رؤيا تشاؤمية أمريكية لمستقبل إزالة عوائق التجارة الدولية

 

 

أصدر مكتب المحاسبة الحكومية الأمريكي Government Accountability Office تقريرا بشأن تطورات مفاوضات التجارة العالمية خاصة بعد عقد عدة دورات  من المفاوضات الهامة، كان أخرها تلك التي عقدت في هونج كونج في نهاية العام الماضي.

وجاءت الدراسة الجديدة نتيجة اهتمام الحكومة الأمريكية الكبير بدورات مناقشة أهم قضايا التجارة الدولية وفتح الأسواق، والتي تجري تحت مظلة منظمة التجارة العالمية WTO، والتي اعتبرها المسئولون الأمريكيون فرصة لا تعوض لتوسيع نطاق التجارة العالمية بما قد يخدم المصالح التجارية الأمريكية مستقبلا. ويعتبر  استكمال تلك المباحثات الدولية خلال عام 2006 الحالي من الأهمية بمكان للوفاء بشروط ومتطلبات هيئة تنشيط التجارة الأمريكية the US Trade Promotion Authority(TPA) التابعة للكونغرس، وهي الهيئة التشريعية التي تختص بالرقابة على جميع الاتفاقيات والمعاهدات التجارية التي يوقعها الرئيس الأمريكي باسم الولايات المتحدة مع الدول الأخرى.

وقد أشاد الرئيس جورج بوش بنجاح تلك الهيئة في ظل إدارته التي تضع التجارة الحرة على رأس أولويات السياسة الأمريكية.  وعلى إثر تلك التطورات كانت دعوة مجلس النواب بالكونغرس من مكتب المحاسبة الحكومية لتقديم تقرير واف عن تطور هذه المفاوضات الخاصة باستكمال مفاوضات الدوحة والتي عقد على آثرها وزراء التجارة في هونج كونج لمناقشة ما تم انجازه، كما تأتي أهمية هذا التقرير نظراً لاقتراب موعد حل الهيئة التشريعية  لتنشيط التجارة TPA، وهو الأول من يوليو 2007، ويناقش التقرير أخر النتائج التي أسفرت عنها دورة الدوحة، ومباحثات هونج كونج، ومدى التزام الأطراف المشاركة بتحقيق بعض الأهداف التي كان من المخطط انجازها قبل نهاية عام 2006، ويستعرض التقرير ما جاء في اجتماع هونج كونج من ايجابيات وسلبيات.

خلفية سريعة عن اجتماع هونج كونج وأهدافه

في صورة خطاب موجه إلى السيد وليام توماسWilliam Thomas  رئيس لجنة الطرق والوسائل Committee on Ways and Means بمجلس النوابالأمريكي، أشار التقرير إلى أن الاجتماع الدولي لوزراء التجارة في مدينة هونج كونج  في ديسمبر 2005، وهو الاجتماع الذي هدف إلى الخروج باتفاقيات حاسمة وطموحة تطبق قبل نهاية عام 2006 وذلك تتويجاً لمفاوضات ومباحثات أعضاء منظمة التجارة العالمية – وعددهم 149 دولة، انتهى فقط إلى خطة عمل إستراتيجية طموحة لتحرير التجارة بدءا من تقليل التعريفات الجمركية وإلغاء الدعم وانتهاء بدعم التنمية الاقتصادية في الدول الفقيرة.

