البورصات العربية تعاني عجز السياسات الاقتصادية وضعف الثقافة الاستثمارية والمالية

 

إياد الأجداد

 

كان لانخفاض الأداء في الأسواق المالية العربية، لا سيما الخليجية منها أثر سيئ على مسيرة توقعات المستثمرين فيها، ما أدى الى تراجع الثقة في البورصات العربية، والى انعدامها احياناً.

ففي الفترة التي سبقت هذا الانخفاض الحاد، وتحديداً بين نهاية عام 2005 وبداية عام 2006، سجلت أسعار الأسهم العربية تضخماً كبيراً، اذ نفذ المستثمرون عمليات شراء ضخمة ومتتالية مدفوعة بأهداف تحقيق أرباح رأسمالية، ما أدى الى ارتفاع مؤشرات بعض الأسواق بمعدلات قياسية وغير مسبوقة.

وبعد هذا الارتفاع القياسي، بدأت عمليات البيع وسط آمال بجني الأرباح ما لبثت أن تحولت الى عمليات بيع مدفوعة بخوف المستثمرين من انهيار هذه الأسواق المالية، وتوالت عمليات البيع وسجلت مستويات الأسعار انخفاضاً حاداً، وبدأت تظهر علامات عدم الاستقرار التي ما زالت قائمة حتى الآن. 

تحليلات ووجهات نظر

قدم أهل الاختصاص تحليلات ووجهات نظر كثيرة لتشخيص حالة هذه الأسواق المالية وأسباب هذا الانهيار. ولعل من أكثر التحليلات شمولاً وقرباً من الواقع، ما يتعلق بالظروف المحيطة بتطور دور هذه الأسواق وآليات الاستثمار المتبعة وطبيعة المستثمرين، وماهية النظم الحاكمة للأسواق المالية والسياسات الاقتصادية في الدول التي تقع فيها هذه البورصات.

تتفاوت الأسواق المالية العربية في مدى الاستقرار والنضوج، إلا أن أحداث أيلول (سبتمبر) وما تبعها من مشاعر خوف لدى المستثمرين العرب خارج أوطانهم، وارتفاع أسعار النفط إضافة إلى الحرب على العراق، شكلت عوامل لتدفق سيولة مالية كبيرة على هذه الأسواق المالية الناشئة، ما أفضى الى تنامي دورها وتعاظم أهميتها. ولعل التدفقات النقدية الكبيرة التي غزت هذه الأسواق كانت أكبر من المشاريع والفرص الاستثمارية القائمة في هذه الأسواق والاقتصادات.

إذ أن المهمة الأساسية للأسواق المالية هي في توفير التمويل للمشاريع الاستثمارية من طريق جمع المساهمين بأصحاب الاستثمارات. فمن جهة يجمع أصحاب المشاريع الاستثمارية الأموال لتوظيفها في مشاريع استثمارية يتوقع أن تكون رابحة، ومن جهة أخرى يقرض المستثمرون أصحاب المشاريع الاستثمارية هذه الأموال ويجنون عائداتهم إما من طريق توزيع الأرباح أو من خلال أرباح رأسمالية. إلا أن تدفق الأموال الى الأسواق الخليجية تم في فترة قصيرة نسبياً وبكميات كبيرة، لم تعط الفرصة لأصحاب الاستثمارات لتطوير أعمالهم وتوفير فرص استثمارية حقيقية وجديدة لتحقيق عائدات تتناسب مع أسعار الأسهم وتوقعات المستثمرين. وهذا ما يتحقق عادة على المديين المتوسط أو الطويل، ما أدى الى تضخم أسعار الأسهم أكثر من المفترض في الأحوال الطبيعية، لتتجاوز القيمة السوقية لمعظم الأسهم، قيمتها الجوهرية أضعافاً مضاعفة.

من جهة أخرى، شكلت طبيعة المستثمر والثقافة الاستثمارية في هذه الأسواق عاملاً أساسياً في الارتفاع الكبير في الأسعار ومن ثم الانهيار الحاد. اذ ان غالبية المستثمرين هم من المدخرين والمضاربين الذين كانوا يتخذون القرارات الاستثمارية معتمدين على الاشاعات وعلى بعض آليات التقويم الاستثماري التقني من دون دراية بمقومات التحليل وتقنياته، والتقويم المالي الأساس خصوصاً والصناعة المالية عموماً.

تضاف الى ذلك محدودية دور المؤسسات الاستثمارية في هذه الأسواق، وهي مؤسسات متخصصة بهذه الصناعة المالية ولديها الموارد والدراية الكافية لتتخذ قرارات استثمارية، وهي في أسوأ الأحوال أصح وأكثر استمراراً من تلك التي يتخذها المستثمرون الأفراد.

