كارثة البورصة تؤثر في المجتمع السعودي
علي آل غراش
خسرت أكثر من 50 % من قيمتها تجاوزت خسائر سوق الأسهم السعودية جميع التوقعات السلبية والمتشائمة..، إذ فقد السوق -الذي يصنف أكبر أسواق المال العربية من حيث حجم التداول- أكثر من 50 بالمائة من القيمة التي بلغها في فبراير الماضي، وخسرت أسعار غالبية الأسهم أكثر من 70 في المائة من قيمتها الحقيقية، وتراجع السوق السعودي إلى ما دون العشرة آلاف نقطة بعدما تخطى في فبراير 20 ألف نقطة. لم تبق حالة السوق مجرد تصحيح أو تراجع أو كبوة أو مجرد قضية اقتصادية هامشية تمس شريحة محددة بل تحولت إلى قضية وطنية تهز مضاجع اغلب المواطنين السعوديين المساهمين (من الجنسين) وكارثة لا تقل عن أي كارثة طبيعية التي تحتاج إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى في البلد. حيث تعرض أكثر من 10 مليون مساهم لهزة لازالت منذ شهر فبراير الماضي لغاية اليوم متواصلة!. خمسة ملايين منهم تقريبا تعرضوا لخسائر من راس المال. وأكثر من 2 مليون مساهم أصبح يعيش على خط... بحاجة للعون والمساعدة، ومنهم من هو بحاجة إلى معالجة نفسية!. خسائر بالمليارات وبسبب حجم الخسائر التي تقدر بالمليارات وعدد المتضررين، برزت على سطح المجتمع السعودي العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وحالة من السخط والشكاوي والاتهامات والشائعات،.. وارتفاع سقف المطالب بمحاسبة ومعاقبة المتسببين من قبل أعلى السلطات في الدولة،... ولم تتوقف المطالب إلى هذا الحد بل تجاوزت الخطوط الحمر... وتحولت المجالس والديوانيات والفضائيات والمنتديات الالكترونية إلى متنفس للتعبير عن حالة الصدمة والإحباط واليأس وتبادل التحليلات الجريئة التي لا تقال في الإعلام المحلي. لغاية الآن لم تفلح جميع القرارات والمحاولات والجهود التي تبذلها هيئة السوق المالية والجهات الخاصة وأخرها تدخل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بتعيين د.عبد الرحمن التويجري رئيسا جديدا لسوق المال السعودية في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتغيير الوضع وإعادة ثقة المستثمرين إلى السوق عقب التراجع الحاد في أسعار الأسهم. السوق أصبح من القضايا المتعسرة - وربما من القضايا المستحيلة الحل التي تشتهر بها منطقتنا - إذ احتار فيه الخبراء والمحللون والمعلقون والقادة الحاكمة. وتزداد الحيرة والقلق والخوف مع انتقال عدوى التراجع إلى بقية البورصات الخليجية والعربية التي أصيبت بنفس الداء ولو بشكل اقل. أسباب الانهيار المساهمون السعوديون يحملون هيئة السوق السعودية المسؤولية عما حدث للسوق بالإضافة للبنوك والشركات المساهمة وكبار المستثمرين الهوامير والى عوامل أخرى... إذ إن الهيئة لم تقم بالدور الصحيح في التعامل بشفافية وبالتوعية وتطبيق الانظمة على ارض الواقع وتطويرها. كما أنها لم تبادر منذ البداية إلى ما هو مطلوب منها في كبح صعود أسهم ما هو غير طبيعي في السوق- وبالذات الشركات الخاسرة- بطريقة حاسمة وشفافة..وكذلك سكوتها وعدم تحركها لمعالجة الوضع إلا بعدما وصل السوق فوق الـ 20 ألف نقطة ودخول الملايين من المواطنين الذين وجدوا في سوق الأسهم الحلم لتحقيق الثراء السريع.. إذ قامت الهيئة بإيقاف بعض (الهوامير) المضاربين المؤثرين في السوق بشكل غير قانوني، وتغيير بعض الأنظمة. في محاولة لإعادة السوق لحجمه الطبيعي وهذا ما لم يحدث إذ وقع الانهيار لافتقاد الهيئة للشفافية المطلوبة وعدم قدرتها على إيجاد البدائل في عملية إيقاف المضاربين غير القانونيين، بالإضافة إلى مشاكل وضعف الخدمات الفنية والتقنية وكثرة تعطلها. شجعت البنوك السعودية - التي استطاعت خلال العام الماضي 2005م من تحقيق أرباح خيالية تضاعف راس مال!- المتعاملين على دخول السوق بقوة عبر تقديمها التسهيلات والعروض المالية المغرية للمساهمين بعمولات. دورها السلبي يكمن عندما تراجع السوق قامت بتسسييل محافظ عملائها المستثمرين في سوق الأسهم السعودية، وبيع الأسهم بدون الرجوع للعميل الذي وقع مسبقا على اتفاقية تجوز للبنك بيع الأسهم بما يضمن حقه.. وبذلك حصل البنك على أمواله والفوائد ولم يخسر شيئا بينما العميل خسر أسهمه بالإضافة إلى العمولة التي أخذها مقدما، وتعرض السوق للإغراق. بالإضافة أن البنوك لاعب مؤثر في السوق حيث كانت تستثمر أموالها في السوق، وعلى الرغم من الإرباح الهائلة التي جنتها البنوك السعودية من جيوب المتعاملين في السوق فهي تتعامل بفوقية وعدم اكتراث...