ولم يحقق الاجتماع ما تعهدت به الدول المختلفة من الوصول إلى اتفاق شاملPackage Deal  أو بتعبير آخر هو اتفاق جميع الأعضاء على كافة القضايا، وذلك للوصول إلى اتفاق نهائي. ويعتقد جميع المسئولين الأمريكيين أن استمرار عقد هذه المفاوضات هذا العام ضروري لاستكمال إجراءات موافقة الكونغرس الأمريكي على المعاهدة عن طريق هيئة تنشيط التجارة TPA  والتي سوف تحل في الأول من يوليو عام 2007. وقد قام الجهاز الحكومي المحاسبي بفحص جميع المستندات والوثائق الخاصة بدورة مفاوضات الدوحة Doha Round، وكذلك وثائق القطاع الخاص ومكاتب الخبرة في كل من واشنطن العاصمة، وجينيف، وبروكسل، كما حضر ممثلو الجهاز الحكومي الاجتماع الوزاري السادس لمنظمة التجارة العالمية في هونج كونج. ومن المعروف أن منظمة التجارة العالمية تأسست نتيجة دورة  اجتماع أوروجواي في الأول من يناير عام 1995 كخطوة تالية بعد تحرير اتفاقية الجات General Agreement on Tariffs and Trade (GATT)، واتخذت منظمة التجارة العالمية جينيف مقراً لها، وعملت من هذا التاريخ على تنظيم جميع القواعد المتعلقة بالتجارة الدولية، وتوفير آليات فعالة لحل المنازعات التجارية بين الدول، وتعقد المنظمة اجتماعاتها الرئيسية كل عامين، وللدول الأعضاء حق التفاوض على أساس كل دولة على حدة أو كمجموعة من الدول مثل مجموعة الاتحاد الأوروبي وعددها 25 دولة، أو مجموعة دول العشرين G20  .....الخ ويعتبر اجتماع هونج كونج هو الاجتماع السادس منذ عام 1995، ويصدر عن كل اجتماع إعلان يتضمن موافقة جميع الأعضاء على بعض القضايا التجارية، ويكون بمثابة مرشد لجميع الأعمال المستقبلية بين تلك الدول، وجميع القرارات التي تصدرها المنظمة لابد وأن تأخذ بالإجماع، أو بغياب أي معارضة لها.  وتعقد المنظمة اجتماعات مصغرة هدفها التباحث في أمور وبنود معينة تخص تلك الاتفاقيات.

وتضمنت دورة مفاوضات الدوحة (سمي بإعلان الدوحة) برنامج عمل خاص بست عشر قضية حيوية مثل تفعيل سوق المنتجات الزراعية وتنمية قطاع الخدمات وفتح أسواق جديدة للمنتجات الصناعية، وتأتي الزراعة على قائمة أوليات جميع الدول الأعضاء حيث إنها دخلت النظام التجاري لأول مرة قي اجتماع دورة أوروجواي. وترجع أهمية اجتماع هونج كونج إلى متابعة ما تم إنجازه بالنسبة لجميع تلك الاتفاقيات والمفاوضات وخاصة موضوع تخفيض التعريفة الجمركية ورفع الدعم عن المنتجات الزراعية، ويعتبر عامل الوقت حساساً جدا في هذه المرحلة الراهنة لأن جميع أحكام قوانين تجارة المواد الزراعية في أمريكا سوف تنتهي في سبتمبر 2007.

التحديات والضغوط التي تواجه اكتمال اتفاقية الدوحة

يرى التقرير أن هناك عدة عوامل تمثل تحديات للدول الأعضاء في الفترة الراهنة في ظل الإطار الزمني الذي حددته هيئة تنشيط التجارة الأمريكية TPA  وهذه العوامل هي :

• ضرورة انتهاء أعمال المفاوضات قبل حل هيئة تنشيط التجارة في الأول من يوليو 2007.

• خوف الأعضاء المشاركين (الدول) من التخلي عن المزايا الاقتصادية التي سوف تعود عليهم عند اكتمال اتفاقية الدوحة، وجاء في التقرير الأخير لمركز أبحاث الكونغرس أن هذه المزايا الاقتصادية تقدر بـ 574 بليون دولار على المستوى العالمي، وبـ 144 بليون دولار للولايات المتحدة وحدها.

• جميع الأعضاء يريدون فتح الطرق المسدود أمام المفاوضات المتعلقة بقطاع الزراعة، وخصوصاً في ظل التغيرات السياسية في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبرازيل. عام 2006 سيشهد انتخابات الكونغرس في الولايات المتحدة، والذي انقسمت فيه الآراء حول إجراء المزيد من اتفاقيات التجارة الحرة مع استمرار العجز في الموازنة العامة والمنافسة الشرسة من العملاق الصيني.

وأخيراً أظهر الاستطلاع الذي أجري في مدينة جنيف بين الأطراف المتفاوضة وصانعي القرار ومجموعة من الخبراء والمحللين، أن 98 بالمائة منهم يعتقدون أن الوصول إلى اتفاق نهائي في هذا الإطار الزمني سوف يكون ضرباً من المستحيل، بينما 2 بالمائة يعتقدون خلاف ذلك نظراً للحماس المستمر للدول الأعضاء في الوصول إلى اتفاقية نهائية.

