روبرت غيتس في ثلاثة عهود

 

جيم هوغلاند

 

شعرت بالدهشة إزاء إشارات وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، إلى نظام الدفاع الصاروخي وقضايا أمنية أخرى، ثم التوسل بعد ذلك للرأي العام العالمي، وذلك في سياق نهجه تجاه الكرملين على نحو أشبه بما كان يردده مسؤول في الكرملين سابقا على الاميركيين، قائلا إن «الاتحاد السوفيتي سيفعل بهم أمرا فظيعا». حدث ذلك خلال فترة الانهيار التدريجي للاتحاد السوفيتي السابق خلال عقد الثمانينات، أمام أعين الاستخبارات الاميركية التي كانت تشاهد ما يحدث غير مصدقة. معروف ان مثل هذه الإشارات والتصريحات تأتي أصلا من الدبلوماسيين. إلا ان مصدرها الآن هو وزير الدفاع روبرت غيتس، وهو ذات الشخص الذي ساعد خلال فترتي رئاسة رونالد ريغان وجورج بوش الأب على صياغة القرارات الاستخباراتية المتشددة، وهي القرارات والأحكام التي اعترف في وقت لاحق بأنها لم تكن دقيقة، وتسببت في عكس صورة له، كونه واحدا من صقور وكالة الاستخبارات المركزية في الدوائر السياسية في واشنطن.

ظهر غيتس خلال رئاسة جورج بوش الابن كصوت متزن ومعقول في دوائر السياسات في إدارة تعمل جاهدة على الخروج من الصعوبات التي تواجهها. وكان غيتس قد زار عدة دول خلال العام الجاري للتأكيد على أن واشنطن لم تصبح امبراطورية للشر، وانه يمكن الوثوق بها، وأنها حليف يهتم بالآخرين. وفي سياق محاولاته الظهور بمظهر يختلف عن مظهر سلفه دونالد رامسفيلد، نجح غيتس في إحباط هجمات غضب واستياء من فلاديمير بوتين وآخرين. على الصعيد الداخلي حث غيتس الكونغرس على توفير المزيد من الموارد للدبلوماسية الشعبية والنشاطات التقليدية الأخرى من جانب وزارة الخارجية. وفي ضجة سفارة واشنطن بدأ غيتس بوصفه الشخص الوحيد الذي يتمتع بمصداقية في الإدارة الحالية. ويرى دبلوماسي مبهور بما فعله غيتس خلال الفترة الأخيرة، انه طغى في الكثير من الجوانب على وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، التي تحمل مثله درجة الدكتوراه في الدراسات الروسية. خلال حديث له بالهاتف من البحرين في وقت سابق من الشهر الجاري، قال غيتس انه أوضح لوزراء الدفاع في دول الخليج، ان واشنطن لم تخفف من حملتها لوقف إيران من امتلاك سلاح نووي على الرغم من المؤشرات التي تدل على تساهلها في هذا الأمر. كما انه خلال زيارته إلى ميونيخ في فبراير (شباط) وسنغافورة في يونيو (حزيران) للمشاركة في مؤتمرات مماثلة عمل جاهدا على الظهور بمظهر الشخص الذي لا يحبذ المواجهة، ويستمع باحترام للمتحدثين الآخرين. يقول غيتس ان هذه المشاركة في مثل هذه التجمعات، لم تكن فكرته أصلا، وان المستشارين اقنعوه بالمشاركة فيها بغرض «توجيه رسالة إلى أصدقاء واشنطن واغتنام الفرصة لتوجيه الرسالة سواء بصورة مباشرة أو رمزية» بشأن التزام الولايات المتحدة بالتعاون القائم على مشاركة عدة أطراف. وفي البحرين حاول ان يوضح ان تقرير الاستخبارات الاميركية حول إيران أسيئ فهمه بصورة كبيرة، من جانب الأطراف التي اطلعت عليه (وضمنا من جانب بعض الذين اعدوا التقرير).

غيتس من الشخصيات الرئيسية التي أقنعت الرئيس جورج بوش بنشر تقرير الاستخبارات الاميركية، سعيا لتقليل التسريب الجزئي لبعض مما جاء فيه، والجدل حول التقرير نفسه، كما انه أكد أيضا على ضرورة نشر الحقائق للرأي العام حول فضحية مركز وولتر ريد الطبي العسكري وبشأن قضايا أخرى مثيرة للجدل. لم يجتذب غيتس اهتماما يذكر لدبلوماسيته الخاصة، التي تضمنت طرح اقتراح على بوتين بمشاركة مراقبين روس للإطلاع على مواقع الصواريخ الاميركية في بولندا وتشيكيا، فضلا عن اقتراح آخر بإمكانية تأخير عملية تنشيط هذه المواقع إلى حين التأكد من عدم تشكيل إيران خطرا عسكريا. ونجح غيتس أيضا في ان يجعل نهج واشنطن في التعامل مع شكاوى موسكو بشأن مواقع القوات التقليدية في أوروبا أكثر مرونة. يضاف إلى ما سبق ان المسؤولين الأجانب الذين ناقشوا مسألة روسيا بصورة منفصلة مع كل من غيتس وكوندوليزا رايس، لاحظوا انها في الوقت الذي كانت تتحدث فيه عن «خطوط حمراء» يجب على موسكو مراعاتها من اجل علاقات مستقرة مع واشنطن، أكد غيتس على ان روسيا لم تعد تشكل خطرا كبيرا على أهداف واشنطن الأمنية.

ويرى غيتس ان الولايات المتحدة «ليست مغلقة في مواجهة كونية مع روسيا، مثلما كان عليه الحال بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في السابق، بل ان العالم نفسه بات خاليا من الكتل، وأصبح متعدد الأقطاب».

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:aawsat-18-12-2007