أميركا وطاقة المستقبل

 

سوزان هوكفيلد

 

 

 

قبل حوالى 70 عاماً تقريباً، وفي الوقت الذي غزت ألمانيا فرنسا، قام فنيفار بوش - الذي كان رئيساً للجنة الاستشارية القومية لعلوم الطيران، ونائب الرئيس والعميد السابق لكلية الهندسة بمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا- بزيارة طارئة للرئيس الأسبق فرانكلين دي. روزفلت وكانت الرسالة التي ذهب بها فينفار بوش إلى الرئيس روزفلت في غاية الإيجاز والوضوح: إن أرادت الولايات المتحدة الفوز بالحرب العالمية القادمة لا محالة، فإنه ليس ثمة خيار آخر أمامها سوى تكثيف استثماراتها في مجال العلوم الأساسية وبما أن الحجج التي ساقها "بوش" لتبرير رسالته هذه كانت من القوة والإقناع إلى حد كبير، فقد أجاز روزفلت المقترح الذي تقدم به ذلك العالِم خلال 10 دقائق فحسب. وبالفعل أثبتت الأيام صحة ما ذهب إليه "بوش" في تأكيد دور العلم وأهميته في الفوز بالحروب. فبفضل تقنية الرادار و"مشروع مانهاتان" وغيرهما من الابتكارات التكنولوجية، تم صنع الأسلحة والنظم الدفاعية المتقدمة التي مكنت أميركا من الفوز بالحرب.

على أنه يجب القول إن القرار الرئاسي نفسه الذي أجاز تلك المقترحات، كان قد أطلق الشراكة المستدامة بين الحكومة الفيدرالية، ومؤسسات البحث العلمي العليا من معاهد وجامعات ومراكز أبحاث علمية متخصصة. وقد أسهمت هذه الشراكة في حفز القدرات العسكرية والأمنية الأميركية، فضلاً عن إطلاقها لعدد كبير من الصناعات بالغة الأهمية، ودفعها للتقدم في مجال الأبحاث الطبية. ليس ذلك فحسب، بل أسهمت الشراكة نفسها في تطوير جميع أشكال التكنولوجيا المتقدمة التي تعتمد عليها حياتنا الحديثة التي ننعم بها اليوم ولكن المؤسف أن أميركا وقعت اليوم في فخ ثلاثي الجبهات: اقتصاد قومي مهتز، يزيد من اهتزازه تأرجح أسعار الطاقة العالمية، وتردي السياسات الدولية التي تؤثر عليها بوضوح قضايا استهلاك وأمن الطاقة، ثم تواتر الأدلة والبراهين العلمية على خطر التغير المناخي سيراً على هدي حكمة العالم "فينفار بوش"، فإن في اعتقادي أنه لا يزال ممكناً التصدي لهذه المعضلات الثلاث معاً، عن طريق تكثيف استثماراتنا الفيدرالية في مجال أبحاث الطاقة وتنميتها وإذا ما تمكنت طفرة علمية واحدة في هذا المجال، من إحداث تحول في آفاق الطاقة الأميركية، فإنه سوف يصبح ممكناً تطوير تقنيات إنتاج الطاقة البديلة المتجددة والخافضة لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري، فضلاً عن انخفاض تكلفتها وتوفرها لجميع فئات المستهلكين وتتراوح هذه البدائل بين توسيع إنتاجنا للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وصولاً إلى محطات الطاقة النووية الآمنة وكما نعلم فإن هناك طريقاً واحداً فحسب يقود إلى تطوير هذه التقنيات جميعاً، ألا وهو البحث العلمي لكن وبدلاً من زيادة التمويل الفيدرالي المخصص لأبحاث الطاقة، نلاحظ انخفاضه مؤخراً على نحو غير مسبوق.

فحتى عام 1980 كانت تخصص نسبة 10 في المائة من التمويل الفيدرالي الممنوح للبحث العلمي، لأبحاث الطاقة وحدها، مقارنة بنسبة 2 في المائة فقط اليوم. وقد انعكس هذا الانخفاض واضحاً في أبحاث الطاقة التي تقوم بها شركات الطاقة الأميركية. ففي عام 2004 كانت هذه الشركات تخصص نحو 1.2 مليار دولار لهذه الأبحاث بسعر صرف الدولار اليوم. وربما يكفي هذا التمويل لأبحاث قطاع الطاقة الأحفورية الناضج والقائم أصلاً، بهدف خفض تكلفة أبحاثه، إلا أنه ليس كافياً البتة لتمويل أبحاث الصناعات والتقنيات القائمة على الابتكار.

وبالمقارنة تستثمر شركات إنتاج العقاقير الطبية حوالي 18 في المائة من عائداتها في مجال الابتكار الدوائي، في حين تستثمر شركات الطاقة أقل من ربع 1 في المائة من عائداتها لأغراض البحث العلمي في تكنولوجيا الطاقة وطالما ساد نمط التمويل المنخفض هذا، فإنه ليس لنا أن نتوقع حدوث أي ثورة في تكنولوجيا الطاقة وفي حين يتعين على الشركات العاملة في مجال صناعة الطاقة دعم أبحاث تنمية تكنولوجيا الطاقة، إلا أنه لا بديل للدور الحكومي في قيادة هذه الأبحاث، وتحمل العبء الأكبر في تمويلها. وغني عن القول إن المكاسب الاقتصادية والأمنية والمناخية، فضلاً عن توفير الطاقة البديلة النظيفة المنتجة محلياً، لا حدود لها. وينبغي لبلادنا أن يكون لها قصب السبق قبل غيرها من الأمم والدول، في تسويق منتجات يمكن وصفها بالحلول البديلة لمنتجات الطاقة الأحفورية. ولأميركا ما يمكّنها من الابتكار في مجال هذه التكنولوجيا وإنتاجها وتسويقها، بدلاً من أن ترغم إرغاماً على شرائها ولما أصبح العالم قاب قوسين أو أدنى من ثورة شاملة في مجال إنتاج الطاقة، فهل تقود أميركا هذه الثورة لتجني فوائدها، أم تتخلف عن الركب العالمي؟ وهل لها أن تتخلى عن دور القيادة فتخسر الفوائد التي تدرها عليها منتجات الطاقة البديلة المتجددة لصالح دول أكثر وضوحاً منها في رؤيتها لمستقبل تكنولوجيا الطاقة المبتكرة؟ إنني على قناعة بأن في وسعنا شق طريق متفائل عملي وثابت لمستقبل بلادنا في هذا المجال وتنبع هذه القناعة من بدء استثمارنا الفوري المستدام والمتعدد في أبحاث الطاقة الأساسية. وفيما لو أردنا الشروع في شق هذا الطريق، فإنه ينبغي علينا أن نرفع حجم التمويل الحالي لأبحاث الطاقة، إلى ثلاثة أضعاف ما هو عليه أولاً، ثم نستمر في رفعه إلى أن تتمكن وزارة الطاقة من تنمية قدرتها على تحويل ما يقوم به العلماء من أبحاث، إلى تقنيات قابلة للتسويق.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alittihad.ae