تقييم التقرير لاجتماع هونج كونج

جاء في التقرير أن المدير العام لمنظمة التجارة العالمية صرح بأن هناك 40 بالمائة من البنود اللازمة لاستكمال المفاوضات لم تتم بعد، كما أشار إلى أن هناك 5 بالمائة من هذه البنود استغرق سبعة عشر شهراً لإتمامها، وباقي من المهلة الزمنية المحددة  أمريكا سنة واحدة لكي يوقع الرئيس الأمريكي اتفاقية نهائية تحت مظلمة منظمة التجارة العالمية. وتدل جميع المؤشرات على أن جميع الأعضاء (الدول) قد تخلفوا عن المواعيد المحددة للانتهاء من تلك الأعمال.

وجاء في التقرير أيضا أن جميع المواعيد المؤقتة تم تأجيلها، حتى أن عام 2005 شهد تأخر جميع الأعضاء عن انجاز العديد من الخطوط العريضة التي تم الاتفاق عليها في إعلان الدوحة. ويرى التقرير أن الاجتماع الوزاري في هونج كونج لم يحرز تقدماً ملموساً بشأن إصدار قرارات مهمة في قضايا رئيسية مثل الزراعة والمنتجات الصناعية والخدمات وتسهيل التجارة وخاصة الإجراءات الجمركية، وقضايا التنمية، وأخيراً القواعد المتعلقة بمكافحة الإغراق والدعم. وفي الفترة من منتصف 2004 إلى عشية اجتماع هونج كونج في ديسمبر 2005، بدأت المفاوضات بداية طيبة، وأحرزت بعض التقدم من الناحية الفنية، بيد أن التقدم استغرق الكثير من الوقت والجدل أكثر مم كان متوقعاً، كما تم تخلف الأعضاء عن مواعيد تقديم المقترحات الجديدة بشأن قضية تنمية قطاع الخدمات في الدول الأعضاء والذي كان محدد له الأول من مايو عام 2005.

وبالرغم من المقترحات الإيجابية التي قدمتها الدول الأعضاء في أكتوبر 2005، فإن الموقف التفاوضي لتلك الدول بدا بعيداً كل البعد عن الوصول إلى اتفاقيات كبرى في اجتماع هونج كونج الأخير، ولهذا حاول مدير عام منظمة التجارة العالمية تجنب تدهور الاجتماع أو فشله بالتنبيه على ضرورة عدم الإفراط في التفاؤل، بخصوص عقد اتفاقيات كبيرة في هذا الاجتماع، والتركيز على المبادرات الصغيرة ومساعدة الدول النامية، وبالتالي تمخض اجتماع هونج كونج عن اتفاقيات هزيلة ومتواضعة تتعلق بعدد محدود من قضايا التنمية والزراعة.

وتم تأجيل القرارات الخاصة بكيفية خفض التعريفات الجمركية والحواجز الأخرى لكل دولة بم يتناسب مع ظروفها الخاصة، وقد وافق الأعضاء على إزالة دعم ورسوم الصادرات الزراعية بحلول عام 2013، وإعطاء الدول النامية إذن دخول 97 بالمائة من منتجاتها الزراعية إلى الأسواق العالمية، كما يضيف التقرير أنه بخلاف ذلك لم يحرز اجتماع هونج كونج أي تقدم كبير في الأمور الأخرى التي تم الاتفاق عليها في الدوحة. ومع هذا استطاع إعلان هونج كونج تحديد نهاية عام 2006 للخروج باتفاقية نهائية، وحدد سلسلة من المواعيد المؤقتة لتحقيق هذه الأهداف، وعلى سبيل المثال تحدد 30 أبريل عام 2006 ليكون موعد الانتهاء من تقديم المعايير الخاصة بكل دولة بالنسبة لتخفيض التعريفة الجمركية وبقية العوائق الأخرى، في قطاعي الزراعة والصناعة، وسوف يكون هذا نواة للمرحلة الأخيرة للمفاوضات، إلا أن هذا التحديد الزمني لم يتم الالتزام به. ويرى التقرير أن غياب الرغبة السياسية الحقيقية (الأسباب مختلفة من دولة لأخرى) يعيق حدوث تقدم حقيقي من محادثات التجارة الدولية.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: تقرير واشنطن-العدد63-17-6-2006