من 1000 موظف صيني لكل منها. ولدى شركة «كومبيو باسيفيك» الاميركية أقل من 600 موظف، مقارنة بـ 60.000 عامل في شركة «تي سي أس» الهندية. في هذا الوقت، يعمل الخوف من قرصنة الملكية الفكرية في الصين، على تقليص نمو الأعمال الأجنبية في ذلك البلد. وفي المقابل، تفيد الشركات الأجنبية من قدرة الصينيين على نسخ مسارات تكنولوجيا المعلومات المعقدة وشيفراتها، والذي يتصدى له الصينيون مستخدمين أساليب بسيطة. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الحياة اللندنية- 2-7-2006
|