فنزويلا ما بعد "تسييس" النفط

 

دانا هارمان

 

في الأسابيع الأخيرة، حذا كل من الرئيس البوليفي إيفو موراليس والرئيس الإيكوادوري ألفريدو بلاسيو حذو الرئيس الفنزويلي الشعبوي هوغو شافيز في ما يخص تسييس قطاع النفط والغاز وتأميمه –والاحتفاظ بالمزيد من الدولارات التي يدرها النفط داخل البلاد، مع تنفير الشركات الأجنبية المستثمرة. نموذج جيد؟ الحقيقة أن العديد من محللي الشؤون النفطية يشككون في ذلك.

فبينما تنفي الحكومة أن يكون إنتاج النفط قد تراجع، وهو أمر تساهم أسعار النفط المرتفعة في صعوبة التحقق منه، فإن محللين بمؤسسة "بي إيف سي" للطاقة، وهي شركة استشارات دولية متخصصة في الطاقة ومقرها بواشنطن، قبلوا الحديث شريطة عدم الإفصاح عن أسمائهم حتى لا يثيروا حفيظة الحكومة الفنزويلية، يقولون إن الإنتاج في حقول النفط التي تديرها الدولة انخفض بنحو 50 في المئة منذ أن وصل شافيز إلى السلطة في 1999.

فخلال هذه الفترة، لم يتم اكتشاف احتياطيات نفطية مهمة. كما أن هامش الربح الصغير الذي حُدد للشركات الأجنبية، دفع المستثمرين الأجانب حالياً إلى إبطاء معدل الاستثمار في حقول النفط والغاز التي تتم إدارتها بشكل مشترك. وفي هذا السياق، يقول "لويس جوستي"، الرئيس السابق لشركة "بيتروليوس دي فنزويلا"، في حوار مع إذاعة "يونيون ريديو" الفنزويلية أجري معه الشهر الماضي "توقع الزيادة في الإنتاج مستقبلاً بدأ في التبخر، كما أن صناعة النفط في تقلص"، مضيفاً "وحين تتغير الأسعار، فإن الوضع سيكون واضحاً للجميع".

هذا وقد رفضت الحكومة الفنزويلية وشركة "بيتروليوس دي فنزويلا" طلبات متكررة بالتعليق على الموضوع. وإذا كانت الأرقامُ الرسمية تبين أن إنتاج النفط عاد للارتفاع بعد فترة تراجع على خلفية إضراب 2002، فإن عدداً من محللي الشؤون النفطية يشككون في صحة هذه الأرقام.

ذلك أنه من غير الواضح عدد الحقول التي تديرها شركة "بيتروليوس دي فنزويلا" لوحدها نظراً لأن الشركة تعلن عن مجموع الإنتاج بدون تقديم تفاصيل حول عدد الحقول أو الآبار التي تديرها، أو عدد تلك التي توجد في حالة إنتاج. والواقع أن هذه المزاعم حول سوء إدارة القطاع النفطي يبدو أنها لا تزعج البلدان المجاورة.

ففي الأول من مايو أعلن موراليس أن "الشركات الأجنبية لن تستطيع السرقة من بوليفيا بعد اليوم"، وعمل دون تأخير على تأميم قطاع الغاز ببلاده. وبعد ذلك بأسبوع، ووسط خلاف حول أحد العقود، أيد بلاسيو مصادرة ودائع شركة "أوكسيدنتل بيتروليوم" الأميركية، التي تعد أكبر منتج للمحروقات في الإيكوادور. وقد كان لهذه الخطوات مفعول إيجابي داخليا، ذلك أن بوليفيا والإيكوادور تعرفان، على غرار فنزويلا، انتشاراً واسعاً لمشاعر معاداة الولايات المتحدة، حيث يُحمِّل الناس الشركات الأجنبية مسؤولية الفقر المتفشي في بلدانهم، ويتهمونها بنهب مواردهم الطبيعية وتحقيق أرباح طائلة تاركة أموالاً قليلة وراءها لبرامج محاربة الفقر.

