الشعبوية الاقتصادية تبرز بقوة في سباق البيت الأبيض

 

كليف كروك

 

 

على الأرجح أن يتسم عام 2008 بالركود السياسي في كل الأحوال، مع وجود رئيس منعزل وغير محبوب، وكونجرس عنيد. بدأت الولايات المتحدة تهيئ نفسها لعام آخر ـ فهل يكون عام آخر حقاً ـ من العمل على الانتخابات؟ سيكون من المستحيل تحمّل مثل هذا الاحتمال، لولا حقيقة أن هناك الكثير مما يبدو أنه عرضة للخطر فالديمقراطيون ساخطون على سجل إدارة بوش، وعلى قدرة الرئيس الواهن، وأقلية الجمهوريين في الكونجرس ساخطة على وقف النظام التشريعي وإعاقة كل مبادراتهم إنهم يجهدون أنفسهم لفرض سيطرتهم، وتمزيق إرث بوش، في الشكل الذي هي عليه، من الجذور. وإذا منحت الانتخابات، الديمقراطيين الرئاسة، ورفعت حجم الأغلبية في كلا المجلسين، كما هو مرجح، فإن الولايات المتحدة ستشهد أكثر التعديلات راديكاليةً في صورتها السياسية منذ عقود وكما تبدو عليه الأمور الآن، فإن الأوضاع السياسية جيدة تماماً بالنسبة للديمقراطيين، وسيئة تماماً بالنسبة للجمهوريين وتبدو السلسلة الزمنية لتقييم الاستطلاعات الوطنية بالنسبة للمرشحين الجمهوريين أشبه بشاشة قراءة شاملة لمريض مصاب بجلطة، إذ تتأرجح خطوط الشاشة صعوداً وهبوطاً، بينما يبحث أنصار الحزب بإلحاحٍ بائس ـ دون جدوى حتى الآن ـ عن مرشح يروق لهم. ويُعد اندفاع مايك هوكابي من اللاشيء، لتشكيل رابطة ثلاثية مع رودولف جولياني وميت رومني، إشارة إلى حدٍ ما على ذلك اليأس وذلك ينذر بالتفسخ، وحتى تدمير الائتلاف الجمهوري، من خلال فصل المحافظين الاجتماعيين عن المحافظين الاقتصاديين والواقع أن ذلك يؤكد على شيء أكثر أهمية مما سبق: المناشدة المتزايدة للشعبوية الاقتصادية من قبل أنصار كلا الحزبين.

هوكابي بروتستانتي يقوده إيمانه إلى رفض نظرية النشوء وتفضيل التعديلات الدستورية فيما يتعلق بحظر الإجهاض، وزواج مثليي الجنس، لكنه شعبوي اقتصادي بالإضافة إلى ذلك. أما فيما يتعلق بالتجارة والقوة الاستبدادية لوول ستريت، وأحياناً الإنفاق العام كذلك، فيبدو أنه أشبه بجون إدواردز، منه برومني، فهو يرى أن التجارة ينبغي أن تكون "عادلة" وليست حرة ويجب أن تكون هناك نهاية "لشحن فرص العمل إلى ما وراء البحار" وهو يدين حجم الراتب الهائل الذي يُدفع للرئيس التنفيذي، كما أنه ليس معارضاً لمزيد من التشريعات، أو الإنفاق (بتمويل عن طريق فرض ضرائب أعلى) على العديد من البرامج الاجتماعية وتعمل الهجرة على تعقيد الصورة: فكونه حاكماً لولاية أركنساس، فإن معالجته لمسألة المهاجرين غير الشرعيين كانت تتسم بكثير من الرخاوة بالنسبة للعديد من الجمهوريين. لكنه يعوض ما فاته الآن، واعداً بتسييج الحدود، وتهجير المهاجرين الذين لا يتمكنون من التسجيل خلال 120 يوماً، ومنعهم من دخول الولايات المتحدة مرة أخرى.

