حكومة وحدة وطنيّة أم تاج من الشوك ؟

 

فـؤاد عباس

 

مع إعلان النتائج الأولية للإنتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة أرتفعت الأصوات لتعلن رفضها للنتائج على الرغم من كونها نتائج أولية داعية الى التحقيق دولي ، و تشكيل حكومة وحدة وطنية بعض النظر عن الإستحقاقات الإنتخابية .

رفض نتائج الإنتخابات وارد ومفهوم وقابل للتفهم ، ولا سيما إذا كان منْ يرفض النتائج من الأطراف التي خسرت الإنتخابات ، أو فازت بعدد من المقاعد لا يتوافق مع طموحها أو حلمها أو إستطلاعها عن حجم الفوز ، وهكذا الأمر فيما يرتبط بالخطوة الثانية المتزامنة ، وأعني دعوة تلك الأطراف الى التحقيق في الطعون الإنتخابية ، فهي أيضاً خطوة واردة في الأنظمة الديمقراطية الدستورية ، كما أنها مفهومة ، وقابلة للتفهيم لما تقدم ، ولأنّ الإعتراض والطعن حق للجميع .

الغريب في الأمر:

ان الإعتراض جاء على النتائج الأولية ، والمفوضية المستقلة للإنتخابات أحجمت عن مواصلة مهامها للإعلان عن النتائج النهاية بعد نفاذ الفترةالزمنية المتاحة قانونياً لإستلام الطعون والتحقيق فيها ، والأكثر غرابة ان الأطراف الرافضة قفزت الى المطالبة بتحقيق في الإنتخابات العراقية الأخيرة يقوم به خبراء دولييون من الأمم المتحدة و بمشاركة الجامعة العربية و بمشاركة و مشاركة ...، ولم يتوقف الإعتراض عند هذا الحد بل راح بعيداً ومنذ اللحظات الأولى لإعلان النتائج الأولية حيث كانت و ما زالت الدعوة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن الإستحقاقات الإنتخابية .

ردود ثلاثة سريعة و متزامنة على نتائج لا تعد و عن كونها أولية !!

فعادة تتم المشاركة في الإنتخابات بعد قبول مرجعية الإشراف عليها ، و هي المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات في العراق ، و عليه كانت الخطوة الطبيعية الأولى تملي رفع الإعتراضات والطعون إلى المفوضية العليا ، وإذا لم تكن المفوضية محايدة ونزيهة اولم تتمكن من ذلك في التحقق والتحقيق يصارحينئذ الى الخطوة الثانية برفض النتائج لتحقيق المفوضية و المطالبة بتحقيق الخبراء الدوليين في الإطار المتقدم ، على أن يقبل الطرفان المختلفان في النتائج الأولية للإنتخابات مرجعية لجان تحقيق الخبراء الدوليين تلك بما في ذلك القبول بنتائج التحقيق ، وبغض النظر عن النتائج ذاتها ، حيث لجان الخبراء الدوليين تواصل عملها التحقيقي بينما الأطراف الرافضة للنتائج الأولية  و التي دعت الى هذا التحقيق ما زالت تمتنع عن قبول أو ردّ مرجعتها ، و كلما سئلت عن ذلك أجابت بأنها :

تنتظرنتائج تحقيق لجان الخبراء الدوليين و تكرر إصرارها على تشكيل حكومة وحدة الوطنية فالمرجعية ليست محسومة إذن ، و الموقف من نتائج ذلك التحقيق يتوقف على النتائج نفسها .

هذا عن الخطوتين الطبيعيتين الأولى و الثانية ، واما الخطوة الطبيعية الثالثة فكانت تفرض نفسها على الأطراف الرافضة لنتائج الإنتخابات بعد إعلان نتائج تحقيق لجان الخبراء الدوليين ، فعند التوصل الى عدم حيادية و نزاهة و مصداقية اللجان المذكورة كان عليها الإصرار على الطعن و الدعوة الى ابطال نتائج الإنتخابات في بعض المناطق ، او فى كل العراق وفقاً لحجم التزوير المزعوم لإعادتها جزئياً او كلياً وعاجلاً لتحاشي الفراغ ، و الى ذلك إذا كان حجم التزوير المزعوم كبيراً و يستدعي الغاء نتائج الإنتخابات برمتها ، وليس في الإمكان إعادة الإنتخابات لحرب أهلية واسعة أو إنفجار ثورة أو كارثة طبيعية واسعة أو ما الى ذلك مما يؤخذ به عالمياً كمانع قهري مؤقت من الإنتخابات ... عندها و عندها فقط ربما كان مستساغاً أن تتعالى أصوات تلك الأطراف بالدعوة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تتوافق مع التمسك المتنامي للشعب العراقي بالخيارالديمقراطي و تتطابق مع النظام الإنتخابي المقرر و دستور البلاد الذي لا يمكن أن يكون قد أغفل حالة كهذه و أعني بطلان نتائج الإنتخابات و عدم إمكانية إعادتها لسبب اولأخر ، و كل هذا بناءا على صحة سلامة النوايا و صحة الأقوال و الأفعال و من باب فرض المستحيل ليس بمستحيل، و بعيداً عن التحليل بأن الرد السريع والمتزامن و بالشكل المتقدم الذي يصرّ و منذ الحظات الأولى لإعلان تلك النتائج على تشكيل حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن الإستحقاقات الإنتخابية مع التلويح بورقة الإرهابين الأجانب احياناً لا يعكس إلا رفع سقف المطالبات الى الحد الأقصى لتحقيق المزيد فالمزيد من الحصة في السلطة وفق صيغ المحاصصة الطائفية التوافقية البغيضة التي  لم تسعف يوماً الوحدة الوطنية لأي دولة في العالم الا في فترة قصيرة ، لانها تخفي النار تحت الرماد ، و تكرس عوامل الصراع و تحول دون التعايش ، وخير دليل على ذلك الحلول التي كانت توصف يوما (( بالحلول العبقرية والتي لجأت اليها لبنان و نيجيريا وسرى لانكا مثلاً لتكريس الوحدة الوطنية في تلك البلدان حيث استمرالتوتر حتى أنتهت جميعها الى حرب أهلية او حكم مستبد ، وعلى العكس تماماً من الحلول التي أوجدتها نظم الديمقراطية الإتحادية في سويسرا و بلجيكا و هولندا و النمسا ، فالسويسريون يختلفون فيما بينهم في لغتهم الأصيلة ( الألمانية، و الفرنسية ، و الإيطالية ، و الرومانشية ) و الديانة ( البروتستانية و الكاثوليكية) و الإقليم (كانتون ).

