الهند تحاكي النموذج الصيني
هنري تشو
قد تكون أحاديث السياسة ولعبة الكريكت الموضوعان المفضلان في الهند، لكن إذا كنتَ ترغب في الإنصات إلى محادثة جادة فعلاً، عليك الانتقال إلى موضوع الصين. فقد تحولت الجارة الشمالية للهند، إلى حديث الساعة لدى الهنود كافة من السياسيين والأكاديميين إلى رجال الأعمال والمهندسين الذين يبدو أنهم وجدوا في الصين ضالتهم الأثيرة، بعدما استحالت الصين إلى ما يشبه الهوس الذي يستحوذ على تفكيرهم. وبداية الحديث عن الصين تكون دائماً بإجراء المقارنات بين البلدين، حيث أول ما يقفز إلى الذهن هو من يملك سكاناً أكثر؟ وبالطبع تأتي الصين في المقدمة بعدد سكان يصل إلى 1.3 مليار، لكن فقط بتقدم طفيف إذ يعيش في الهند حالياً أكثر من مليار نسمة. وما أن تنطلق المقارنات بين البلدين حتى يبدو أنها لن تتوقف أبداً، حيث يتساءل الهنود عن مختلف الأشياء ابتداء بمن شق طرقاً أكثر، وليس انتهاء بمن يتوفر على مطارات أكبر وناطحات سحاب أطول؟ ويأتي الجواب مرة أخرى ليعطي الصدارة للصين بهامش لا يقبل الجدل. لكن في المقابل من يفاخر بوجود العدد الأكبر من المليونيرات فوق أرضه؟ هنا تسجل الهند نقطة لصالحها، ما يجعل الهنود يطلقون أخيراً زفرة حارة تعبر عن الفخر والاعتداد بالنفس. وقد أصبحت مثل هذه المقارنات نوعاً من اللعبة الكلامية التي يمارسها الهنود وهم يتطلعون إلى الصين كمقياس يقيسون به ما أحرزوه من تقدم ونجاح. كما أن الهنود المأخوذين بالتطور الملحوظ الذي وصلوا إليه، يحاولون اليوم اللحاق بالنجاح الكبير الذي حققته جارتهم الكبيرة بعدما ظلت لفترة طويلة محط إعجاب وحسد في الوقت نفسه. "سوبارنو تشاتارجي"، الأستاذ في جامعة دلهي يقول "كلمة الهوس لا تعبر حقيقة عن مدى الاهتمام الذي تحظى به الصين من قبل الهنود، فهناك دائماً مقارنات من قبيل من شق طرقاً أكثر، أو غيرها من الأسئلة، حيث تحولوا إلى نموذج يحتذى". كما أن الصحف الهندية لا تخلو من إحالات إلى الصين معززة بشروح في شكل رسوم بيانية توضح مرتبة الهند بالمقارنة مع إنجازات المملكة الوسطى كما كانت الصين تطلق على نفسها في الماضي. وتركز المقالات على تقديم تحليلات وافية عن كيفية لحاق الهند بجارتها الشمالية في مجالات الاستثمار الخارجي ونسبة التمدرس واستعمال الإنترنت، بل وحتى توزيع المياه. ويعزى هذا الاهتمام المتصاعد بالتجربة الصينية إلى الإعجاب المختلط بالتنافس الذي يكنه الهنود للصين. ذلك أنه يكمن في أعماق الهنود إقرار ولو على مضض بأن الصين رغم كل مشاكلها تظل القائد المتفوق على جبهات متعددة، حتى في ظل صعود الهند مؤخراً كعملاق في مجال التكنولوجيا المتطورة. ولعل أهم ما يسترعي اهتمام الهند هو نجاح الصين في توفير أعداد كبيرة من الوظائف بسبب استثمار الشركات الأجنبية، وتمكنها من انتشال شريحة واسعة من سكانها من وطأة الفقر والدفع بهم إلى الطبقة الوسطى. بيد أن العلاقات بين البلدين لم تكن دائماً ودية، إذ بالرغم من تعهد نيودلهي وبكين في الخمسينيات بإقامة علاقات صداقة دائمة تحت الشعار المعروف "الصين والهند شقيقتان"، إلا أنهما مع ذلك خاضتا حرباً حدودية سنة 1962، ومنذ ذلك الحين والعلاقات فاترة بين الجانبين مع سعي كل منهما إلى التقرب من أعداء الطرف الآخر. وعندما قررت الهند تحرير اقتصادها المترهل سنة 1991، كانت الصين قد سبقتها إلى الخطوة نفسها قبل أكثر من عقد من الزمن تقدمت فيه بخطوات حثيثة نحو اقتصاد السوق وتحقيق معدلات نمو مرتفعة. لذا أصبح إجراء المقارنات بين العملاقين الآسيويين الهواية المفضلة للأكاديميين والمحللين مستندين إلى أوجه تشابه تجمع البلدين مثل انتمائهما إلى حضارتين عريقتين يعيش فيهما مليارات البشر، وتسعيان معاً إلى اعتناق قيم الحداثة مدعومتين في ذلك برجال أعمال بارعين، وعمالة رخيصة، فضلاً عن امتلاكهما للسلاح الذري. لكن باستثناء أوجه التشابه تلك تبقى الصين بلاشك الأقوى، حيث يمثل حجم اقتصادها ضعف الاقتصاد الهندي. كما أنها تستقبل استثمارات أجنبية أكبر بـ12 مرة مما تتلقاه الهند، فضلاً عن قيمة الصادرات الصينية التي تفوق نظيرتها الهندية بست مرات. يضاف إلى ذلك أن الصين تفاخر بتوفرها على شبكة أكبر من البنية التحتية، ونسبة أقل من الأمية والفقر مقارنة مع الهند، حيث مازال يعيش أكثر من 350 مليون شخص على أقل من دولار واحد في اليوم. هذا ولازالت السلع المكتوب عليها "صنع في الصين" أكثر انتشاراً في العالم من نظيرتها التي تحمل ملصق "صنع في الهند". لكن في الوقت الذي يعكف فيه العمال الصينيون على إنتاج المزيد من أجهزة الكومبيوتر والثلاجات والهواتف المحمولة، يتجه الهنود نحو صناعة البرمجيات. وليست الهند بارعة فقط في إنتاج ما يشغل أجهزة الكمبيوتر، بل تعمل أيضاً على تنمية قطاع الخدمات، لاسيما وأن الهند توفر على عمالة أكثر تأهيلاً، وأكثر إجادة للغة الإنجليزية، ما يعطيها سبقاً واضحاً على الصين. وفيما تقوم الشركات الأجنبية ببناء المصانع في الصين، تنشئ الشركات نفسها مراكز اتصال، ومكاتب لها في المدن الهندية. لذا فإنه في الوقت الذي شكلت فيه الصناعة 53% من حجم الاقتصاد الصيني سنة 2003 مقابل 32% بالنسبة لقطاع الخدمات، تنقلب الآية تماماً عندما يتعلق الأمر بالهند، حيث يشكل قطاع الخدمات 52% من حجم الاقتصاد، بينما لا تتعدى نسبة الصناعة 23%. مراسل صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" في نيودلهي وكل ذلك بحسب راي هنري تشو في المصدر المذكور .
|