القانون الدبلوماسي

 

ان القانون الدبلوماسي هو في الحقيقة جزء من القانون الدولي وان هذا الجزء يتناول الأحكام الخاصة بالتمثيل الدبلوماسي والمفاوضات بين الدول والمفاوضين وحقوقهم وامتيازاتهم والمعاهدات والاتفاقيات التي تتم بين الدول واذا كان ما تقدم يشكل لنا الناحية العامة للقانون الدبلوماسي فهناك الى جانب ذلك ناحية خاصة بكل دولة (تستمد أحكامها من تشريعها الوطني ومن نظمها وتقاليدها وقد تختلف بذلك في تفصيلاتها من دولة الى اخرى).

ويعرف القانون الدبلوماسي بأنه فرع من فروع القانون الدولي العام الذي يضم القواعد القانونية التي تهتم بتنظيم العلاقات السلمية بين اشخاص القانون الدولي العام ويعرفه (براديه فودبريه) بذلك الفرع من القانون الدولي الذي يتناول بصفة خاصة تنسيق العلاقات الخارجية للدول.

بينما يعرفه (جنيه) فرع من القانون الدولي العام الذي يهتم بصورة خاصة بممارسة وتقنين العلاقات الخارجية للدول وصيغ تمثيلها في الخارج وادارة الشؤون الدولية وطريقة قيادة المفاوضات.

وعرف (الدكتور فاضل زكي) الدبلوماسية بأنها علم وفن تنظيم وادارة العلاقات الدولية التي يمارسها المبعثون الدبلوماسيون من خلال المفاوضات.

وتتعدد مصادر القانون الدبلوماسي التي يستقي منها القانون الدبلوماسي أحكامه وقوانينه والتي يمكن ايجازها بالآتي.

أولا: العرف

يتسع مصطلح “عرف دبلوماسي” ليشمل مجموعة القواعد والمبادئ المتعارف عليها في الحياة الدبلوماسية والعلاقات القائمة بين الدول وممثليها الدبلوماسيين ويستند هذا العرف الى سوابق مماثلة في العمل الدبلوماسي فأصبحت ممارسات شائعة لفضل التكرار والسلوك المتبادل ومما سهل عملية الالتزام بهذه السوابق وسريانها بين الدول على اساس مبدأ المعاملة بالمثل.

وكل من هذه السوابق يمكن ان نسميه عرفا دبلوماسيا فلو تجاوز احد الطرفين او تجاهل قاعدة من قواعد الدبلوماسية فسوف يقال عنه انه تخطى الاعراف الدبلوماسية بين الدول وكمثال على ذلك الحصانة التي تمنح لأحد افراد السلك الدبلوماسي فهي عرف دبلوماسي والمعاملة بالمثل هي عرف دبلوماسسي واستخدام اللغة الدبلوماسية هي كذلك عرف دبلوماسي والتعامل مع وزارة الخارجية عن طريق المذكرات الخطية والشفهية هو عرف دبلوماسي.

ثانياً: المعاهدات والاتفاقيات الدولية

تعتبر المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالشؤون الدبلوماسية الدولية مصدرا رسميا من مصادر القانون الدبلوماسي وهذه المعاهدات والاتفاقيات تصنف عادة من حيث أهميتها وتأثيرها صنف المعاهدات والاتفاقيات العامة والى صنف المعاهدات والاتفاقيات الخاصة.

فأما بشأن المعاهدات والاتفاقيات العامة او كما يسميها فقهاء القانون الدولي بالمعاهدات المشرعة فأن هذا النوع يتضمن قواعد قانونية دولية عامة واجبة التطبيق لدى عدد من الدول ولعل افضل الأمثلة على هذا النوع هو اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1916 م الصادرة عن هيئة الامم المتحدة وكذلك اتفاقية فينا للعلاقات القنصلية لعام 1963م وتعتبر كل من هاتين الاتفاقيتين معاهدتان دوليتان عموميتان جاء ثمرة جهود طويلة للجنة القانون الدولي التابعة للامم المتحدة لتحقيقها نجاحا مهما بتقنين شامل للقواعد العرفية في القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية بعد ان فشلت عصبة الامم في الوصول الى ذات الغرض.

ثالثاً: آراء فقهاء القانون الدولي والدبلوماسي

تعد هذه الآراء مصدر اغناء لقانون العلاقات الدبلوماسية لما لهؤلاء من معرفة عملية وتجربة واسعة حيث أوحت لهم تجاربهم الطويلة القيام باجراء البحوث والدراسات حول ما يتعرضهم من مشكلات في العلاقات الدبلوماسية وينتهوا فيها الى اجتهاداتهم الفنية، ومن هؤلاء الفقهاء من استهوته رغبة دراسة احكام القانون الدولي العرفية الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية وتقديمها على شكل تحليل او تعليق مما يضفي عليها بعض الآراء المفيدة التي تعمل بصورة او اخرى على تطوير قاعدة العلاقات الدبلوماسية عند تقنينها وهناك من الفقهاء من عمل ضمن هيئات علمية تعنى بقضايا القانون الدبلوماسي وقدم مشروعا اليها، ونجد ان فقهاء القانون الدولي جنبا الى جنب مع فقهاء الدبلوماسية لا سيما من شغلوا مناصب استشارية في دولهم او في المنظمات الدولية ومن عملوا سفراء لبلادهم فقد أوحت لهم تجاربهم الطويلة في ان يقوموا باجراء البحوث والدراسات حول ما تعترضهم من مشكلات في العلاقات الدبلوماسية وينتهوا فيها الى اجتهاداتهم الفنية ومن هؤلاء الفقهاء من استهوته رغبة دراسة احكام القانون الدولي العرفية الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية وتقديمها على شكل تحليل او تعليق مما يضفي على تلك الاحكام العرفية بعض الآراء المفيدة التي تعمل بصورة او اخرى على تطوير قواعد العلاقات الدبلوماسية عند تقنينها أمام أهم الهيئات العلمية التي تعنى بالقانون الدولي ومحاولاتها في تدوين القواعد المنظمة للعلاقات الدبلوماسية فيأتي في المقدمة مشروع القانون الدولي في نيويورك عام 1895 الخاص بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية ومشروعه الثاني المعدل لعام 1992 ومشروع جامعة هارفورد عام 1932 في موضوع الامتيازات والحصانات الدبلوماسية.