"من وول ستريت إلى محور واشنطن، هذا الرواق من القوة ضدي بشكل مطلق، وعلى نحوٍ هستيري"، كما قال الأسبوع الماضي متباهياً. وليصل الكثير من الجمهوريين إلى درجة من التأكد، فإن نقطة الجذب الرئيسية لديه هي إيمانه الديني الراسخ؛ وبالإضافة إلى ذلك فهو محبوب، ومسل، ورجل يسهل التعامل معه، وجيد للتليفزيون ورغم ذلك، فإن الشعبوية الاقتصادية واضحة وصريحة، وقد أصابت الوتر الحساس على نحوٍ جلي وبالطبع، الديمقراطيون يسبقونه بمسافات طويلة وهم يتنازعون كذلك بشأن الهجرة، فالحزب يريد أن يقترب من الناخبين من أصول إسبانية دون إغضاب الاتحادات العمالية والطبقة العاملة البيضاء، وبذلك يعزز الخوف من التجارة، ويؤجج الغضب حيال جشع الشركات. ولا يشوب السبب أي غموض. فمن الواضح فيما يتعلق بالتجارة أنهم يعكسون مشاعر الرأي العام.

ووجد استطلاع حديث أجرته وول ستريت جورنال ومحطة إن بي سي، أن نحو 58 في المائة من الأمريكيين يعتقدون أن العولمة كانت مصحوبة بآثار سيئة على الولايات المتحدة، وأن نحو 28 في المائة منهم فقط يعتقدون أنها كانت جيدة، بينما كان الانقسام في الآراء قبل عشرة أعوام أكثر تعادلاً: نحو 48 في المائة منهم اعتقد أن العولمة كانت جيدة، و42 في المائة رأوا أنها سيئة وتكمن المفاجأة الكبرى في أن أنصار كلا الحزبين لم يعودوا بعيدين جداً عن بعضهم البعض بشأن تلك القضية، إذ كانت العولمة سيئة بالنسبة للولايات المتحدة وفقاً لآراء 55 في المائة من الجمهوريين، و63 في المائة من الديمقراطيين وعلى الأرجح أن يتسم عام 2008 بالركود السياسي في كل الأحوال، مع وجود رئيس منعزل وغير محبوب من ناحية، وكونجرس عنيد بشكل متطرف من ناحية أخرى (ناهيك عن عوامل تشتيت الانتباه في الحملة المشوشة) لكن المدّ المرتفع للشعبوية الاقتصادية يجعل من مظاهر ليبرالية التجارة الهادفة، والثبات الذكي فيما يتعلق بمشكلة الهجرة المحيرة، أمر أشد إحباطا وإلى ما هو أبعد من العام المقبل، فإن السؤال الحقيقي يدور حول ما سيحدث في 2009، حين ـ دعونا نفترض ـ يتضح أن العقبات الرئيسية أمام السياسة الشعبوية قد أُزيلت. فإلى أي مدى يمكن لأمريكا أن تغير اتجاهها، في السياسة الاقتصادية، ناحية اليسار؟

الإجابة عن ذلك السؤال بعيدة. وكقاعدة، فإن الصرامة المعبّر عنها في الأمور الأولية تتلاشى بمجرد أن يتم اختيار المرشح، وتبدأ الانتخابات العامة في الاقتراب. وتعود المناظرات إلى نقطة المركز، بينما يحاول المرشحون جاهدين التقرب من المستقلين. هذا التصحيح المرتبط بالدورة الانتخابية سيحدث مجدداً العام المقبل، لكنه سيكون أخف من المعتاد، لأن الاقتصادات الشعبوية رائجة إلى حدٍ كبير بين الجميع ومن المفاجئ أيضاً أن يبرز تزايد وجهات النظر المعارضة للتجارة، والشركات، في بيئة اقتصادية حميدة نسبياً. إن الكساد في معايير مستوى المعيشة للطبقة الوسطى، وتآكل حجم التوظيف في القطاعات الصناعية، والتوتر المالي، والإنذار بتكلفة التأمين الصحي، والتعليم الجامعي، كل تلك المخاوف تقدمت إلى الواجهة، مع تدني معدلات الفائدة، وزيادة التضخم، والبطالة، ومع قوة أسواق الأسهم، والإنتاج الإجمالي، وكل هذه كانت (حتى وقت قريب جداً) تنمو بسرعة معقولة أضف إلى ذلك أن تباطؤاً اقتصادياً في عام الانتخابات بدأ فعلياً، أو حتى ركود تام وكذلك حجم البطالة المتنامي، والهبوط المتسارع في أسعار المنازل، وموجة آخذة في التجمع من مصادرات الرهون العقارية فإذا كان لدى الشعبوية مادة للعمل عليها في 2007، فما عليك سوى المتابعة في 2008.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:aleqt-6-1-2008