الـسبيل إلـى الـنجاح فـي الـعراق (2-2 )

 

 

اندروف. كرينفتش الان

 

ترجمة - احمد خالص الشعلان

لابد ان تتألف عمليات الهجوم بموجب (بقعة الزيت) من جهود لتوسع (المنطقة الخضراء) تدريجيا لتضم اليها مناطق من (المنطقة الحمراء)، إذ تتوجه الموارد في كل من ناحيتي الامن واعادة البناء نحو مناطق مختارة تشن فيها الهجمات ضد المتمردين.

وبما ان القوات والموارد محدودتان كلاهما. وبسبب ان ارساء البنية التحتية لمتطلبات الامن في كل منطقة لا تعد الان آمنة قد تستغرق وقتا لا يقل عن نصف عام وقد يزيد. فان الهجومات التي تنطلق من بقعة الزيت قد تطول مدتها بسبب طبيعتها.ان كل هجوم لربما تشرع به الوحدات العراقية سيكون بمساعدة المستشارين الاميركيين المبثوثين بين صفوفها، اذ يقومون بتمشيط” المنطقة الهدف “ وتنظيفها من أية قوة تمرد رئيسة فتتوزع هذه الوحدات بعدئذ في تشكيلات اصغر تتخذ لها مواقع في مدن (او في قطاعات ان كانت مدنا كبيرة) المنطقة المحررة، اذ تقوم هنالك بتوفير الامن للسكان. وسيكون بمقدور الشرطة الفدرالية المجيء ليقوموا بالتجوال لحفظ الامن فضلا عن انهم قد يساعدون في تدريب قوى الامن والشرطة المحلية والتدقيق في عملهم. وبمجرد ان تتطور هذه الجهود، سيكون بمقدور وحدات الجيش العراقي الانتقال للقيام بجولات مكثفة على طول محيط بقعة الزيت (المقصود هنا محيط المنطقة الامنة- المترجم) لافشال التهديدات التي يقوم بها المتمردون للمناطق المؤمنة الحديثة وعلى قوات الولايات المتحدة والجيش العراقي ان يكون رد فعلها سريعا لمعالجة اي اختراق يقوم به المتمردون في المنطقة التي تسير فيها دورياتها. وعلى افراد الاستخبارات العراقية والاميركية الشروع في عملية التسلل الى خلايا المتمردين المحلية وتجنيد المواطنين في المنطقة للقيام بمهمات مشابهة. ومع ان جهود التسلل الجارية افرزت نتائج متفاوتة الفائدة، فان بمقدور خطة بقعة الزيت قد توفر لقوات استخبارات الولايات المتحدة والعراق الوقت الكافي لنجاح قوات التحالف للايفاء بالتزاماتها لتوفير مستوى ثابت من الامن.

وقد يسهل عمليات الامن هذه عملية اعادة البناء وذلك بمنح العراقيين وعدا بحياة افضل. وقد يعزز الامن المستقر ايضا الشعور بان فوائد اعادة البناء بامكانها هي ايضا ان تستقر، وليست هدفا سهلا لتخريب المتمردين. ولربما يسهل هذا ايضا الاصلاح الاجتماعي لتمكين النساء مثلا من الذهاب الى المدارس دون خوف من عقوبة يوجهها اليهن الاسلاميون الراديكاليون. وقد يوفر هذا ايضا الوقت لتقديم التدريب المطلوب لقوات الامن المحلية والتدقيق في عملها وضبطها قبل تكليفها بالمسؤوليات التي تقوم بها. ومن ثم فان الامن الدائم قد يقنع السكان المحليين بان الحكومة جادة في حمايتهم. وقد يكون الهدف الرئيس طبعا الفوز بدعمهم الفعال وانهم  من المفترض ان يشرعوا في تزويد الحكومة بالمعلومات عن المتمردين الذين استقروا في المنطقة المؤمنة. وانه وبمجرد ان يلمس السكان فوائد الامن واعادة البناء- وليس قبل ذلك- بالامكان اجراء الانتخابات المحلية.