، ولم تقدم مساعدات مالية أو استشارية للمتضررين.. فهي لازالت لا توفر خدمة الانترنت لجميع عملائها وتفرض مبالغ كبيرة على الخدمة، وصالاتها لا تستوعب الأعداد الغفيرة من المتعاملين وعدد الموظفين لا يناسب حجم الضغط، كما أنها لا ترحب بفتح حسابات لجميع الراغبين.. فالبنوك كالمنشار تأكل في كل عملية وهي المستفيد الأكبر في السوق. الشركات والاتصالات كما كان للشركات الكبرى المساهمة دور في وصول السوق إلى هذا المستوى المؤلم حيث كانت تضارب على أسهم شركتها لترغب المستثمر الصغير.. ثم تعرض ما لديها بأسعار عالية. ولا يمكن كذلك إغفال دور شركة الاتصالات التي توفر خدمة الانترنت في السعودية في كارثة انهيار سوق المال حيث انها لازالت بطيئة وكثيرة العلل والأعطال والمشاكل. لا تناسب مرحلة التطور وتقديم خدمة مناسبة للمتعاملين في سوق الاسهم مما ادت وتؤدي إلى تعرض المساهمين إلى خسائر فادحة وإصابتهم بازمات اثناء الاستخدام. تلاعب الهوامير اما دور كبار المستثمرين المتلاعبين بالسوق (الهوامير) - وهم أسماء كبيرة في الاقتصاد السعودي- يتمثل في المضاربة القوية في رفع أسعار بعض الشركات التي يرغبون في رفعها - ومنها الشركات الخاسرة في الواقع- وتنافس هولاء على رفع الأسعار بالطلب المتواصل مما أدى إلى توجه صغار المستثمرين إلى تلك الشركات.. والمشكلة الكبرى أن هيئة السوق لم تتعامل بشكل صحيح في مع قضية هولاء المستثمرين بل استفزتهم عبر توقيف بعض الشخصيات وغض الطرف عن شخصيات أخرى بدون الإعلان الصريح عن الأسماء هذه الحركة استفزت كبار المستثمرين وردوا على الهيئة بالانسحاب من السوق وسحب أموالهم في تحدي صريح للهيئة التي لم تستطع إيجاد بدائل عملية لتلك الأموال المسحوبة من السوق. ومن أهم الأسباب التي أدت إلى هذا الانهيار وتعرض عدد كبير من المتعاملين لخسائر فادحة ترجع بشكل كبير إلى نقص الوعي والثقافة لدى اغلب هذه الشريحة في مجال الاستثمار في السوق المالية، ونقص الخبرة، والعمل حسب الشائعات، وعدم تقدير حجم المخاطر. الشق اكبر السوق السعودي ليس بحاجة فقط لتغيير الأسماء والأنظمة والقرارات في الهيئة، وتصريح كبار الشخصيات القيادية في البلد..فالسوق يعاني من كارثة لا تعالجها الكلمات والوعود ولا الترقيعات فالشق واسع...أنه بحاجة إلى عودة ثقة المستثمرين في السوق والشعور بالأمان عبر المزيد من الشفافية والعدالة والاستقلالية والتطبيق الفعلي للقرارات على الجميع بدون استثناء، وطرح المزيد من الشركات لاستيعاب السيولة الهائلة في السوق، وتلبية الطلب. ولقد صرح عبد الرحمن التويجري الرئيس الجديد لهيئة السوق: إن إعادة ثقة المتعاملين في السوق تحتاج إلى جهود كبيرة وتعاون من الجميع،،وبانه لايملك عصا سحرية لإعادة الثقة، فإعادة الثقة ينبغي أن تكون نابعة من المتعاملين، والتعامل مع السوق كما هو انطلاقا من مبدأ الشفافية والوضوح، موضحا بان الهيئة لديها العديد من الأفكار والخطط لتنظيم سوق المالي. كما انه كشف عن خطط لاستكمال هيكلة السوق من خلال 3 خطوات: تشمل إنشاء شركة لسوق الأسهم وإيجاد صناديق استثمارية مستقلة عن البنوك وإنشاء نظام جديد للتداول بدلا من النظام الحالي. وقد قامت هيئة السوق المالية السعودية مؤخرا بتوقيع اتفاقية مع شركة (OMX) المتخصصة في مجال تطوير الأنظمة الخاصة بالأسواق المالية لتزويد السوق المالية السعودية بالأنظمة والحلول التقنية الحديثة لعمليات التداول والتسجيل والإيداع والمراقبة، و التي ستكون متاحة للمتعاملين بعد 11 شهرا من الآن. قضية سوق الأسهم السعودية ستبقى مفتوحة لجميع التكهنات ومحل القيل والقال. وسيبقى المتعامل البسيط رهين للشائعات التي تحرك أسهم السوق فوق وتحت.. وبسيطرة واضحة للون الأحمر على شاشة التداول. وسيبحث المتداول عن إعادة راس ماله لينسحب من السوق بكرت احمر بلا رجعة... بعدما خسر حلمه بالغنى السريع. من يملك العصا السحرية للسوق المصاب بمرض عضال "عدم الثقة" بعدما صرح الرئيس الجديد للسوق: نحن لا نملك عصاً سحرية لإعادة الثقة للبورصة.؟ وما هي الأسباب الرئيسية والحقيقية لانهيار سوق المال السعودي غير الطبيعي بهذه الدرجة، ومن هم الأشخاص والشركات التي تقف خلفه؟ هل من حق المتعامل معرفة تلك الأسباب ليعود بثقة اكبر؟ و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: إيلاف-30-5-2006
|