غير أن عمليات التأميم، ولاسيما الطريقة التي تنفذ بها، –يقول المنتقدون- ليست رشيدة ومن المرجح أن تلحق الضرر على المدى البعيد بأولئك الذين يصفقون لها اليوم، وإن كانت تحظى بالتأييد الشعبي وتعد مربحة في البداية. وفي هذا الإطار، يقول "أورلاندو أوتشوا"، عالم الاقتصاد بجامعة كاراكاس الكاثوليكية: "إنها خطوات تحركها دوافع سياسية وإيديولوجية"، معتبراً أنه ينبغي على الرئيسين موراليس وبلاسيو أن يتأملا جيداً نموذج فنزويلا ويستخلصا العبر قائلاً "من الواضح جداً أن هذا البلد الغني بالنفط يسير إلى الوراء، وسيؤول كل شيء في الأخير إلى ما لا تحمد عقباه".

غير أن حقيقة أن فنزويلا، التي تعد خامس أكبر مصدِّر للنفط في العالم، تسير إلى الوراء ليست واضحة للجميع. فإذا كانت شركة "بيتروليوس دي فنزويلا" المملوكة للدولة تقول إن الإنتاج وصل إلى 3.3 مليون برميل في اليوم، إلا أنه لا توجد وسيلة للتحقق من هذا الأمر بشكل مستقل. كما أن معظم المحللين الخارجيين، بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية، يقولون إن أرقام شركة "بيتروليوس دي فنزويلا" مضخمة وإن حجم الإنتاج قريب من 2.6 مليون برميل في اليوم. ومن جهتها، أفادت صحيفة "فاينانشال تايمز" الشهر المنصرم أن نقص الإنتاج الفنزويلي أرغم البلاد على عقد صفقة بملياري دولار لشراء 100000 برميل يومياً من النفط الخام من روسيا وذلك احتراماً للعقود التي تربطها بدول أخرى –وهو ادعاء نفته حكومة شافيز ووصفته بالعاري من الصحة.

ومهما يكن حجم الإنتاج الحقيقي، فالأكيد أن فنزويلا تجني المزيد من الدولارات التي يدرها عليها النفط أكثر من أي وقت مضى. فعندما وصل شافيز إلى السلطة في 1999، أعلنت البلاد أنها تنتج 3.5 مليون برميل يومياً، وبالنظر إلى أسعار النفط حينها والتي كانت تقارب 15 دولاراً للبرميل، كانت البلاد تحقق نحو 18 مليار دولار في السنة. أما هذا الشهر، حيث وصلت الأسعار إلى نحو 70 دولاراً للبرميل، فقد قال المدير المالي في شركة "بيتروليوس دي فنزويلا" أودوماريو كارويو لوكالة رويترز إنه يتوقع أن يصل العائد إلى 85 مليار دولار هذا العام. يُذكر أن مسؤولي شركة "بيتروليوس دي فنزويلا" أعلنوا مراراً أن إنتاج النفط سيرتفع إلى 4 ملايين برميل في اليوم بحلول 2012.

علاوة على ذلك، وبفضل استثمار شافيز مليارات الدولارات في مشاريع السكن والرعاية الصحية المجانية ومشاريع محاربة الأمية وبرامج اجتماعية أخرى، ينظر الفنزويليون إلى قطاع النفط في بلادهم اليوم على أنه قوي جداً. وفي تعليقه، يقول ألفريدو كيلار، المسؤول عن إحدى مؤسسات استطلاع الرأي المستقلة بكراكاس: "الناس العاديون لا يهمهم ما إن كان الإنتاج 3.3 مليون برميل يومياً أو 2.6 مليون برميل. فبالنسبة لهم، النفط دائم وموجود بكميات وافرة".

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع كريستين ساينس مونيتور-5-6-2006