وبسبب محدودية المواد العسكرية والمالية، ان على الاهداف المتوخاة من الهجمات التي تشن على وفق خطة بقعة الزيت ان تكون منتقاة بعناية. ولربما تكون بغداد والموصل الواقعة في الشمال هما الهدفان اللذان يغريان بتطبيق الخطة. فكلاهما مركزان سياسيان واقتصاديان رئيسان لكونهما يقعان على تخوم المناطق الامنة. ولكونها عاصمة العراق فان لبغداد قيمة رمزية كبيرة. ولانهما كليهما يقعان ضمن منطقة العمليات التي تقوم بها قوات الولايات المتحدة وهي دون شك القوات الاقدر بين قوات التحالف.

ان على قوات الولايات المتحدة والعراق ان ينقيا خياراتهما وذلك باستهداف تلك المناطق التي يسهل فيها عليهما الحصول على حلفاء عشائريين وذلك بان تخطط جهود واعادة الاعمار على اساس اظهار الشيخ العشيرة المتعاون في نظر عشيرته بانه يستلم (مكافأة) credit جزاء تعاونه. وقد ينمي تقديم مثل هذه المكافأة الدوافع لدى افراد العشيرة للمساعدة في ضمان النجاحات التي تحققها عمليات اعادة الاعمار، فضلا عن انها قد تساعد في اقناع عشائر اخرى على اعطاء المعلومات عن اعمال التخريب المحتملة او لربما تقدم دعما فعالا لعمليات الامن الجارية.

وبمجرد ان تكون قوات الامن المحلية قادرة على القيام بمهمات رئيسة في الامن المحلي، يكون على اغلب وحدات الجيش العراقي والشرطة الفيدرالية ومن يدعمهم من قوات الولايات المتحدة ان تقوم بتوسيع بقعة الزيت الى حدود جديدة. ان على بعض قوات التدخل السريع، من ناحية ثانية ان تبقى في منطقة بقعة الزيت الاصلية لكي تثبت بان قوات الامن المحلية لديها الدعم اللازم عند الحاجة.

وعلى الرغم من ان تأمين المنطقة الخضراء والبنية التحتية الوطنية والمناطق التي تجري تأمينها سابقا تعد جميعا اهدافا تحظى بالاسبقية العسكرية الا ان المحافظات الاربع غير المؤمنة لا يمكن التخلي عنها تماما لصالح المتمردين. اذ ينبغي على قوات الولايات المتحدة (وبمعية العراقيين بمرور الزمن) ان تقوم بدوريات تغطي المنطقة. ولابد ان تقوم القوات الخاصة بعمليات في المنطقة الخطرة لجمع المعلومات المبكرة عن نشاطات خطيرة يقوم بها المتمردون، وبذلك يجري حرمان المتمردين من التمتع بالملاذ الامن وتحجيم قدراتهم على التنظيم والتخطيط. واذا ما حاول المتمردون احتلال بلدة او مدينة، مثلما حصل مع الفلوجة، فان على قوات الولايات المتحدة والعراق ان تقود حملة كبيرة لطردهم منها. ولابد ان تبقى عمليات من هذا النوع، من ناحية ثانية، ضمن السياقات التي تنفذ بها خطة بقعة الزيت القائمة اساسا على حماية السكان وليس مطاردة المتمردين.

ان لخطة بقعة الزيت ضربة مهمة، بخاصة حين تركز على مشكلات التجنيد في جيش الولايات المتحدة وعلى الدعم الشعبي المتناقص للحرب تلك المزية هي امكانية تطبيقها، مجسيات هجومات التي تشن في بغداد والموصل، بعدد اقل من الـ140000 من قوات الولايات المتحدة الموجودة الان في العراق، او يكون عدد الـ120000 كافيا حينئذ. وقد يكون تنقيص هذه الـ20000 من القوات ممكنا لاسباب عدة. فمن الناحية الفعلية ان زيادة عدد المستشارين الاميركيين في الوحدات العراقية المشكلة حديثا قد يمكن هذه الوحدات من الاسراع في تحسين قدراتها، كما ان تقليص عدد التمشيط غير المدروسة قد يمكن قوات الولايات المتحدة من توظيف قواها في عمليات متمردة. ان المحافظة على وجود جنرالات الولايات المتحدة رفيعي المراكز المقتدرين في العراق لفترات اطول في هذه الاثناء قد يعزز على نحو مؤثر فعاليات القوات حتى لو كان هذا التأثير محصورا بالمستويات الدنيا لهذه القوات.

