هل هي معادلة جديدة ... في صناعة المشتقات المالية ؟

 

جيليان تيت، وبول جيه ديفيس

 

 

التمويل المعقد يفكر في مستقبل أكثر تقييداً

قبل أربعة أشهر، اجتمع قادة صناعة المشتقات العالمية لعقد مؤتمرهم السنوي في مدينة فيينا الأنيقة، المكان الذي ولد فيه فريدريك فون هايك.بدا الموقع مناسباً تماماً. في السنوات الأخيرة، لخص عالم المشتقات الفلسفة التحررية لاقتصاديي السوق الحرة العظماء. وبتحديد أكثر، حيثما واجهت بعض مجالات التمويل - مثل سوق الأسهم- ضوابط حكومية صارمة، كانت المشتقات في أفضل أحوالها منظمة بشكل غير مباشر فقط، لأن معظم الصفقات حدثت سراً.

قال مارك بريكل، الرئيس السابق لاتحاد المقايضات والمشتقات الدولي أمام المجتمعين في فيينا: "بدأنا بتصميم نشاط تجاري يوجهه نظام السوق، لأننا نعتقد أنه يجب أن يكون دليلاً للسلوك المناسب، أفضل من التحريم التنظيمي." وكان هذا بمثابة الالتزام بما كان "رجال مثل هايك يعتقدون به" أما الآن، على أية حال، فإن هذا الاعتقاد بالمثل التحررية يتعرض لهجوم مرير في عالم المشتقات، مثلما في أي مكان آخر في العالم المالي وعندما انفجرت الأزمة المصرفية هذا العام، فإن التمويل المعقد بشكل عام - والمشتقات الائتمانية بشكل خاص – واجهت عاصفة من الانتقادات لدورها الواضح في خلق هذه الفوضى.

يدعي عديد من خبراء المال بغضب أن هذا الانتقاد مضلل - ويصرون على أن المصدر الحقيقي للأزمة الحالية يمكن في قرارات الإقراض السيئة في عالم الرهن العقاري، وليس في المشتقات بحد ذاتها. وعلى أية حال، في الوقت الذي تشتد فيه العاصفة المالية، فإن البحث جارٍ عن كبش فداء. ونتيجة لذلك، يبدأ بعض السياسيين، والمنظمين بالدعوة إلى التنظيم الكامل للمشتقات الائتمانية – تحول تام عن الفلسفة التي هيمنت سابقاً.

في الأسبوع الماضي على سبيل المثال، اشتكى كريستوفر كوكس، رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، من أنه كان من السخف السماح للمستثمرين باستخدام المشتقات الائتمانية من أجل المراهنة على فرصة التخلف عن السداد دون أي إشراف أو ضوابط وقال للجنة المصرفية في مجلس النواب بعد فترة وجيزة من إدخال القيود على البيع على المكشوف بالأسهم: "إن هذا الاحتمال بعدم وجود قيود، والبيع على المكشوف، وغياب التنظيم في هذه السوق، هي جميعها سبب لمخاوف عظيمة أما ديفيد باترسون، حاكم ولاية نيويورك، فإنه حذر على نحو منفصل من أن ولايته تريد أن تبدأ بتنظيم مقايضات التخلف عن السداد الائتماني. وأشار قائلاً: "غياب الإشراف التنظيمي يشكل السبب الرئيس لانهيار وول ستريت الذي نشهده حالياً." يعترف الآن، حتى بعض خبراء المال من ذوي الخبرة، بأنه ربما حان الوقت للتغير. ويقول إيمانويل رافانو من "بيمكو"، المجموعة الاستثمارية الأمريكية العملاقة: "إن أسواق المشتقات تحتاج فعلياً إلى أن تتطور في أعقاب الأحداث الأخيرة. وإن التنظيم الذي يفسح المجال أمام آلية أكثر شفافية هو ما سنستفيد جميعنا منه على الإطلاق... ومما لا شك فيه أن آليات السوق ستتغير بشكل جذري."

هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها روح مبدأ "دعه يعمل" إلى الهجوم، إذ أن المشتقات المالية الحديثة - أدوات تعتمد قيمتها على، أو "تستنبط" من، شيء آخر - في أواخر السبعينيات، عندما سعت البنوك إلى تمكين المستثمرين من وضع رهاناتهم بشأن التحركات في معدلات الفائدة أو العملات، أو حماية أنفسهم من التقلبات. وفي بداية الأمر، كان هذا النشاط هامشياً للغاية، بحيث إنه اجتذب اهتماماً محدوداً. واكتفى المنظمون بترك النشاط يحدث بواسطة صفقات خاصة، ولا تخضع للتنظيم - أو "مباشرة" - وليس في البورصة العامة.على أية حال، عندما انخفضت معدلات الفائدة بحدة في أوائل التسعينيات، بدأ مستثمرون جدد بشراء المشتقات بحثاً عن العوائد. والبعض منهم، مثل بلدية مقاطعة أورانج، عانت خسائر هائلة عندما تغيرت دورة معدل الفائدة فجأة وعلى نحو غير متوقع في عام 1994 وأطلق ذلك الأمر العنان لعاصفة من المطالب السياسية لتنظيم عام المشتقات التي تباع بشكل مباشر. في المقابل، قام "وول ستريت" بهده المناسبة، وتحديداً اتحاد المقايضات والمشتقات الدولي، بمحاربة هذا التهديد بنجاح، وأبقى معظم قطاع الصناعة دون تنظيم.في هذا العقد من الزمن، انفجر القطاع من حيث الحجم، والسبب جزئياً هو أن التراجع في معدلات الفائدة دفع المستثمرين إلى البحث عن وسائل جديدة لتحسين العوائد مرة أخرى. وفي غضون ذلك، اخترع المصرفيون منتجات مبتكرة على نحو متزايد، بدعم من الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي). وفي حين أن بعض المؤسسات – مثل بنك التسويات الدولي، المجموعة المتمركزة في مدينة بازل بسويسرا- أصبحت قلقة منذ عام 2003 إزاء الحجم الكبير للنشاط في عالم بيع المشتقات بشكل مباشر، إلا أن آخرين مثل ألان جرينسبان، الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي، أصر على أن المشتقات كانت مفيدة لأنها توزع المخاطر في شتى أرجاء النظام، بدلاً عن جعل البنوك تتحمل وحدها العبء الكامل لمخاطر التخلف عن السداد.

في واقع الأمر، وإلى حد ما بسبب هذا الدعم القوي من جانب الاحتياطي الفيدرالي، افترض معظم خبراء المشتقات في البداية أن القطاع سوف يتحاشى أي هجوم سياسي نتيجة عاصفة الائتمان الحالية. رغم كل شيء، وفي المراحل الأولى، كان الغضب التنظيمي مركزاً على جهات مثل وكالات التصنيف الائتماني، ووسطاء الرهن العقاري، بسبب الدور الذي لعبه التخلف عن سداد القروض العقارية ضعيفة الملاءة في إحداث الأزمة.على أية حال، في الشهور الأخيرة امتدت أزمة الائتمان إلى أبعد من قطاع ديون الرهن العقاري. وأصبح من الواضح بقسوة أنه ليس مجرد الخسائر الاقتصادية الملموسة الناتجة عن التخلف عن سداد الديون هي التي أدت إلى فوضى مدمرة في البنوك، بل على العكس من ذلك، حدثت أكبر الصفعات لأنه كان من الصعب للغاية توقع تأثير هذه الخسائر- حتى بالنسبة للبنوك نفسها. حدث الأمر لأن منتجات المشتقات كان تستخدم لتحويل الانكشاف الائتماني بطريقة تجعل من الصعب للغاية تقدير كيفية ترابط المؤسسات - أو مقدار الانكشاف الذي تحتفظ به. وفي حين أن جزءاً من هذا الغموض ينبع من الطبيعة السرية لعالم المشتقات، إلا أنه تضخم بحقيقة أن المؤسسات استغلت الفجوات المحاسبية والتنظيمية لإخفاء الاستدانة والمخاطر. وبناء عليه، ففي حين أن المشتقات لم تخلق الأزمة الحالية على الأرجح، إلا أنها أسهمت في تفاقمها - أو هكذا يعتقد العديد من المنظمين الآن.

