كوريا الجنوبية وحمى السيطرة على مصادر النفط

 

د. عبدالله المدني

 

على خطى العملاقين الآسيويين الصيني والهندي، دشنت كوريا الجنوبية في الفترة الأخيرة ما يمكن وصفه بأكبر عملية بحث في تاريخها عن مكامن النفط والغاز الأجنبية، هي التي ظلت على مدى العقود الماضية تعتمد كلياً على شراء الطاقة من مصدريها الرئيسيين.

ولا يحتاج المرء بطبيعة الحال إلى التساؤل عن دوافع هذا التوجه. فالصعود الصاروخي لأسعار الطاقة في العالم بكل ما تفرضه من ضغوط وأعباء على النمو الاقتصادي للبلاد، معطوفاً على الزيادة المتواصلة في حجم الاستهلاك الداخلي – بدليل ارتفاع نصيب الفرد السنوي من النفط المستهلك من برميل واحد في عام 1950 إلى 17 برميلاً في عام 2005 - والتنافس المحموم ما بين الصين والهند للسيطرة على اكبر حصة في مكامن الطاقة العالمية، كفيل بالإجابة.

والمعروف أن كوريا الجنوبية، خلافاً لبقية المستوردين الكبار للطاقة، ظلت حتى وقت قريب بعيدة عن تنويع مصادر إمداداتها من النفط الخام، بدليل أن 80 بالمئة من وارداتها النفطية مصدرها منطقة الخليج وبعض دول الشرق الأوسط. هذا علما بأن المعدل السنوي لهذه الواردات خلال العقد الحالي تراوح ما بين 800 و 850 مليون برميل، لكن مع تضاعف قيمة فواتيرها تدريجيا بسبب ارتفاع سعر البرميل من 10-20 دولاراً في التسعينيات إلى 50-60 دولاراً في الوقت الراهن. ويكفي كدليل الإشارة فقط إلى أن ميزانية النفط الكورية الجنوبية للعام الجاري تبلغ 2.73 مليار دولار، بزيادة 21 %عن ميزانية العام الماضي.

في تفاصيل التوجه الكوري الجنوبي الجديد، نجد أن الشركات الوطنية العاملة في القطاع النفطي تنخرط حالياً في 82 مشروعاً نفطياً في 24 دولة باستثمارات يصل حجمها الإجمالي إلى نحو 1.4 مليار دولار، مع وجود خطط لاستثمار نحو 900 مليون دولار هذا العام في 13 مشروعا آخر. وكنتيجة لهذا السعي الدؤوب، ضمنت سيؤول لنفسها مع نهاية العام الماضي الحصول على 5 مليارات برميل من النفط، وهو ما يفوق استهلاكها في عام 2004 والبالغ 800 مليون برميل بنحو ست مرات.

وتأتي على رأس الشركات المذكورة، مؤسسة النفط الوطنية الكورية المملوكة للدولة والتي كانت حتى يونيو 2005 منخرطة في 21 مشروعاً بـ 14 دولة، تليها "مؤسسة كوريا الجنوبية للمصافي" ذات الملكية الخاصة التي تعمل حالياً في 19 حقلاً للنفط في 12 دولة لاكتشاف وإنتاج ما يقدر بأكثر من أربعة مليارات برميل. ويضاف اليهما مؤسسة "دايوو" العالمية التي تنشط في اكتشاف النفط والغاز أو تطوير حقولهما في ميانمار وبيرو وروسيا و فيتنام وسلطنة عمان.

ومن بين أبرز النجاحات التي حققتها هذه المؤسسات النفطية وغيرها حتى الآن، اكتشاف حقل نفطي في فيتنام يقدر مخزونه الإجمالي بنحو 1.14 بليون برميل، والبدء في عملية استغلاله بإنتاج 700 ألف برميل يومياً، واكتشاف حقلين بحريين للنفط في نيجيريا بمخزون يزيد عن بليوني برميل، واكتشاف حقل نفطي آخر في روسيا يقدر مخزونه بأكثر من 3.7 مليار برميل.

