ما الذي ينبغي لصانعي السياسة أن
يفعلوه إذا احتد تباطؤ الإقتصاد العالمي؟
دومينيك شتراوس كان
من غير الواضح تماماً
الوقت الذي سيحدث فيه التباطؤ الاقتصادي في الأسواق الناشئة، لكننا
نعتقد أنه سيحدث في وقت قريب وليس متأخرا.ثمة تباطؤ اقتصادي يأخذ مجراه
على مستوى العالم: مشاكل قطاع الإسكان في الولايات المتحدة ما زالت
مستمرة، والأنظمة المالية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا ترزح تحت
الضغط، والنمو في بقية أنحاء العالم بدأ يتراجع
وبالطبع الاعتبارات في
المدى المتوسط من وجهة نظر صندوق النقد الدولي تكتسب أهمية بالغة. ورغم
ذلك، هذا لا يشكل عائقاً للسياسات الدورية المقابلة التي يمكن أن تكون
فاعلة وتتعلق توقعاتنا الأخيرة التي نشرت
أخيرا، بحدوث تباطؤ اقتصادي كبير في الولايات المتحدة وتباطؤ أكثر
اعتدالاً، لكنه ذو شأن في البلدان الصناعية الأخرى. ومن غير الواضح
تماماً الوقت الذي سيحدث فيه التباطؤ الاقتصادي في الأسواق الناشئة،
لكننا نعتقد أنه سيحدث في وقت قريب وليس متأخرا، إذا وضعنا في الاعتبار
ارتباطه القوي بالبلدان الصناعية.
إذن، ما الذي ينبغي
أن يفعله صانعو السياسات حول العالم إذا تباطأ النمو بالحدة التي
نتوقعها؟ عملت بلدان كثيرة بجد واجتهاد في السنوات الأخيرة لبناء صدقية
لسياستها النقدية بحيث تكون توقعات التضخم منخفضة ومستقرة. ووضعت بلدان
عديدة سياستها المالية على أسس أكثر استدامة لتتمكن من التعامل مع
العوامل السكانية المعقدة، بما في ذلك زيادة نسب الإعالة مع تقدم
السكان في السن. وضمت البلدان الصناعية الرئيسية والأسواق الناشئة
جهودها معاً عبر المشاورات متعددة الأطراف التي يقوم صندوق النقد
الدولي بتنسيقها، بهدف تقليل الاختلالات العالمية في المدى المتوسط بين
المدخرات والاستثمار وبفضل هذا العمل الجاد
توفر السياسات في يومنا هذا المساحة التي تجعلها قادرة على مواجهة
التباطؤ الاقتصادي. ويظل خط الدفاع الأول متمثلاً في السياسة النقدية.
فإذا حدث تباطؤ في النمو وظل التضخم تحت السيطرة، يكون هناك مجال لخفض
أسعار الفائدة. وبطبيعة الحال، البلدان تواجه مخاطر التضخم بسبب قوى
عالمية كارتفاع أسعار النفط، أو بسبب قوى داخلية كالدفع بقوة نحو زيادة
الأجور وعلى أية حال، ما دامت توقعات التضخم
ثابتة، فإن الصدقية التي تحظى بها السياسة النقدية حالياً تجعل من
الممكن خفض أسعار الفائدة لمساعدة الاقتصادات التي تواجه تباطؤاً. ولدى
البنوك المركزية الكبرى بشكل خاص صدقية قوية، الأمر الذي يستدل عليه من
قدرتها على دعم السيولة في أسواق المال طيلة الأشهر الستة الماضية، وفي
الوقت نفسه هي مستمرة في التزامها بانخفاض التضخم
على أن السياسة المالية قد لا تكفي وذلك لسببين رئيسيين.
أولا:
تضرر آلية انتشار آثار السياسة النقدية. ففي حين أن خفض أسعار الفائدة
ما زال إجراء فاعلا، إلا أنه قد لا ينجح في تحفيز الاستثمار والاستهلاك
بالسرعة المعهودة. فقد تكبدت البنوك خسائر كبيرة، ولذلك هي تريد توحيد
ميزانياتها العمومية وتجنب المزيد من المخاطر. وزيادة على ذلك، فإن
الأصول ذات الخطورة المتدنية في العادة (كالرهنيات الضخمة في الولايات
المتحدة) تعتبر حالياً ذات خطورة عالية. وقد تعمل هذه العقبات على
تقليل الآثار الإيجابية للسياسة النقدية.
ثانيا:
إذا حدث تباطؤ واستحكم فمن الصعب التأثير فيه والخروج منه. صحيح أن
الولايات المتحدة وبعض الأسواق الناشئة لديها سجل يثبت قدرتها على
الخروج منه بسرعة، إلا أن البلدان الأخرى، ومنها بعض البلدان في أوروبا
وبعضها في العالم النامي، كانت وما زالت تجد صعوبة في التعافي منه
بسرعة وفي الحقيقة، فإن الولايات المتحدة
بدورها قد تجد صعوبة في الخروج من التباطؤ الاقتصادي حالياً، لأن الأسر
بحاجة إلى معدلات ادخار في أعقاب العديد من السنوات التي تعززت فيها
ثروتها من عوائد الإسكان والأسهم.
الحوافز المالية
الهادفة التي تقدم في الوقت المناسب يمكن أن تضيف إلى الطلب الكلي على
نحو يدعم الاستهلاك الخاص خلال مرحلة حرجة. وبالطبع، يجب أن تكون هذه
الحوافز ذات صبغة مؤقتة - لأن هناك الكثير مما ينبغي عمله استعداداً
لطفرة التقاعد الوشيكة. ويجب أن تركز هذه الحوافز على الإضافة للطلب
الكلي بسرعة. ذلك أن السياسة النقدية موجهة في المدى القصير إلى
الادخار من أجل يوم ماطر. وهي تمطر الآن
وتختلف ملاءمة هذا النهج من بلد إلى بلد. فبعض البلدان في سعة مالية
بسبب انخفاض مستويات مديونيتها ومعقولية عجز ميزانيتها، أو حتى وجود
فائض في ميزانيتها، وبعض البلدان لديها سعة نقدية بسبب انخفاض معدل
التضخم فيها. وينبغي على هذين النوعين، أو هاتين المجموعتين من البلدان
أن تفكرا الآن في الوقت الذي ستستغرقه في وضع حوافز مالية يمكن تنفيذها
بسرعة عند الحاجة، عندما تتكشف مجريات الأمور في 2008
وبطبيعة الحال، استخدام السياسة المالية على هذا النحو له
مخاطره. لكن عدم فعل أي شيء يزيد من خطر العواقب المترتبة على ذلك.
وتحديد هذه المخاطر ومحاولة منعها والمساعدة في التقليل منها من صلب
عمل صندوق النقد الدولي.
لقد بنت البلدان
الصناعية والأسواق الناشئة على حد سواء صدقية للسياسة النقدية وأطراً
مالية قوية على نحو ينسجم مع نصائح صندوق النقد الدولي ونظرته عن
العالم. وينبغي الآن استخدام المساحة التي أوجدتها الجهود التي بذلت في
السابق.إن دورة الهبوط في الاقتصاد العالمي قد تكون قصيرة ومعتدلة إذا
تفهمت البلدان الرائدة في العالم الحاجة إلى رد معقول وإلى حسن التوقيت
على صعيد السياسة. وما هو مناسب لأحد البلدان - الجمع المعقول بين
السياسة النقدية والمالية- سيكون مناسباً أيضاً للاقتصاد العالمي.
وكل
ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:aleqt
|