الستراتيجية الأمنية لمواجهة البطالة والجريمة

 

د. معتز محيي عبد الحميد

 

ترتبط جرائم العاطلين ارتباطاً قوياً ووثيقاً بالجرائم التي يكون القصد الجنائي من ارتكابها هو الحصول على مال، وهي جرائم السرقة بالإكراه، والاتجار في المخدرات وسرقات المساكن والمتاجر والسيارات وغيرها، وهنا يظهر تأثير مشكلة البطالة المادي على مرتكبي تلك الجرائم اذ أن العاطلين يمثلون نسبة كبيرة من مرتكبيها. ومع التحولات الاجتماعية السريعة في المجتمع وعدم معالجة المشكلات الناتجة عن الفراغ وضعف مخططات التنمية الاجتماعية، فضلا عن عدم ملاءمة نظام الأجور مع متطلبات الحياة، وتفاقم مشكلة البطالة تمثل احدى التحديات المهمة للأمن الوطني للدولة، ولكي تستطيع الستراتيجية الأمنية أن تحقق اهدافها، فلابد من ربطها بالتنمية الاجتماعية، على أن توضع في أطار سياسة تنموية شاملة تأخذ في اعتبارها واقع المجتمع وتعالج مشكلاته بطريقة واعية تبعد شبح الجريمة وتعالج أسبابها ودوافعها.

والبطالة تعتبر من أهم المشاكل التي يجب أن تعالجها الستراتيجية الأمنية، لأن ما تحدثه من اثار تبرز في شكل سلوك مناف للأخلاق، والتي تتطور لسلوك مسلك الجريمة بكل مفهومها الواسع، فالفرد الذي لا يجيد عملاً ومن ثم لا يتوفر له مورداً للمال، يكون في حالة القابلية النفسية لأي سلوك حتى ولو كان داخل ضمن أطار الحضر الشرعي والقانوني، ولذلك فإن علاقة الستراتيجية الأمنية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية يعتبر أمراً ضرورياً لكي تحقق تلك الإستراتيجية أهدافها تجاه الأمن الوطني للدولة ويجب أن تكون مقاومة الاجرام أكثر دقة وأن تعتمد على بيانات دقيقة لكي تحقق أهدافها المرجوة.

استراتيجية مواجهة الجريمة الناتجة عن البطالة:

أولاً: الستراتيجية الوقائية:

تشمل هذه الستراتيجية كل أنواع الجهود التي يجب أن تبذل في نطاق الوقاية من الجريمة، ومن الطبيعي أن تكون هذه الجهود في أطار سياسة عامة من أجل التخطيط التنموي الشامل للمجتمع، ومن المؤكد أن السلطات الأمنية والسلطات القضائية، لا يقع عليها بمفردها مقاومة الجريمة، فالمجتمع كله يتحمل هذه المسؤولية، من خلال اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية، لأن الجريمة هي نتاج خلل في النظام الاجتماعي - مثل انتشار ظاهرة البطالة- ولا يمكن أن تعالج السلطة الأمنية ذلك الخلل لأن مهمة هذه السلطات تبدأ بعد وقوع الجريمة في الغالب .

كما لا يجب أن تكون العقوبة غاية في ذاتها، فالعقوبة أداة للردع والتخويف، وهي وسيلة فعالة لمطاردة الجريمة، الا أن تلك العقوبة يجب أن تكون عادلة وألا تتجاوز أهدافها الأساسية وهي محاربة الجريمة.

ومن هنا تبرز أهمية الستراتيجية الوقائية كوسيلة مهمة من وسائل مواجهة الجريمة ومنع انتشارها والتي يمكن أن تتمثل في الوسائل التالية :

1. التكوين الثقافي للمواطن: من خلال تكوين المواطن تكوينا واعياً، بحيث يكون أكثر قدرة على الفهم و يصبح سلوكه معبراً عن حسن اختياره وعمق ايمانه بقيم الفضيلة التي أمر بها الدين الإسلامي الحنيف في المجتمع وتعلقه بالمثل العليا. ويؤكد بعض علماء الاجرام أن ارتفاع نسبة التعليم يقلل من نسبة الجريمة، ولذا يجب أن نهتم بالتكوين الثقافي بمفهومه الأشمل، بحيث لا يقتصر التكوين على التعليم النظري، وانما يجب أن يشمل تكوين المثل العليا والإحساس بالمسؤولية والأخلاقية وتعميق قيم الخير والمحبة والولاء كما امر به الدين الاسلامي الحنيف.

2. تنمية الضمير الديني: الدين الاسلامي يعتبر من اهم العوامل المؤثرة في السلوك، ولذلك تعد التربية الاسلامية مستقلة بذاتها وكيانها، لها أساليبها واهدفها وخصائصها التي تميزها عن غيرها من الاتجاهات التربوية الأخرى لآنها تستمد تعاليمها  الاساسية من القرأن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهي بذلك ذات اصول خالدة بخلود القرأن الكريم والشباب في الوقت الحاضر بحاجة اكثر الى احياء ديني وروحي يبني نفوسهم ويقوي شخصيتهم ويعصمهم من الانحراف والانقياد الى ما يصل الينا من الخارج من مذاهب واتجاهات فكرية وعقدية تحمل في طياتها بذور الاستهتار بالقيم والاخلاق وبمقومات العقيدة الاسلامية .

3. تعزيز مكانة الفضيلة في السلوك: النفس بطبيعتها تميل الى الفضيلة، الا أن الإنسان يألف الرذيلة عن طريق الاعتياد، ويمكن أن تسهم وسائل الإعلام بطريقة ايجابية من خلال تمجيد الفضيلة ونبذ كل أنواع الانحراف فالإعلام وسيلة هامة للتوعية والتوجيه.

