الأهمية النظرية العالمية "للمعجزة" الآسيوية
أ.صلاح العمروسى
اكتسبت "المعجزة" الآسيوية فى شرق آسيا، ومن بعدها "المعجزة" الصينية، أهمية نظرية عالمية تتعدى حدود أهميتها الاقتصادية المحلية. فقد أصبحت نموذجًا يحتذى لمختلف البرجوازيات والنظم الحاكمة فى بقية بلدان “العالم الثالث”،، وأحيت الأمل فى كسر حلقة التخلف الشديدة التى بدت، قبل ظهور قصص النجاح الآسيوية، أنها مستعصية على التجاوز. ولكن السؤال الكبير الذى يطرح نفسه : هل "المعجزة" الآسيوية قابلة للتكرار فى بلدان أخرى؟ أو هل هى قابلة للتعميم على بقية بلدان "العالم الثالث" لتتحول جميعًا إلى نمور صناعية تصديرية على نمط النمور الأسيوية؟ وسؤال كهذا يلقى إجابة بالإيجاب من قبل البنك والصندوق الدوليين اللذين استخدما قصص النجاح الآسيوية، أو بالأحرى تفسيرهما لها، لترويج برامج التكيف الهيكلي. ولكن البحث الأكثر جدية يستلزم دراسة توازنات الصراع الطبقي الداخلي والشروط الاقتصادية والسياسية العالمية التى أحاطت بتلك الظاهرة، وما جرى عليها من تبدلات حتى يستطيع الاجابة على مثل ذلك السؤال. وبصورة عامة فهذه التجارب الناجحة، والتى لم تنطلق فى الحقيقة من نظرية مسبقة، لديها كغيرها من التجارب، من الدروس الثمينة التى ينبغى أن يتعلم منها الآخرون، ومع ذلك تبدو محاكاة تجربة أو تجارب سابقة مستحيلة بقدر استحالة استعارة أو تكرار الشروط التى أحاطت بها، ناهيك أن "معجزة" شرق آسيا لا تنتمى إلى نموذج واحد وحيد وإنما تتعدد نماذجها، فضلاً عن خصوصية "اشتراكية السوق" فى الصين، رغم أنها جميعًا تتبع استراتيجية التصدير، وبالنسبة لليسار يطرح سؤال كبير: هل تلك النماذج مرغوب فيها أصلاً، وهل يكفى النجاح الاقتصادي لتجارب رأسمالية ليتحول اليسار عن مشروعه الاشتراكي الخاص، ويتحول عن موقفه النقدي إزاء تلك النظم الرأسمالية، والتى عانت فضلاً عن الاستغلال الرأسمالي المفرط من الطابع الاستبدادي للحكم الذى شملها جميعًا ومازال يشمل معظمها حتى الآن، ولا تختلف الصين فى هذا الصدد عن غيرها، فهى تعانى من نظام استبدادي، وتشهد تمايزًا طبقيًا متسارعًا فى ظل "اشتراكية السوق". وعلى سبيل المثال فإن درجة عدم العدالة فى توزيع الدخل "الموجه للاستهلاك" فى الصين تزيد عن كوريا الجنوبية، فالنسبة من دخل أعلى 20% إلى أدنى 20% من السكان بلغت فى عام 1988 فى كوريا الجنوبية 5.7 ضعفًا بينما بلغت فى الصين فى 1990 أكثر من 6.5 ضعفًا ثم زادت فى 1995 إلى أكثر من 8.6 ضعفًا. فهل من المستحيل التوصل إلى نموذج يجمع بين التنمية بمعدلات عالية وبين الديمقراطية والاشتراكية التى تضمن توزيعًا للدخل أكثر عدالة؟ ومع ذلك يظل صحيحًا أن قصص النجاح الآسيوية توفر لنا دروسًا عامة يمكن أن تندمج بعضها فى سياق مشروع اشتراكي قائم على الديمقراطية الاشتراكية. ولقد أثارت قصص النجاح الآسيوية، وما تزال تثير عاصفة من الجدل النظري بين اليمين واليسار من ناحية وداخل صفوف اليسار من ناحية أخرى. ذلك أن كل قراءة أو تفسير لقصص النجاح تلك وثيق الصلة بصياغة نموذج نظرى ما يقدم إلى بقية بلدان العالم الثالث لتحديد وجه سياستها الصناعية والتجارية، والتنموية بصورة عامة. ومن ثم أصبح تفسير “المعجزة” الأسيوية ماثلاً فى قلب الصراع الأيديولوجى، الذى يضرب بجذوره فى عمق المصالح الطبقية المتناقضة فى كل بلد وعلى النطاق العالمي، حول تحديد وجهة السياسة الاقتصادية. وأحد المحاور التى يدور حولها الصراع هو ما إذا كانت السوق الطليقة وحرية التجارة أم تدخل الدولة فى آليات السوق هى المسئولة عن قصص النجاح الآسيوية. وبالطبع ليس مطروحًا احلال الدولة محل السوق، كما يجرى أحيانًا تصوير ذلك الصراع، فهذه البلدان جميعًا هى فى النهاية اقتصاديات سوق رأسمالي : وإنما المسألة تدور حول التطرف الليبرالي للسوق الطليقة وحرية التجارة فى مواجهة الحماية والتحكم فى آليات السوق من قبل الدولة. وبالنسبة لليسار ارتبط ظهور النمور الآسيوية بصياغة أولى النظريات المبكرة عن العولمة الرأسمالية، ومع ذلك تثور الخلافات أحيانًا بسبب تباين مناهج التحليل بين مختلف تيارات اليسار وأحيانًا الطابع المجرد للتحليل الذى لا يعنى بالدراسة الملموسة للظاهرة، ويتداخل ذلك أحيانًا مع التحيزات المسبقة لاستراتيجيات ثورية أو اصلاحية بعينها. وكل ذلك نصا بحسب رأي الكاتب في المصدر . المصدر : http://www.iraqcp.org
|