الاقتصاد الافتراضي و ارتفاع أسعار النفط

 

ويليام فاف

 

 

اسمحوا لي أن أتأمل لوهلة جانباً من جوانب الموقف الاقتصادي الذي نجد أنفسنا فيه مع بداية عام 2008. فنحن في الولايات المتحدة لدينا في الوقت الراهن اقتصاد يعتمد في جوانبه الرئيسية على ما يمكن لنا أن نطلق عليه "الافتراضية" وأبرز صفات هذا الاقتصاد الافتراضي تتمثل في تلك المسافة الآخذة في الاتساع التي يضعها- الاقتصاد- بين نفسه وبين العالم الحقيقي. وطالما ظلت" أيوا" في صدارة الأخبار، فليس أمامنا سوى الحديث عن الأسعار الحالية للحوم والذرة التي يتم تسلمها مستقبلاً، إذ ليس هناك في نظري شيء أكثر عملية من هذا وأي أميركي أمضى وقتاً في "أيوا" أو"غيرها" من الولايات الزراعية، يدرك جيداً أن أي نشرة أخبار في تلفزيونات تلك الولايات لا تكتمل قبل إذاعة تقرير عن الأسعار الحالية للحوم والذرة التي يتم تسلمها في المستقبل وإذا ما انتقلنا إلى سلعة أخرى وهي البترول، فسنجد أن بورصة نيويورك التجارية، قد سجلت سعراً قياسياً للنفط، وهو 100 دولار للبرميل في الثاني من يناير الحالي، وهو سعر أحدث هزة في الاقتصاد العالمي ويُشار في هذا السياق إلى أن سوق البترول في مرحلة من المراحل كان يعمل بنفس الطريقة التي كانت تعمل بها أسواق اللحوم والذرة حيث كان يهيمن عليه عدد من التجار الذين كانوا يتعاملون في البترول ذاته، فيقومون بشرائه وتداوله، ثم نقله وتحميله على متن السفن أو القطارات إلى المصافي وبعد ذلك، وتحديداً في سبتمبر 2006، أسست بورصة نيويورك التجارية المعروفة الآن باسم "نيمكس" مركزاً يعمل على مدار الساعة لتداول مؤشرات أسعار البترول الخام، وعملت على إزالة كافة القيود السابقة التي كانت مفروضة على الدخول إلى أسواق الطاقة. كان معنى هذا أن المؤسسات المالية- حسب صحيفة "وول ستريت جورنال"- قد خلقت آليات جديدة للمضاربة على أسعار البترول، دونما حاجه لاستلامه بشكل فعلي وكان معنى ذلك أيضاً أن تبادل البترول قد تحول من عمل تجاري حقيقي، يتضمن شراء البترول وبيعه وإرساله إلى المصافي لكي يتم استخدامه في عجلة الاقتصاد العالمي، إلى نوع من المضاربات، أو المراهنات التي لم يكن برميل البترول فيها يختلف عن "الفيشة" المستخدمة في كازينوهات القمار. وكان ذلك يعني أيضاً في جانب من جوانبه، أن علاقة البترول بالعالم الحقيقي قد انقطعت، من أجل إطلاق التكهنات بشأن أسعار البترول الافتراضي، الذي لم يكن أي من المقامرين يريده، أو يستطيع استخدامه، أو يعرف أي شيء بشأنه. ببساطة كان كل ما يريده هؤلاء المقامرون هو أن يراهنوا على السعر، وهو نشاط غير مسؤول من الناحية الموضوعية، وغير هادف للمنفعة، وخطر في نهاية المطاف.(من المعروف أن الإثارة التي يشعر بها المقامر تأتي من وجود عنصر المغامرة والخطر، أما في حالتنا هذه المتعلقة بالبترول، فيتم عادة تدبير وسيلة يتم بها ترحيل الخطأ وتحميله على رؤوس المضاربين الهواة الذين يتم إغراؤهم بالانضمام إلى اللعبة).

ما الذي رفع أسعار البترول لتصل إلى 100 دولار؟ تُجمل "وول ستريت جورنال" في تقرير لها عن هذا الموضوع الأسباب التي أدت إلى ذلك على النحو التالي: العنف في نيجيريا، انتشار المسلحين وتبادل إطلاق النار في "بورت هاركورت" مركز الإنتاج البترولي النيجيري، الأنباء التي أذيعت عن احتمال توقف ميناءين من موانئ المكسيك عن العمل بسبب سوء الأحوال الجوية عما قريب، والقصة الخبرية التي تم تداولها عن أن "أوبك" ربما تكون الآن بصدد إعداد تنبؤ مؤداه أن أعضاء المنظمة من الدول النفطية قد لا يتمكنون من الوفاء بحصتهم من الإنتاج اللازم لتوفير احتياجات السوق البترولية العالمية عام 2024 . نعم عام 2024! إن أيا من هذه الأحداث أو الإشاعات، قد لعب دوراً في رفع سعر هذه السلعة في الفترة الراهنة، وهي فترة تتصف بالعرض الزائد. غير أنه لم يحدث شيء يؤثر على النفط الواقعي، الذي كان في هذه اللحظة بعينها منقولاً على ظهر سفن تتحرك نحو موانئ تقوم بتسليم البترول إليها بشكل منتظم.

والسؤال هنا: ما هو إذن ذلك الجزء من السعر الذي يتم دفعه للبرميل، أي لشحنة فعلية من النفط في طريقها للتسليم النهائي لتجار التجزئة في الثاني من شهر يناير؟ وما هو ذلك الجزء الذي كان يمثل الثمن الفعلي للبترول المحدد وفقاً لتكلفة الاستخراج، والتكرير والشحن؟ ليس لدي علم بذلك، غير أنه لا يوجد لدي شك في أن القراء المطلعين سيخبرونني عن ذلك أما الجزء المتبقي من السعر، فقد ذهب إلى جيوب الأشخاص الذين يضاربون على سعر النفط بناء على عوامل معينة مثل الطقس في خليج المكسيك خلال الأسبوع الماضي، أو العواصف في خليج عُمان، أو حوادث إطلاق النار في نيجيريا.

الناس يتحدثون عن السنوات الأخيرة على أنها سنوات كانت الأعمال والحكومات تعمل فيها وفقاً لشروط العالم الافتراضي القائم على الرموز، والإشارات، والتظاهر، والخداع، والاستغلال، وهي شروط ليس لها سوى ارتباط اسمي بالواقع الحقيقي تستمر في لعب أدوارها إلى أن يأتي- طبعاً- الوقت الذي يقدم فيه هذا الواقع الحقيقي حساباته، ولكن هل حان حقاً وقت تقديم الحساب؟

عندما يحين ذلك الوقت سنكون قد كوّنا بالفعل "واقعاً جديداً" لهؤلاء المغروسين في العالم الحقيقي القائم على العمل والفعل وليس على التكهن والاستغلال؟ يتوجب عليّ في النهاية الاعتقاد بحسب عبارة أظن أن "كارل روف" كان هو مصدرها" أننا سنكون وقتها قد مضينا قدما للأمام بالفعل دون أن نترك عنواناً".

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alitihaad-7-1-2008