4. احترام حقوق الإنسان: يعتبر احترام  حقوق الإنسان من أهم وسائل الوقاية من الجريمة، فاذا شعر بالظلم اندفع بغير وعي للتعبير عن رفضه لذلك الظلم، وهو في اختياره للسلوك الاجرامي انما يعبر عن حالة نفسية تجسد معاناته، ولا يجد وسيلة للتعبير عن تلك المعاناة سوى الانحراف والاتجاه نحو الجريمة ومن ثم كان احترام حقوق الانسان من اهم الوسائل المفيدة التي تسهم في تطويق ظاهرة العنف في المجتمعات النامية.

5. تطوير قوانين العمل والضمانات الاجتماعية: يعتبر العامل الاقتصادي من اهم أسباب الجريمة فالمجرم  قبل ارتكابه للجريمة يجد نفسه مطوقاً بظروف مادية قاسية، سواء كان  عاطلا أوأن  دخله لا يكفيه ومن ثم يزداد لديه الشعور بالحرمان، وعندئذ يندفع تلقائياً الى السلوك الإجرامي. وموقف الإسلام من أقراره لمبدأ التكافل الاجتماعي عظيم الأثر في الوقاية من الجريمة وفي العصر الحديث أخذت قوانين العمل مكانتها بين القوانين المنظمة للعلاقات الإنسانية والمحققة للسلام العالمي، وأنشئت منظمة دولية للعمل ، ويجب أن تراعي الستراتيجية الوقائية في مخططها المسلمات البديهية كل الاهتمام من اجل مقاومة الجريمة.

ثانيا : التخطيط لمواجهة الجريمة الناجمة عن البطالة :

 إن اهم ما يجب أن تأخذ به إستراتيجية الدولة في مواجهة ظاهرة الإجرام هو :

1. توفير الرعاية الاجتماعية والنفسية للأشخاص المؤهلين بحكم بيئتهم وظروفهم المعيشية واحوالهم للانضمام الى طريق الجريمة والانحراف ، وحتى يكونوا أكثر قدرة على مواجهة الإغراءات المادية لبعض أنواع الجرائم مثل السرقة وغيرها .

2. محاولة الربط بين الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة وبين تلك الانماط المؤدية للجريمة ، من اجل التعرف على العوامل الخارجية المكونة لهذه الظاهرة .

3. فهم ظاهرة الاجرام في اطار الظروف والمتغيرات المحيطة بالمجتمع.

4. تغذية عواطف الانتماء الوطني لكي يشعر الفرد بخطورة سلوكه الإجرامي وتأثيره على ذاته وأهله ووطنه .

5. التخطيط لتوفير مطالب الوقاية للأحداث باعتبارهم اداة الجريمة خلال فترة هذه السن ، فهم معرضون أكثر من غيرهم للانضمام الى طريق الجريمة بسبب انعدام الشعور بالمسؤولية في ضوء الإغراءات المادية التي تقدم لهم .

ثالثاً: تطوير المؤسسات الأمنية لتكون قادرة على مواجهة الجريمة :

تحتاج مقاومة الجريمة إلى  أعادة تنظيم المؤسسات المكلفة بمكافحة الجريمة ، كالمؤسسات الأمنية التي يقع عليها العبء الاكبر في المحافظة على الأمن الوطني  لأية دولة ، لأن هذه المؤسسات تسهم بطريقة مباشرة في ملاحقة الظاهرة الإجرامية والتضييق عليها ، من خلال الاعتماد على دراسات ميدانية وبحوث متخصصة تساعدها على  اداء دورها في التصدي للجريمة ، ويجب أن تعتمد هذه الأجهزة على خبراء متخصصين بعلم النفس والاجتماع والعلوم الجنائية ، لكي يتمكنوا من اجراء البحوث التي تساعدهم على تطوير اساليب عملهم ، وكذلك يتطلب الأمر تحديث الاجهزة الأمنية بما هو جديد بصفة مستمرة نظراً لأن المجرم يستخدم احدث ما توصلت اليه التقنية الحديثة في اعماله الاجرامية والارهابية وكذلك التنسيق وتبادل الخبرات بين هذه الاجهزة واعتماد اسلوب التخطيط لرسم السياسة العامة للتعامل مع الاجرام مع استخدام الاساليب العلمية الحديثة لتنفيذ دورها .وخلاصة القول اننا امام قضية مجتمعية عامة ولسنا بصدد مشكلات فردية، أي أن المشكلة ليست بسبب فائض في الأفراد لكن المشكلة في البناء الاجتماعي، ومن ثم فإن محاولة وضع اسلوب لعلاج المشكلة، فمن المفيد أن تخطط الدولة من أجل توفير فرص عمل جديدة تتمكن من استيعاب التدفق المستمر للقوى العاملة مع وضع مخطط شامل لاصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية، مع ضرورة تبني رؤية مستقبلية خاصة بالعمال لتحقيق طفرة شاملة في الكفاءة الانتاجية للعنصر البشري بحيث تكون جزءا لا يتجزأ من الستراتيجية التنمية.. مع ضرورة استمرار الدولة في تبني سياسة التوسع في اقامة المشروعات الوطنية العملاقة لامتصاص العمالة الجديدة مع تشجيع المشروعات السياحية وكذلك الصناعات البيئية والمنزلية، وربط السياسة التعليمية بسياسات ومطالب سوق العمل لأنها تعتبر من احد أهم أسباب البطالة.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: جريدة الصباح-20-5-2006