و الخلافات في اللغة و الدين متداخلة : فبعض المتحدثين من البروتستان ، و بعضهم من الكاثوليك ، في حين أن بعض المتحدثين بالفرنسية كاثوليك ، و البعض الآخر بروتستانت ، هذه الإختلافات شكلت نزاعات و صراعات طويلة و مريرة في الماضي ... لكنها لا توجد على الإطلاق تقريباً في سويسرا الحديثة )) *.

كيف حدث هذا ؟

حدث هذا نتيجة التخطيط و العمل الطويل و كانت الخطوة الأولى تكريس الدولة الديمقراطية الدستورية الإتحادية ، و التي لوحدها يمكن أن تضمن الوحدة الوطنية المستقرة المستدامة ... فلا طريق  الى الوحدة الوطنية سوى الديمقراطية الدستورية الإتحادية و التي تملي تشكيل حكومة ائتلافية وفقاً للإستحقاقات الإنتخابية بعد تطهيرها من التزوير الواقع ( و بحسب نتائج التحقيق )، و طبقاً للدستور و النظام الإنتخابي و أحكام المحكمة الدستورية العليا ، و دون حاجة لهذا الإهدار المتواصل للوقت و الذي سيدفع البلاد نحو فراغ دستوري ، و يؤخر تشكيل الحكومة الى أجل غير مسمى و يزيد من معاناة الشعب العراقي و يفتح الباب للإنقلاب على الديمقراطية . وإذا كانت الضرورات تبيح المحظورات فذلك يجب أن لا يكون إلا بقدر ضرورة الضرورة ، فلجدة الديمقراطية و جملة الظروف المحلية و الإقليمية و الدولية القائمة و لدفع العملية السياسية الى الامام لا ضير في أن يصار و عاجلاً الى تشكيل حكومة ائتلافية إستيعابية وفقاً للإستحقاقات الإنتخابية بعد إصلاحها من التزوير الواقع ( و بحسب نتائج التحقيق ) و طبقاً للدستور الإنتخابي و أحكام المحكمة الدستورية العليا ، و ذلك بأن يصار الى إستيعاب أكبر عدد من الكيانات و الشخصيات الفائزة بثقل أكبر في الإنتخابات و ذلك في تشكيل الحكومة ، و ذلك على أساس برنامج عمل للحكومة ، و بما يخدم إستقرار الحكومة و فاعليتها و إنسجامها و أداءها، لا على أساس المحاصصة و الطائفية و التوافقية ، التي يراد تسويقها لتكريسها بأسم حكومة الوحدة الوطنية ، فالطريق الى تعزيز و ترسيخ الوحدة الوطنية هو تشكيل حكومة ائتلافية إستيعابية في الإطار المتقدم مع مواصلة العمل الجاد لتشكيل حكومة ظَّل برلمانية رسمية للمعارضة كما أشرت في مقال سابق بعنوان:

( اوقفوا الزهد في المعارضة... نحو حكومة ظلّ ائتلافية ) ، و حكومة الوحدة الوطنية التي تقوم على أنقاض الديمقراطية ستذبح الوطنية و الوحدة معاً لتغتسل بدمائهما بعد حين ، لقد انكسر القمم المسدود من عصور ... دعوا الأوهام و الخرافة و الأساطير و عبادة و ثن اسمه الماضي ...و لا تعبثوا بقداسة الألفاظ :

فنعم لحكومة ائتلافية إستيعابية ... لان حكومة الوحدة الوطنية خارج الإستحقاقات الإنتخابية حقاً تاج من الشوك .

............................................................................................

* كتاب : عن الديمقراطية – روبرت أ.دال- ترجمة : احمد أمين الجمل – الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية .