"مؤسسة هيريتيج" عقل حركة المحافظين الجدد   

 

 

 

أندرو ماسلوسكي

 

 

ركزت مقالات تقرير واشنطن السابقة علي المراكز البحثية المسماه بالثنيك تانك ومجموعات الضغط اللوبي والتي أتخذت من العاصمة الأمريكية مقراً لها، ثم تعرض التقرير بالشرح لبعض هذه المنظمات مثل المؤسسة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة ومركز الدراسات العربية المعاصرة والمعهد الأمريكي للسلام ونحن ألآن نتعرض بالشرح لأحد مراكز البحث الثنيك ثانك الذي لا يقل شهرة أو نفوذا سياسيا عن المنظمات السابقة ألا وهو مؤسسة هيريتيج المعروف بانتمائه للتيار المحافظ المتشدد، وإلى جانب معهد "أمريكان إنتربرايز" يمثل هذان المركزان عقل إدارة بوش المحافظة ومصدر كل أفكاره بخصوص الشرق الأوسط.

 

نبذة تاريخية عن المؤسسة وهيكلها العام

تم إنشاء مؤسسة هيريتيج عام 1973 كأحد المراكز البحثية التي تعني بالسياسات العامة المحافظة القائمة علي مباديء وقيم العمل الحر وتحجيم دور الحكومة في الإقتصاد والحرية الشخصية وتقوية جبهة الأمن القومي والتقاليد والأعراف الأمريكية المحافظة، وتقوم المؤسسة بإجراء العديد من الأبحاث في شتى الميادين علي المستوي المحلي والدولي معاً.

علي الصعيد المحلي يقوم الباحثون في مؤسسة هيريتيج بعمل الأبحاث والدراسات وإنتاج سياسيات تنظيمية تتعلق بالزراعة والإقتصاد والتعليم والإصلاح الحكومي والرعاية الصحية والدين، أما علي الساحة الدولية فيركز باحثو المؤسسة جهودهم علي قضايا مثل الدفاع والإرهاب والتحرر الاقتصادي والشرق الأوسط والأجزاء الأخري من العالم.

وطبقاً لسجلات مؤسسة هيريتيج فإن المؤسسة تمتلك أصولاً بقيمة 123.7 مليون دولار تقريباً وفي عام 2004 حصلت المؤسسة علي مبلغ 32.5 مليون دولار كمساهمة مالية من المتبرعين الأمريكيين وتوظف هذه الأموال في خدمة الأنشطة العديدة للمؤسسة مثل رواتب العاملين والباحثين البالغ عددهم 60 باحث وأكاديمي وكذلك رعاية المؤتمرات والندوات بالإضافة إلي منح عضوية الزمالة لطلبة الدراسات العليا والدكتوراه.

ويرأس المؤسسة حالياً أدوين فولنر Edwin J.Fealuer وهو أحد المحافظين البارزين العاملين في العديد من اللجان الحكومية ومجالس الإدارة، وفي عام 1989 قام الرئيس الأمريكي رونالد ريجان – أحد الرؤساء المنتمين لتيار المحافظين – بمنحه وسام الرئاسة المدني إشادة بجهود فولنر وتأثيره في رسم ملامح السياسات الأمريكية.

أيدلوجية مؤسسة هيريتيج

كما ذكرنا آنفاً فإن مؤسسة هيريتيج تقوم برسم سياسات تقوم علي مباديء العمل الحر وتقلص دور الحكومة في الاقتصاد وتقوية جهة الدفاع القومي وتشتهر المؤسسة بعمل ملخصات سياسية سريعة يقرأها رجال السياسة المشغولين، كما تعرف المؤسسة بكونها أول مؤسسة تطلق فكرة "التجميع" وتسويق مبادراتها السياسية الذي ساهم في نجاح مؤسسة هيريتج.