غير أن هذه النجاحات قد لا تتكرر، طبقا لخبراء نفطيين كوريين، بسبب المنافسة الشرسة من قبل المؤسسات النفطية الصينية والهندية المملوكة للدولة أو المدعومة بقوة منها. ومن هنا قيل إنه لكي تحافظ الشركات الكورية الجنوبية على مواقعها وتحقق المزيد من النجاحات، لا بد من حصولها على دعم حكومي متواصل وشامل، مع محاولة دمج تلك الشركات في مؤسسة قوية ومتميزة واحدة، لا سيما وأن الاستثمار في قطاع اكتشاف وإنتاج الطاقة في الخارج يتميز بالمخاطرة والمشاكل غير المتوقعة، فضلاً عن استحالة الحصول على عوائد سريعة.

ويمكن القول إن جولة الرئيس الكوري الجنوبي "روه مو هيون" في الشهر الماضي في عدد من الدول المنتجة للطاقة كانت ذات صلة بالتوجه النفطي الجديد لبلاده، فضلا عن أنها حملت في ثناياها دعماً حكومياً للشركات الوطنية العاملة في قطاع الطاقة. فزيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة مثلاً، التي كانت الأولى من نوعها لزعيم كوري جنوبي إلى هذا البلد الخليجي الذي يعتبر ثاني أكبر مزود لكوريا الجنوبية بالنفط بعد المملكة العربية السعودية، تُوجت باتفاقيات عديدة كان من بينها اتفاقية بين مؤسسة النفط الوطنية الكورية الجنوبية ونظيرتها الإماراتية حول تكوين مخزون من النفط الإماراتي في كوريا الجنوبية للتصدير إلى الدول الأخرى مع إعطاء الأولوية في الشراء للأخيرة. وزيارته إلى أفريقيا، وهي الأولى لرئيس كوري جنوبي للقارة السمراء منذ زيارة الرئيس الأسبق "تشون دو هوان" قبل 24 عاماً، شملت تحديداً نيجيريا والجزائر ومصر، واستهدفت ضمن أمور أخرى تعزيز التعاون في مجال الطاقة من أجل تنويع مصادر الإمداد وضمان حصص للشركات الكورية في مشاريع الاستكشاف والإنتاج والتطوير الجديدة في هذه الدول المنتجة للنفط والغاز بكميات متفاوتة. أما زيارته لأذربيجان التي تملك احتياطيات من النفط تقدر بحوالي 7 مليارات برميل، واحتياطيات من الغاز تصل إلى 850 مليار متر مكعب، فقد أثمرت عن توقيع اتفاقية تتيح لشركات النفط الكورية الجنوبية المشاركة في المشروع العالمي لتطوير حقول بحر قزوين، وذلك من خلال قيامها بالتنقيب في حقل "اينام" المقدر مخزونه بنحو بليوني برميل، مقابل حصولها على نسبة 20 %.

وجاءت زيارة الرئيس الكوري الجنوبي إلى باكو وما تمخض عنها من نتائج، لتعزز من موقع كوريا الجنوبية في منطقة آسيا الوسطى التي تشهد منذ سنوات منافسة حامية حول مصادر الطاقة ما بين الهنود والصينيين واليابانيين والروس، ولتضيف بلداً جديداً من بلدان المنطقة إلى قائمة المتعاونين مع الشركات الكورية الجنوبية من بعد أوزبكستان، التي كانت قد منحت الكوريين في أبريل الماضي حقاً حصرياً لاستغلال حقلين من حقول النفط والغاز في أراضيه.

وفي السياق نفسه، لا بد من الإشارة إلى أن سيؤول وافقت من حيث المبدأ على التفكير جدياً في مقترح هندي مثير كانت نيودلهي قد تقدمت به في أغسطس من العام الماضي حول عقد اتفاقية استراتيجية لتبادل حصص الغاز، بمعنى أن تحصل كل دولة على حصة الأخرى في حقول الغاز الأجنبية الأقرب جغرافيا إليها. وإذا ما أبرمت هذه الاتفاقية، فان الهند مثلاً تستطيع الحصول على حصص كوريا الجنوبية في مكامن الغاز في سومطرة الاندونيسية، مقابل حصول كوريا على حصص الهند في حقول "ساخالين" الروسية الأقرب إليها.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

الصدر: الإتحاد الإماراتية-11-6-2006