واللافت هو استياء المستثمرين الأفراد من الخسائر التي تعرضوا لها وكأنهم لم يأخذوا في الاعتبار مبدأ ارتباط العائد على الاستثمار بدرجة خطورة الاستثمار، وكأن الارتفاع المتواصل لهذه الأسواق أشعر المستثمرين بحتمية الأرباح، فأُهمل حساب المخاطر المرتبطة بهذه الاستثمارات.

انعدام التوازن بين البورصات والاقتصاد

ومن أهم العوامل التي أفضت الى استمرار التراجع، انعدام التوازن في البورصات الخليجية، وطبيعة الاقتصادات والسياسات الاقتصادية والنظم الحاكمة لعمل البورصات في هذه الدول، فمحدودية الأدوات المالية وغياب دور الأدوات المالية ذات الدخل الثابت، كالسندات التي تعمل على توازن أسعار الاستثمار في الأسهم من جهة، وتمكن المستثمربن من جهة أخرى من تفادي الخسائر لدى توقعهم انخفاضاً في أسعار الأسهم، تشكل نقطة ضعف مهمة في هذه البورصات. هذا فضلاً عن انعدام دور صناع السوق الذي يعمل بفاعلية على تخفيف آثار التأرجح في أسعار الأسهم، وينسحب هذا الأمر على نظم حوكمة الشركات التي تعد ضعيفة نسبياً في الأسواق العربية.

وفي شكل أكثر تحديداً، فإن السياسات الاقتصادية النقدية، التي تعتمد في جوهرها على الإنفاق الحكومي والضرائب وبالتالي إدارة العجز أو الفائض في الموازنة العامة، مهمشة في شكل كبير في اقتصادات الدول الخليجية بسبب طبيعتها الاقتصادية. أما عن السياسة المالية، والتي تتحكم بالمعروض من النقد داخل الاقتصاد الوطني، فهي ترتبط مباشرة بمعدلات الفائدة، إذ ان الارتفاع في سعر الفائدة يؤدي الى تراجع المعروض النقدي وتخفيف آثار الحمى التضخمية (أسعار الأسهم والأصول) وكذلك يتم التحكم بالمعروض النقدي من طريق سندات الخزينة والتي تمثل أدوات مالية مهمشة أيضاً وغير فاعلة في الدول الخليجية إن وجدت.

أما ضعف تطبيق السياسات المالية فيعود إلى ضعف ترابط السياسات الاقتصادية وضعف الأدوات المستخدمة لضبط السياسة المالية، كما هي الحال في أي من الاقتصادات الناشئة. ويضاف تحدٍ آخر مرتبط بالاقتصادات الإسلامية، التي لا تتأثر بأسعار الفائدة في شكل كبير ولا يُقبل المستثمرون فيها على الأدوات المالية ذات العائد الثابت. وبالتالي، فإن ضعف السياسات الاقتصادية في الدول العربية عموماً يجعل ضبط آلية حركة الأسواق المالية صعباً جداً.

انعكاسات إيجابية وسلبية

كان الانهيار الحاصل متوقعاً. وكما كانت له آثار سلبية، فإن له انعكاسات أخرى إيجابية، تتمثل بإدراك تحديات الأسواق المالية وممارسة حركة تصحيحية على مستويات الأسعار، وكذلك تمييز نقاط الضعف في الأسواق العربية، ما يعطي فرصة ذهبية لتقويم هذه الأسواق والعمل جدياً على تفادي كل نقاط الضعف مستقبلاً، سواء على مستوى الحكومات الاقتصادية والمستثمرين والأفراد والمؤسسات الاستثمارية أو البورصات نفسها.

في كل الأحوال، لم تكن الأسواق العربية هي الأولى التي تعرضت لانهيار كهذا، ولن تكون الأخيرة. إذ سبقتها بورصة نيويورك والبورصات الآسيوية والأوروبية. ولكن، ضروري جداً لتفادي حصول تراجع حاد مرة أخرى، أن تطور الحكومات الاقتصادية والتشريعية العربية أداءها، وأن تدعم المؤسسات الاستثمارية الوطنية للنهوض بصناعة مالية قوية وحقيقية، وبتشجيع أصحاب المشاريع الاستثمارية على تنفيذ مشاريع حقيقية وطويلة المدى لتشكل بنى اقتصادية قوية وتنافسية تكون أساساً لصناعات عربية قوية، توفر العائدات المجزية للمستثمرين.

كما على المؤسسات الاستثمارية الوطنية أن تنتبه جيداً وتتهيب لمنافسة المؤسسات الاستثمارية العالمية الحادة، اذ تحتل الأسواق المالية العربية الناشئة الآن حيزاً خاصاً من اهتمام الأسواق الرأسمالية العالمية.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الحياة اللندنية-21-6-2006