دول الخليج وإمكانية العمل بنظام الضرائب
د. محمد العسومي
تزايدت بدول مجلس التعاون الخليجي في الآونة الأخيرة التوجهات الرامية إلى البحث في إمكانية فرض ضرائب، حيث تم تداول هذا الأمر على مستوى وزراء المالية والاقتصاد بدول المجلس على أن يتم إعداد دراسة متكاملة حول الأخذ بضريبة القيمة المضافة، كمرحلة أولى. أما في دولة الكويت، فقد جرى الحديث عن إمكانية فرض ضريبة على الدخل. بشكل عام تعتبر الضرائب جزءاً مهماً من الأنظمة الاقتصادية، كما أنها تشكل مصدراً رئيسياً لميزانية الدولة وبرامجها التنموية، ويمكن ملاحظة ذلك في البلدان الصناعية المتطورة والتي تتمتع بأنظمة ضرائبية متطورة للغاية، فالضرائب على وارداتها من النفط على سبيل المثال تفوق عائدات صادرات النفط في الدول الأعضاء في منظمة "أوبك". في العديد من البلدان النامية بشكل عام توجد أنظمة للضرائب، إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى الشفافية والتنظيم التي تتميز بها أنظمة البلدان الصناعية. أما في البلدان المنتجة للنفط، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، فإن تمويل الموازنات السنوية وبرامج التنمية يعتمد أساساً على عائداتها من الصادرات النفطية. في مثل هذه البلدان هناك رسوم على بعض أنواع الخدمات وبعض الضرائب الانتقائية، كما هو الحال في السعودية والكويت وقطر وعُمان، في حين لا يوجد أي شكل من أشكال الضرائب في كل من الإمارات والبحرين، مما دفع البعض إلى تسمية هذه الدول بـ"جنة الضرائب". الدعوات الرسمية الرامية إلى الأخذ بنظام الضرائب هي دعوات مناسبة وتتم ضمن عملية تحضير الاقتصاديات الخليجية لمرحلة أكثر تطوراً وتنوعاً وأقل اعتماداً على العائدات النفطية المتذبذبة صعوداً وهبوطاً وفق ظروف أسواق النفط العالمية، مما يؤثر على الإنفاق العام وعلى برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس. هذا التوجه الصحيح بحاجة لعملية تحضير ولمتطلبات عديدة حتى يمكن تطبيقه واستمراره بنجاح، فالانتقال من نظام شبه خالٍ من الضرائب، استمر لما يربو على خمسة عقود، إلى نظام مختلف تماماً قائم على أسس ضرائبية جديدة ليس بالأمر السهل والتلقائي. أولاً، لابد من الأخذ بعين الاعتبار حقيقة مهمة تكمن في تحول دول المجلس خلال السنوات القليلة الماضية، وبالأخص بعد تطبيق التعرفة الجمركية الموحدة مع بداية عام 2003 إلى سوق خليجية موحدة، لا ينفع معها تطبيق أنظمة ضرائب في إحداها دون الأخريات، ففي الوقت الحاضر لا يمكن من الناحية العملية تطبيق ضريبة القيمة المضافة على سبيل المثال في دولة خليجية واحدة دون غيرها، إذ سيؤدي ذلك إلى ارتفاع التكاليف وانتقال الأنشطة إلى البلدان الأخرى بحكم وحدة السوق الخليجية وغياب الرسوم الجمركية فيما بين دول المجلس. لذلك، فإن أي شكل من إشكال الضرائب، بما في ذلك الضرائب على الدخل لابد وأن يأخذ شكلاً خليجياً جماعياً، فبعد منطقة التجارة الحرة والجدار الجمركي والسوق المشتركة وتوحيد العملة، فإن دول المجلس ستصل إلى شكل أرقى من التكامل يتمثل في توحيد الأنظمة والسياسات الاقتصادية، ربما بعد خمس سنوات من الآن، وبالتالي فإن أنظمتها المستقبلية لكي تعمل يجب وضعها بشكل يتناسق مع التوجهات العامة في نطاق السوق الخليجية المشتركة. من جهة أخرى تشير تجارب مختلف بلدان العالم إلى نجاح أنظمة الضرائب في البلدان الصناعية المتطورة وقصورها وتدني أدائها في البلدان النامية، وذلك لأسباب عديدة، فنجاح نظام الضرائب يتطلب الكثير من الإفصاح والشفافية والمتابعة مع وجود أجهزة إدارية حديثة ومتكاملة. إلى جانب ذلك، يتوقع دافع الضرائب، كما هو الحال في أوروبا والولايات المتحدة واليابان الحصول على خدمات اجتماعية وبنيوية متطورة تتناسب طردياً مع ما يدفعه من ضرائب، إذ بدون ذلك يفقد نظام الضرائب أهميته ويفرغ من محتواه، وللوصول إلى ذلك هناك دور مهم لأجهزة التحصيل والإدارة الضرائبية والإشرافية على عملية جمع وتوزيع واستثمار حصيلة الضرائب بكافة أنواعها. وإذا ما استكملت كافة هذه المقومات وتم وضع نظام خليجي متكامل للضرائب، فإن نقلة نوعية كبيرة تنتظر الاقتصاديات الخليجية في الفترة القادمة ستساهم في إضفاء طابع اقتصادي متقدم وأقل ريعية، إلا أن مدى نجاحها سيعتمد على حسن عملية الإعداد لها واستثمارها بما يتناسب ورفع المستوى المعيشي وتنمية هذه الاقتصاديات في المستقبل مع الاستفادة من تجارب البلدان المتقدمة، تلك التجارب التي تراكمت على مدى أكثر من قرنين من الزمن. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية-6-6-2006
|