قدمت معاناة مجموعة أيه. آي. جي التي حدثت في الشهر الماضي توضيحاً لهذا الأمر. وعلى أية حال، عندما انهار بنك بير شتيرنز هذا العام، كان أحد العوامل التي دفعت المنظمين إلى التدخل، هو الشعور بالخوف إزاء الكيفية التي سيؤثر فيها فشل أي وسيط على عالم المشتقات الائتمانية. وإضافة إلى المخاوف إزاء ما يطلق عليها "مخاطر الطرف المقابل"، - احتمال عدم قدرة أحد أطراف العقد على الدفع –كان هناك قلق أيضاً من احتمال عدم قدرة البنى التحتية للتداول على التأقلم إذا حاول التجار فجأة فك جميع صفقاتهم.في الشهر الماضي على أية حال، اتخذ القلق حيال عالم مقايضات التخلف عن السداد الائتماني منحنىً جديداً عندما أصبح من الواضح أن التقلبات في سوق مقايضات التخلف عن السداد الائتماني أسهمت في تفاقم الانخفاض في أسهم البنوك. وسبب ذلك الأمر صدمة، ليس أقلها بسبب أن العديد من المستثمرين فشلوا سابقاً في إدراك التأثير الأوسع نطاقاً لعالم مقايضات التخلف عن السداد الائتماني المخفي إلى حد ما. وتساءل جلين سكور في تقرير حديث لبنك يو. بي. إس، واصفاً هذا الأمر بأنه جنون: "أليس الأمر محيراً إلى حد ما، أن سوق مقايضات التخلف عن السداد الائتماني قليلة السيولة يمكنها أن تحدث مثل هذا التأثير الكبير على مصير البنوك، وأن تغير مشهد صناعة الوساطة؟" يقول المحللون في شركة كريديت سايتس: "إن الانتقاد الفعلي الموجه إلى مقايضات التخلف عن السداد الائتماني ذو وجهين. أحدهما هو أنها غير منظمة، ومن شأن ذلك أن يخفي المخاطر الائتمانية الكلية عن الأسواق. وثانياً، قدمت سوق مقايضات التخلف عن السداد الائتماني حافزاً لأخذ المخاطر الائتمانية دون بذل الجهود اللازمة على نحو مناسب." تصارع مجموعات مثل اتحاد المقايضات والمشتقات الدولي بشكل جنوني لتهدئة تلك المخاوف. وثمة مبادرة كبيرة تجري الآن في "وول ستريت" تنطوي على تأسيس ما يطلق عليه "بيت مقاصة" – منصة مركزية تعطي المستثمرين أماناً أكبر بإزالة مخاطر الطرف المقابل.

إلى فترة قريبة، كان اتحاد المقايضات والمشتقات الدولي يبغض هذه الفكرة، حيث إنها تعصف في وجه الفلسفة التحريرية. وعلى أية حال، قدمت المجموعة الآن – على مضض- دعمها، وتأمل بنوك كبيرة مثل "جولدمان ساكس"، و"دوتشيه"، و"جيه بي مورجان"، إطلاق منصة وحيدة مثل تلك بحلول نهاية العام. الأمر اللافت للانتباه على نحو أكثر رغم ذلك، هو احتمال أن يتم تنظيم هذه المنصة من جانب الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. ويقول سونيل هيراني، رئيس "كريديتكس"، وهي منصة ائتمانية :"ثمة تعقيدات بجعل المقاصة مركزية، غير أن أحداث السوق الأخيرة سلطت الضوء على الحاجة الملحة لحل مقاصة." ويقترح هيراني أن تنتقل الصناعة أيضا إلى مكان "أكثر تركيزاً على ابتكار منتجات معيارية وليس صفقات بحسب الطلب."