الصفقة الكلية

لقد لاحظنا الفريق سير جيرالد تمبلر المفوض العالي البريطاني ومدير العمليات اثناء التمرد الملاوي في خمسينيات القرن العشرين بان الجوانب السياسية والعسكرية في العمليات المناهضة للتمرد يجب ان يكون (ذات علاقة متبادلة تامة وكاملة) وكذلك يجب ان تكون ايضا في العراق. فحين تأخذ العمليات العسكرية للولايات المتحدة شكل حملة (بقعة الزيت)، على الجهود السياسية ان تهدف الى التوصل الى صفة كلية مع الشعب العراقي. ذلك لان مثل هذه الصفقة هي التي سترسي الاساس للتطور التدريجي للقاعدة العريضة المطلوبة للحفاظ على ديمقراطية عراقية.

ان الصفقة الكلية ستنجز عبر الجماعات الدينية والاثنية العراقية الرئيسة وعبر الوحدات الاسرية والعشائرية المهمة. وقد تكون افتراضات مثل هذه الصفقة الاساسية وجود عناصر مهمة عند كل مجموعة اثنية او دينية رئيسة ترغب في دعم العراق الموحد الديمقراطي، وهذا يعني ان بالامكان تشكيل تحالف عريض ذي مغزى وبمرور الزمن من اجل تحقيق هذه الغاية، ويعني ايضا ان الولايات المتحدة راغبة على المدى الطويل في تولي جهود قد تستغرق عقدا او اكثر الغاية منها ضمان نجاح هذه الصفقة الكلية.

والاكراد هم المجموعة المحتملة الاكثر مرونة في الاستجابة لمثل هذه الصفقة. فهم يريدون للتمرد ان يدحر ويرغبون بوجود طويل الامد للولايات المتحدة في العراق لحمايتهم من هيمنة الشيعة !!ولمنع عودة السنة الى الحكم فضلا عن حمايتهم من التهديدات الخارجية الاتية من ايران وتركيا. ان مجموعة مهمة وان صغيرة من السنة تريد هي ايضا للتمرد ان يندحر، اذا ما جرى تقديم الضمانات الكافية لهم بان وجود الولايات المتحدة الطويل الامد سيكفل لهم الحيلولة دون هيمنة الشيعة عليهم (او معاقبتهم) ودون محاولات ايران للسيطرة من خلال حكومة شيعية عراقية. وحال اغلب الشيعة يشبه حال الكورد فهم يريدون للتمرد ان يندحر والبعض منهم ايضا قلق من محاولات ايران لتخريب الاستقلال العراقي. واولئك الشيعة قد يقبلون بوجود طويل الامد للولايات المتحدة للوقوف في وجه التخريب الايراني ولتحجيم مخاطر قيام حرب اهلية تهدد مزية تفوقهم العددي الذي يتيح لهم الديمقراطية العراقية الافادة منه.

وليس من الضرورة ان تسعى هذه الصفقة الكلية الى الفوز بأية مجموعة عراقية رئيسة كاملة، وانما الفوز بالشريحة الرئيسة من كل مجموعة والتي ان اتحدت ستحقق وجود كتلة مهمة تعمل من اجل الاهداف العامة المذكورة سابقا، وبما ان دحر التمرد لا يعد سوى خطوة نحو تحقيق تلك الاهداف، فسيكون لدى كل مجموعة من تلك المجموعات واقع للمطالبة ببقاء قسم من قوات الولايات المتحدة الى ما بعد دحر التمرد، وهو عامل مهم يساعد الولايات المتحدة على تحقيق اهداف الامن البعيدة المدى. وبوجود الصفقة الكلية، سيجد العراقيون وباختصار بانه وعلى الرغم من ان (المحتلين ) occupiers الاميركيين قد مسوا مشاعرهم الوطنية بهذا الاحتلال فانه وبوجود نظام يتحكم فيه العراقيون سيكونون راغبين بالسماح بوجود قوات قليلة العدد كـ(ضيوف) guests .

وقد يتطلب نسج مثل هذا التحالف في كل واحد تفهما عميقا للسياسات العشائرية العراقية. ذلك لان العشيرة والاسرة العراقية هما اساس المجتمع في مناطق عدة من العراق، وانهما يشكلان نوعا من بديل للحكومة. (ولقد تلاعب صدام بهذه العلاقات العشائرية والاسرية بمهارة من اجل ادامة حكمه). توجد في العراق ما يقارب 150 عشيرة تختلف في حجمها وتأثيرها. وان 75% من العراقيين تقريبا هم اعضاء عشيرة ما. ان خلق تحالف من هذه الجماعات قد يتطلب وجود بيانات منظمة عن التشكيلات العشائرية وولاءاتها وعداءات الدم فيما بينها، وهذا يعني ايضا معرفة العداءات التي لم يجر حلها والتعرف على الميول السياسية للعشائر المهيمنة ومصادر قوتها وشرعية سلطتها، وتجديد نوع روابطها بعشائر في بلدان مجاورة بخاصة بلدان مثل سوريا وتركيا وايران.

ومن اجل بلوغ هذه الغاية لابد للولايات المتحدة ان تساعد الحكومة العراقية على تاسيس منظومة عراقية لجمع المعلومات عن المتمردين لكي يجري اختراق بنيتهم التحتية. وعلى هذه المنظومة ان تقسم العراق الى مناطق وقطاعات وشبكات محلية لكي تركز جهودها بحيث تعطي اسبقية الى تلك المناطق التي جرى تامينها والتي في نية خطة بقعة الزيت ان تجعلها ضمن اهداف عملياتها. انه وعلى الرغم من ان على الولايات المتحدة وقوى التحالف الاخرى ان تراقب هذه الجهود وتدعمها، ان على العراقيين ان يقودوا هذه الجهود بانفسهم، وذلك بسبب تمتعهم بفهم الامريكيين” المختصين بالشؤون العراقية في وحدات منظومة المخابرات العراقية لمراقبة نشاطاتها وذلك بسبب الوضع السياسي العراقي غير المستقر.

ان وجود دليل دقيق عن العشائر العراقية قد يكون هادياً في تشكيل التحالفات بين الحكومة العراقية الجديدة وعشائر واسر معينة، ما يحسن القدرة على التدقيق في طلبات التجنيد العسكرية وتوظيف الموظفين المدنيين، وما يقوي ايضا مصادر الاستخبارات عن تنظيم المتمردين وبنيتهم التحتية. وما هو اهم من ذلك، قد يسهل هذا الدليل تحقيق الصفقة الكلية عن طريق حصر العشائر الكردية والسنية والشيعية، وهذا يؤدي على الارجح الى دعم حكومة عراقية ديمقراطية موحدة ومستقلة. وبالمقابل لابد ان يجني الحلفاء العشائريون فوائد فورية اعظم، مثل الاسبقية في ارساء الامن وعمليات اعادة البناء.

ثمة مخاطر تنطوي عليها التحالفات بين المجموعات العشائرية. والتحالفات العشائرية غالبا ما تكون سريعة الزوال، وبذا يكون على التحالف ان يكون مستعداً على نقل ولائه خطوة للامام اوخطوة للخلف بين المتخاصمين وبسرعة. ثمة ايضا خطوة ان تبدو العشائر بوصفها بدائل للدولة. فاتخاذ عشيرة حليفاً قد يخلق اعداء من العشائر المتخاصمة التي كانت حتى ذلك الوقت محايدة. وهنا لابد من اتباع سياسة مبنية على الخبرة والاجتهاد لجعل هذا العامل يعمل لصالح الخطة.

وبمجرد ان يحصل تقدم في تنفيذ الصفقة الكلية بالقيام بالهجمات الاولى لخطة بقعة الزيت، تكون الخطة قد دخلت مرحلتها الثانية. والمرحلة الثانية قد تشهد تقليصاً مهماً في مستويات قوات الولايات المتحدة ـ لربما الى حد الابقاء على 60000 ما يعكس بالقوة المتنامية للحكومة العراقية وقوى الامن وتراجعاً في قوى التمرد. وقد يبدا حينئذ مستشارو الولايات المتحدة بالاستغناء عن خدماتهم في الوحدات العراقية الاعلى مقدرة. وبمجرد ان ينكمش تهديد المتمردين بحيث انه وبمرور الزمن يغدو مشكلة ذات اهمية، تضع الخطة مرحلتها الثالثة موضع التنفيذ والتي تشمل على سحب الوحدات العسكرية الأميركية واغلب المستشارين ما عدا وجود عسكري اميركي دائمي لا يتجاوز عدد افراده 20000 من القوات لكي يصد معتدين قادمين من ايران وسوريا ولربما تقصي هذه المنطقة الامنية التي تقدمها الولايات المتحدة حاجة بغداد للدخول في برامج تسليح مكلفة سواء اكانت ذرية او كيمياوية او بايولوجية.. اضافة لهذا فان وجوداً دائمياً للولايات المتحدة قد يكون سبباً في ردع اية زمرة داخلية من محاولة قلب الحكومة.

افضل المقاييس

ان ادارة بوش ومنتقديه، وحتى هذه اللحظة، يركزان كلاهما على مقاييس خاطئة في قياس التقدم الحاصل في حرب العراق. فالنقاد، مثلا غالباً ما يستعملون قوة المتمردين لتقدير هذا التقدم. الا انه من الصعوبة محاولة تقدير مستويات قوى المتمردين بدقة، وذلك لان العديد من المتمردين العراقيين ليسوا مساهمين دائميين في الصراع ولا هم ايضا مؤمنين حقيقيين بالقضية البعثية او الاسلاموية الراديكالية. فهم بالاحرى اما ان يكونوا اجبروا على دعم التمرد او ان يكونوا قد استدرجوا من قبل المتمردين، الذين يدفعون للعاطلين العراقيين لقاء زرع العبوات الناسفة.

انه لشيء مغر ايضا استعمال عدد من حوادث الصراع بوصفها علامة على قوة التمرد واستعمال غيابها علامة على ضعف التمرد. لابد من يتأنى المرء عند معالجة هذا الامر. فغياب فعاليات التمرد لا يعني بالضرورة ان القوات المناهضة للتمرد قد نجحت. فعدد حوادث الصراع حول الفلوجة في صيف عام 2004 كانت قليلة العدد جداً. وهذا يكاد الا يكون مقياساً على نجاح الحكومة العراقية، وانما بالاحرى كان اشارة واضحة لخطورة التمرد، ذلك لان المدينة بكاملها كانت تحت سيطرة المتمردين آنذاك. وبالعكس فان عدداً كبيراً من الهجمات قد يعكس ضعف المتمردين. فعدد متواصل من الهجمات قد ينتج من مخاوف تنتاب المتمردين بانهم على وشك خسارة الحرب وعليهم  القيام بعمل مؤثر يقلب حظوظهم. ولنلاحظ هنا عناقيد العنف التي رافقت انتخابات كانون الثاني 2005 اذ كان الدافع الى العنف خوف المتمردين من الانتخابات وليس هو ازدياد قواهم.

ومع ذلك فان الامر يستحق تتبع اثر فعالية المتردين، وذلك ليس لمعرفة فيما اذا كان بعض  التقدم يحصل، وانما لمعرفة اولويات المتمردين وللتعرف على اتجاهات سلوكهم. ان تتبع اثر احداث الصراع، مثلا بامكانية تزويدنا بدروس عن اتجاهات المجال الذي تشن به هجمات العدو، ومستوى النجاح الذي يحققه والاهداف التي ينوي المتمردون مهاجمتها قبل غيرها. وقد تؤشر هذه البيانات ايضا الانتقالات التي تحصل في خطط المتمردين فالاشارات التي تعلن عن عزوف المتمردين عن الهجمات التي تستهدف موظفي الحكومة مثلا، قد تشير ايضا الى ان الجهود التي تهدف الى حماية موظفي الحكومة المهيمن كانت وافية بالمرام.والى الحد الذي تسهم به الاصابات في صفوف قوات الولايات المتحدة في تآكل التأييد للحرب في اوساط الراي العام الاميركي، هي ايضا قياس مهم لتقدير التقدم الحاصل. الا ان معدل الاصابات الحالية هي ادنى من الاصابات التي حصلت في فيتنام في صفوف الجنود الاميركيين ومشاة البحرية ومع ذلك ظل الدعم لاولئك قوياً. ان معدلات اعادة التطوع في جيش الولايات المتحدة وقوات مشاة البحرية ما تزال تتخطى معدلاتها العادية. ان ما يواجه الصعوبات الان هي الجهود الساعية الى تجنيد افراد جدد، ما يشير الى ان الاميركيين عموماً يتزايد بينهم نفور من الخدمة العسكرية. وما هو اهم من الاصابات هو الحديث عن تامين مركزي الجاذبية عند الامريكيين هو ( مشكلة عبء الحرية) free- rider problem فاذا كان الاميركيون يعتقدون بان العراقيين لا يريدون القتال من اجل حريتهم ضد حركات التمرد للادمقراطية فان جنود الولايات المتحدة (الشعب الاميركي) قد يمسون على نحو متزايد من فكرة القيام بتضحيات لصالح اولئك الذين يظنونهم من المستفيدين ناكري الجميل.

