التحالفات السياسية عقبة أمام تطوير مصادر الطاقة الأميركية

 

فيليب جولد

 

الحقائق أشياء عنيدة، وكذلك الاعتقادات التي نتبناها خصوصاً عندما يشاركنا في تبنيها خصوم يجدون -لأسباب خاصة بهم- أنه بمقدورهم التخلي عنها بمنتهى السهولة. ومن بين أكبر الأوهام المشتركة بيننا وبين الخصوم ذلك الاعتقاد الخاص بأن أسعار النفط المرتفعة يمكن أن تحقق شيئاً ما. الحقيقة غير ذلك، ولكن من حسن حظنا أن هناك طريقة للخروج من الأزمة، وهي أن نفعل مثلما فعل "البنتاجون" الذي خرج بما يعرف بـ"قانون إغلاق وإعادة توزيع القواعد" ولكن قبل أن نشرح ما علاقة قانون خاص بالبنتاجون، بأسعار الغاز من المهم أن نعرف –وبعد ذلك نتخلى عن- الفكرة الخاطئة التي تقول إن "السوق" له علاقة كبيرة بحل هذه الورطة.

حسب الاعتقاد الشائع فإن الأسعار المرتفعة للنفط لابد أن تؤدي إلى محاولة للتوفير في الاستهلاك من جانب المستهلكين، وإلى زيادة العرض من جانب المنتجين. و"اليسار" السياسي -بمعناه الواسع- يفضل التوفير في الاستهلاك في حين أن "اليمين" يحبذ زيادة العرض. ولكن هذا الاعتقاد قد لا يكون صحيحاً.

والطلب على النفط، وخصوصاً البنزين يكون غير مرن لثلاثة أسباب: السبب الأول أن أعداداً كبيرة من الناس في حاجة إلى أن يمضوا أبعد من اللازم ويستهلكوا كميات كبيرة من المادة. الثاني: أن الأشخاص الذين تتوافر لهم القدرة على شراء سيارات الدفع الرباعي الكبيرة، قادرون أيضاً على دفع تكلفة وقودها. السبب الثالث والأخير أنه بالنسبة لعشرات ملايين الأميركيين، من المراهقين، وفقراء العاملين، إلى كبار السن، تعتبر السيارات شيئاً لا يمكن الاستغناء عنه وهو ما يعني أنهم يستطيعون التوفير في استهلاكهم للطعام، قبل أن يفكروا في التخلي عن سياراتهم.

لذلك فإن أي سعر أقل من السعر الذي يمكن أن يحدث خراباً اقتصادياً، لن يدفع الأميركيين إلى السعي لتحقيق وفورات جدية.

من ناحية أخرى، نجد أن الأسعار العالية للنفط ليس من الضروري أن تؤدي إلى زيادة المعروض منه: فالنفط صناعة استخراجية، والشركات تقوم بضخ النفط من الآبار التي يسهل استخراجه منها أكثر من غيرها (سواء من ناحية الموقع أو من ناحية العمق)، وهو ما يعني بدوره أن أكلاف الإنتاج تزداد مع الحجم. وبعد ذلك نأتي إلى مفارقة السوق. فإذا ما وصل سعر برميل النفط إلى 150 دولاراً للبرميل على سبيل المثال، فستزداد الكميات المتوفرة من المادة في السوق، ولكن لن يكون هناك الكثيرون ممن لديهم القدرة على شرائها، فيضطر المنتجون عندئذ إلى تخفيض السعر إلى الحد الذي إذا ما هبط النفط إلى ما دونه، فلن يحققوا أرباحاً من خلال عملية الإنتاج. لقد تعلمت شركات النفط ذلك الدرس في الثمانينيات، وليس لديها ما يمنع من أن تكرر التجربة.

بعد ذلك هناك ما يحدث عندما تختلط أسعار النفط بالسياسة. فكبار منتجي النفط في العالم، لا يضمرون لنا خيراً وهذا شيء معروف. ولكن يجب أن نعترف أيضاً بأن سياساتنا الداخلية هي التي تجعل موقفنا حرجاً.

فهناك تحالف واقعي من "اليمين" و"اليسار" يتكون من المدافعين عن سلامة البيئة، وشركات النفط الكبرى، يحول دون تطوير موارد أميركا وطاقتها. فالبيئيون ومؤيدوهم السياسيون، لا يريدون تنمية أية حقول جديدة. أما شركات النفط الكبرى، فإن المرء ليس بحاجة إلى أن يكون خبيراً في إنتاج النفط كي يعرف أن بيع البنزين بسعر 3 دولارات أو 4 دولارات للجالون، أفضل من بيعه بسعر دولارين.

وهذا التحالف بين "اليمين" و"اليسار" ليس بالشيء الجديد. فعلى مدار العقود القليلة الماضية، قام هذا الاتحاد بتفريغ مستشفيات الأمراض العقلية في أميركا من نزلائها، واستعان بهم، وأعاق خطة الدفاع الصاروخي، وجعل من الهجرة غير القانونية صناعة يتوقف عليها النمو الاقتصادي. وبمرور الوقت قامت هذه التحالفات والجمود السياسي الذي ولدته، بفرض نفوذها على السوق.

يجب على الكونجرس أن يقوم بتعيين لجنة مستقلة مكونة من الحكومة، والمسؤولين عن صناعة الطاقة، والعاملين بالشأن العام، وممثلي جماعات البيئة، لدراسة ما هي المناطق" غير المسموح بالدخول إليها في الوقت الراهن" التي يمكن فتحها لعمليات التنقيب، والاستخراج، والتكرير، لتحقيق أقصى فائدة اقتصادية ممكنة وأقل أضرار محتملة للبيئة. ويتوجب على الكونجرس أن ينشئ وكالة مستقلة كي تقوم بإدارة شأن، وتنفيذ ما يلي :

تحديد معايير بيئية صارمة، والحماية من الدعاوى القضائية التي يمكن رفعها بتدمير البيئة أو وضع اليد، وتخصيص نسبة من الأرباح لإنتاج (وليس لأبحاث) بدائل الوقود، والمحافظة على سعر النفط عند مستوى معين يكون أقل من سعر السوق (كعنصر توازن)، والمحافظة على النفط داخل البلاد.

إن أميركا لن تستطيع أبداً أن تحقق الاستقلال في مجال الطاقة. ولكنها يجب أن تسعى جاهدة من أجل تحقيق أمن الطاقة من خلال أسعار مستقرة بدرجة معقولة ومتاحة للجميع، في الوقت الذي تقوم فيه بإبطاء الإنتاج أثناء الفترة الانتقالية الحتمية التي ستقودنا إلى الاقتصاد غير القائم على النفط.

مراسل "كريستيان ساينس مونيتور " في سياتل

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في ال مصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور" -31-5-2006