تبذل الجهود أيضاً لفرض المزيد من نشاط التداول في البورصات الإلكترونية، في محاولة لتخفيض السجلات التي تعتمد على الورق. وفي محاولة أخرى لتخفيض العوائق، يقوم المتداولون "بتمزيق" العقود - يزيلون في الأساس الصفقات القديمة التي تلغي كل منها الأخرى بالمعنى الاقتصادي. وشهدت سوق مقايضات التخلف عن السداد الائتماني حديثاً أول تراجع لها على الإطلاق في إجمالي التداولات المعلقة لأنه تم تمزيق عقود تبلغ قيمتها عشرات التريليونات من الدولارات.

في غضون ذلك، كثف اتحاد المقايضات والمشتقات الدولي جهوده لإيجاد آلية من أجل تسوية عقود المشتقات الائتمانية بسلاسة عندما يحدث التخلف عن السداد. وستخضع هذه الآلية لأكبر اختبار لها حتى هذا التاريخ في الأيام المقبلة عندما تستخدم لتسوية العقود المرتبطة بمؤسسة فاني ماي، ومؤسسة فريدي ماك، في أعقاب شبه التأميم الذي حدث لهذين المقرضين المتعثرين للرهن العقاري على أية حال، فإن السؤال المهم الذي لم يلق إجابة هو ما إذا كانت تلك الخطوات ستكون كافية لمنع الضغوط من أجل إحداث تغيير أكثر حدة. فرغم كل شيء، فإن ما أثار معظم الانتقادات هو غموض القطاع، وغياب الضوابط إزاء من يستطيع كتابة صفقات مقايضات التخلف عن السداد الائتماني. ويعتقد بعض المنظمين أنه بالإمكان معالجة هذا الأمر بالمزيد من الإصلاحات الشاملة وإحدى الأفكار التي يتم التأمل فيها على سبيل المثال، هي أنه يجب أن يفرض على المؤسسات الإبلاغ عن عقودها المتعلقة بالمشتقات بطريقة مفصلة، والفكرة الأخرى هي ضرورة تحديد المؤسسات التي تكتب مقايضات التخلف عن السداد الائتماني على أنها مجموعات تأمين، وتخضع بناءً عليه إلى الإشراف.على نحو لا يدعو إلى الدهشة، فإن اتحاد المقايضات والمشتقات الدولي مصمم على محاربة هذه الأفكار، لأنه ما زال مقتنعاً بأنه يمكن تصويب المشكلات بتصرف طوعي من جانب الصناعة – يتماشى مع مثاليات السوق الحرة الخاصة به. ويقول روبرت بيكل، رئيس اتحاد المقايضات والمشتقات الدولي: "إن المشاركين في المشتقات الائتمانية هم الأوائل في تشجيع هيئة الأوراق المالية والبورصة لاستخدام سلطتها من أجل ضمان معاقبة التلاعب المقصود في السوق." غير أن معاملة العقود الخاصة وكأنها أوراق مالية، وجعلها تخضع "لأنظمة تنظيمية غير مناسبة"، حسبما يحذر، سيعمل "على الأرجح على إعاقة النشاط الاقتصادي السليم لكن كلما طالت الأزمة، زادت مخاطر رد الفعل التنظيمي. وفي حين ما زال ينبغي النظر في الشكل الدقيق الذي سيأخذه هذا الأمر، إلا أن ثمة شيء وحيد واضح: وهو أن تكلفة إنجاز الأعمال في هذا القطاع ستبقى مرتفعة بشكل مؤكد على الأغلب، الأمر الذي يقلل من أهمية ما كان مصدراً جذاباً للأرباح بالنسبة للبنوك الكبيرة في السنوات الأخيرة. وبعد طفرة السوق الجامحة في السنوات السبع الأولى من هذا العقد، بعبارة أخرى، ثمة دعوة الآن لإجراء تصويب فعلي على السوق - على الرغم من أنه ليس من النوع الذي كان يأمل هايك في رؤيته.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:aleqt.com