وثمة قياسات اخرى اقل اثارة للاشكال بامكانها ان تثبت جدارتها في التقدم الحاصل في الحرب وقياس نبض مراكز الجذب في هذه الحرب. احدها هو عدد الاغتيالات التي تعرض لها موظفو الحكومة والقادة الدينيون. ففي منظور المواطنين ان كانت الحكومة غير قادرة على حماية موظفيها، سيغدو من الصعوبة التصديق انها قادرة على حماية المواطنين الافراد. وعلى نحو مشابه، اذا كان المتمردون غير قادرين على حماية قادتهم من القتل او الاسر فانهم على الارجح سيخفقون في تجنيد انصار جدد مأمولين، لان الاخرين قد يستنتجون بان المتمردين غير قادرين حتى على حماية انفسهم. وهنا يتجلى النجاح بوصفه اشارة واضحة على ان القوى المناهضة للتمرد تكسب حرب الاستخبارات. وبما ان النصر بهذا المعنى بان المواطنين الافراد كانوا بصدد الاقبال على تقديم المعلومات، فانه يعني ايضا بان التحالف العراقية كانوا يكسبون” قلوب وعقول “ العراقيين، وبذا يتأمن مركزاً مهما من مراكز الجاذبية.

وتعد نسبة التماس مع العدد مقياساً مفيداً تبنته قوات التحالف. وبإمكان هذا القياس ان يقدر التقدم الحاصل في مجال استخبارات الحرب الذي بعد بديلاً للدعم الذي يقدمه الرأي العام في العراق. ان اتجاهاً ايجابياً لهذا المقياس قد يكون معلماً على ان السكان كانوا يسهمون في تقديم معلومات” يمكن الاعتماد  عليها “ ومعلما على ان المبادرة انتقلت من ايدي المتمردين الى ايدي القوى التي تناهض التمرد. وتعد نسبة التماس مع العدو الذي تبادر به القوات العراقية اتجاهاً ثانوياً لهذا المقياس لقوات الامن العراقية. فاذا كانت نسبة التماس الذي تقوم بها القوات العراقية مع العدو متزايدة، واذا كانت حصتهم في ذلك تتزايد قياساً بباقي قوات التحالف، فقد يشير هذا الى ان القوات العراقية تتحمل قدراً اكبر من العبء من اجل امن العراق، وبانها بذلك تحظى بدعم الشعب. ان الاتجاهات الايجابية لهذا المقياس بامكانها ايضا استدرار دعم شعبي اعظم من الولايات المتحدة ذاتها، طالما كان لربما ايضا قادراً على تقليص عدد قوات الولايات المتحدة في العراق.

ومع ذلك فما يزال ثمة مقياس اخر هو المعلومات السرية التي” يمكن الاعتماد عليها المتلقاة من السكان قياساً بالنسبة الى التي تجمع من طريق المراقبة والرصد العسكري” طائرات الاستكشاف او دوريات قوات الامن مثلا “ ووكلاء الاستخبارات الحكوميين. اي ان تزايداً في هذه النسبة ربما تشير الى ان الشعب يشارك التحالف في بلوغ اهدافه ولدي شعور بالامان الى حد تطوعه في تقديم المعلومات المفيدة عن المتمردين.

ثم ان هنالك” مقاييس السوق “ marketmetrcs فلقد استغل المتمردون العاطلون والمجرمون نشداناً للدعم. اذ يدفعون للعراقيين غالبا من اجل زرع العبوات الناسفة ودفعوا بسخاء لقتل الموظفين الحكوميين. ومقاييس من هذا النوع تشير الى ان التمرد يكافح من اجل توسيع صفوفه وعليه شراء الدعم. وانه قد يكون مفيداً تا الجانب من الصراع. فما الذي يدفعه المتمردون لاولئك الذين يزرعون العبوات الناسفة ؟ وما هو نوع الاجر الذي يدفعونه مقابل حياة عدوهم، وكيف يتغير هذا الاجر بمرور الوقت؟ ان الافتراض الذي يضعه المرء وراء هذه المقاييس هو انه مهما كان يدفعه المتمردون عالياً. لن يجدوا سوى قلة قليلة من الراغبين في تقديم الدعم لهم. او لربما  يشير هذا الانكماش في التاييد الى نجاح تحققه قوات التحالف والحكومة العراقية في تحسين الامن وتقليص البطالة وتقوية التزام الشعب بالنظام الجديد، كلها قد لا تترك سوى قلة قليلة من الناس ممن هم عرضة للاستدراج او الاكراه من قبل المتمردين.

تسـديد الثمن

ليس ثمة خطة ستضع نهاية عاجلة او سهلة للتمرد. ان الخطة المعروضة هنا، وبهذا المعنى هي الأعلى بين كثرة كلها مر. فهي تتفق حتى على خطة” اثبت على وجهتك “ stay the course المتبعة حاليا التي لا تفضي الا جدول عشوائي للانسحاب من العراق، وهو الحل الذي يتبناه العديد من منتقدي ادارة بوش. او فضيلتها الرئيسة هي انها تعكس فهماً لمراكز الجذب وتحاول الموازنة بين متطلبات مراكز الجذب المتصارعة هذه احياناً، بينما تحاول تامين احتياجاتها جميعاً.

ان تطبيق خطة كهذه سيواجه بالطبع صعوبات كبيرة.

اولا :ـ ان ايجاد تحالف يعقد هذه الصفقة الكلية سيواجه تحديات جمة من بينها العداوات القائمة بين شرائح السكان العراقيين، وشكوك العراقيين في نيات الامريكيين والجهل الثقافي الذي يتصف به افراد القوات المسلحة الاميركية وصناع القرار السياسي الذي يقف وراءهم.

ثانيا :ـ على جيش الولايات المتحدة ان يجتاز الخط الدقيق الفاصل بين المجازفة بقبول عدد متزايد للاصابات لتشمل حتى الجنود الاميركيين المبثوثين بين صفوف الوحدات العراقية المجازفة بحصول انهيار في جهود تجنيد المتطوعين الجدد والتجديد للموجود، والذي لربما ينتج من الاعتماد المستمر عن سياسة نشر اعداد كبيرة من جند الولايات المتحدة.

ثالثا :ـ ان تاسيس قوات عراقية ومن عراقية سيكون مناسباً، ذلك لان عملية طويلة الامد تقوم بها، قوات الولايات المتحدة والعمليات التي تنطوي عليها خطة بقعة الزيت قد تسبب جميعها احباطا لجيش الولايات المتحدة لكون هذا الجيش يفضل شن الهجمات على العدو عبر عمليات تقليدية.

رابعا :ـ فان تنسيق وتكثيف الامن والاستخبارات واعادة البناء ستتطلب وجود مستوى يضع من التعاون بين الولايات المتحدة يتخطى العملية التي تتظافر على ادارتها وكالات حكومية عدة من واشنطن، وبضمنها تنسيق وقيادة مركزيين قويين يتولاه موظف سياسي رفيع على المسرح السياسي، ذلك هو سفير الولايات المتحدة في بغداد.وحتى ان كانت تبشر بنجاح، فان هذه الخطة سيتطلب تنفيذها التزام يستغرق عقداً من السنين وتتفق خلاله مئات بلايين الدولارات وسيفرز قوائم مطولة من الاصابات. ومع ذلك فهذا هو الثمن الذي لابد ان تدفعه الولايات المتحدة من اجل بلوغ اهدافها النبيلة في العراق. ولكن هل ان الشعب الاميركي والجيش الاميركي على استعداد لدفع مثل هذا الثمن؟ ان تزويدهم

بخطة واضحة للنصر وتفهما كاملاً للتضحيات المطلوبة هما لوحدهما وما على الادارة الاميركية الا ان تتواصل اليهما. واذا ما اظهر الاميركيون بانهم ليسوا قادرين على تحمل هذه المهمة، فان على واشنطن ان ترسي على اهداف اكثر تواضعاً : تتمثل في زيادة تاثير نفوذها المتضائل لاحباط خطط الايرانيين والسوريين في انشاء حلف على انقاض نظام استبدادي مقبل في العراق.

وكل ذلك بحسب رأي اندروف. كرينفتش الان ، و ترجمة احمد خالص الشعلان نصا ودون تعليق .

المصدر : جريدة الصباح – 14-1-2006