رابعا: قرارات وفتاوى محكمة العدل الدولية

تشكل قرارات وفتاوى محكمة العدل الدولية مصدرا آخر من مصادر القانون الدبلوماسي وتتمثل قرارات هذه المحكمة الدولية في ان جميع الاعضاء في هيئة الامم المتحدة وكذلك غير الاعضاء وفق شروط خاصة لهم الحق في عرض دعواهم على المحكمة لاتخاذ قرارها بشأنهم وتعهدها بالالتزام بها وتخص هذه القرارات القضائية المختلفة ومنها المسائل المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية سواء وردت في معاهدات معقودة وبطلب فيها اعطاء فتوى في القضية الدبلوماسية المختلفة عليها ام باعطاء حكم في قضية تخص تحديد الجهة التي خرقت التزامها او بتقرير التعويض على دولة تسببت في احلال ضرر على دولة اخرى ان القرارات والفتاوى التي صدرت عن محكمة العدل الدولية في قضايا العلاقات الدبلوماسية هي ضئيلة نسبياً وبين هذه القرارات قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 2 تشرين الثاني 1950 المتعلق باللجوء السياسي.

خامسا: المؤتمرات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالدبلوماسية

لعبت المؤتمرات الدولية في العصور الحديثة دورا متميزا في تثبيت وتدوين القواعد الخاصة بتنظيم العلاقات الدبلوماسية لا سيما عندما تنتهي الى اتفاقيات دبلوماسية تقرها الدول المشتركة فيها وتتوصل الى تدوين بعض القواعد التي تزيل ما ينشأ فيها من خلافات ولعل أهم المؤتمرات التاريخية لها اثار ايجابية واضحة تمثلت في مؤتمر فينا المنعقد عام 1815 والذي توصلت فيه الدول المشاركة الى وضع نظام لترتيب المبعوثين الدبلوماسيين وتحديد أسبقيتهم فظهر على اثر ذلك مؤتمر فينا عام 1815 الذي وضع السفراء ومبعوثي البابا في الدرجة الاولى والوزراء والمفوضين ومن هم في حكمهم في الدرجة الثانية والقائمين في الاعمال في الدرجة الثالثة وقد أعقب مؤتمر فينا مؤتمر اكس لاشابل عام 1818 الذي انتهى الى الاتفاقية القاضية باضافة درجة رابعة هي درجة الوزراء المقيمين لتأتي بعد درجة الوزراء المفوضين وتسبق القائم بالأعمال وأهم المؤتمرات الدولية التي اعقبت ذلك تمثلت في مؤتمر للعلاقات الدبلوماسية الذي عقد باشراف هيئة الامم المتحدة عام 1961 والذي توصل الى اول اتفاقية دولية في التمثيل الدبلوماسي في أبعاده المختلفة.

لقد جاءت اتفاقية فينا في العلاقات الدبلوماسية لعام 1961 أكدت فيها على القواعد الخاصة بالبعثات الدبلوماسية الدائمة وبذلك تكون المؤتمرات والاتفاقيات الدولية مصادر رسمية مهمة لتنظيم قواعد العلاقات الدبلوماسية، اما مؤتمر فينا عام 1961 فتتجلى في انها اول اتفاقية دولية شاملة تحسم قضايا التمثيل الدبلوماسي بكل ابعاده بصورة رسمية.

سادساً: الجهود الرسمية والخاصة

1-التشريعات الوطنية لابد من معرفة العلاقة القائمة بين التشريعات الداخلية وقواعد القانون الدولي وفق القاعدة العامة القاضية بأن قواعد الدبلوماسية التي يجري العمل بمقتضاها بين الدول وينظمها القانون الدولي العام وتطبيق الدول القواعد بوجب ما يفرضه القانون الدولي عليها من التزامات وتبعات في هذا الشأن باعتبار انها جزء من قانونها العام دون حاجة الى نص في دساتيرها او قوانينها الداخلية او في تشريعات خاصة للنظم الجمركية والضرائب والمجاملات الدبلوماسية اكثر مما يتعلق بالقانون الدولي.

2-اجتهاد المحاكم بالنسبة لاجتهاد اي احكام وقرارات المحاكم الداخلية والتي تتعلق بالامور الدبلوماسية فانها تشكل مصدرا للقانون الدبلوماسي بقدر ما توضح نقاطه الغامضة في بعض الاحيان وعلى الرغم من انه ليس لأحكام المحاكم في دولة صفة القانون في دولة اخرى فانه يمكن الرجوع الى قضاء هذه المحاكم على سبيل الاستدلال والتعرف الى كيفية تطبيقه للقاعدة القانونية كما انه يمكن سد الثغرات التي ترافق القانون الدبلوماسي بفضل صدور القرارات القضائية.