ويشتهر خبراء مؤسسة هيريتيج بدورهم في رسم وتشكيل "مبدأ ريجان" أو Reagan Doctrine الذي كان مستخدماً إبان الحرب الباردة والذي صور الاتحاد السوفيتي علي أنه أمبراطورية الشر" والذي برر مساندة السياسة الأمريكية للحركة المناهضة للشيوعية في جميع أنحاء العالم.

ولقد اشتهرت هذه الفترة بشغل خبراء مؤسسة هيريتيج مناصب مرموقة في إدارة الرئيس الأمريكي ريجان، الأمر الذي أظهر مدي تغلغل مؤسسة هيريتيج في الحياة السياسية الأمريكية بخلاف عمل الدراسات والأبحاث.

وتتضمن قائمة هؤلاء الخبراء الذين تركوا العمل في المؤسسة وتبوءوا مناصب حساسة في الحكومة الأمريكية، كل من أدوين ميس Edwin Meese (المدعي العام للرئيس الأمريكي ريجان) والين تشاو Elain .L chao (وزير العمل الحالي في إدارة بوش) ، وبول بريمر Paul Bremer (قائد قوات التحالف في العراق من مايو 2003 وحتي يونيو 2004).

مؤسسة هيريتيج وقضايا الشرق الأوسط

تعتبر منطقة الشرق الأوسط مثار اهتمام مؤسسة هيريتيج الأمريكية وتوظف المؤسسة العديد من الخبراء لعمل دراسات وأبحاث عن منطقة الشرق الأوسط ومن هؤلاء الخبراء جيمس فيليبس James Philips، خبير الإرهاب الدولي ومتخصص في الشئون العامة لدولة أفغانستان والعراق وكذلك خبير السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط.

وهناك أيضاً الباحث جون هلزمان خبير الحرب العالمية علي الأرهاب وقد قام هؤلاء الخبراء بتقديم العديد من التوصيات بشأن الشرق الأوسط والتدخل الأمريكي في المنطقة.

وفي العامين التاليين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، قامت مؤسسة هيريتيج بنشر عشرة أوراق بحثية، بالإضافة إلى دراستين بخصوص الخيارات السياسية في التعامل مع الشرق الأوسط. ومن خلال موقعها الألكتروني ووسائل الإتصال الأخري توصي المؤسسة بوجوب دعم الرئيس بوش للحكومة الإنتقالية العراقية، وفيما يتعلق بالنزاع العربي الإسرائيلي يقول خبراء المؤسسة إن الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الفلسطينيون تعوق عملية السلام في المنطقة كما يوصي خبراء مؤسسة هيريتيج بملاحقة وقتل جميع زعماء القاعدة المنتشرين في جميع أنحاء العالم وأخيراً ينصح خبراء مؤسسة هيريتيج الحكومة الأمريكية بالضغط علي سوريا وإيران والسودان لكي تجفف منابع الإرهاب الموجودة فيها علي حد زعم خبراء مؤسسة هيريتيج.

ويبدو أن خبراء المؤسسة المتخصصين في مجال أبحاث الشرق الأوسط يتناولون قضاياه بشيء من عدم الموضوعية والتحيز الشديدين، فهم ينظرون إلي الشرق الأوسط كمشكلة لابد من حلها وليس كمنطقة لابد من فهم أحوالها وطبيعتها، بيد أننا لا نستطيع أن نغفل اهمية الاستنتاجات التي يتوصل إليها خبراء مؤسسة هيريتيج فيما يتعلق بالشرق الأوسط إذ تعتبر المؤسسة من مراكز تفريخ مسئولين حكوميين الذين يتعاملون مع قضايا المنطقة.

وكما ذكرنا في الأعداد السابقة لتقرير واشنطن فإن فهم السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط يتطلب فهم العوامل التي ساعدت علي تشكيل تلك السياسة، وقد يبدو محيراً لبعض الوقت الفرق بين جماعات الضغط ومراكز الأبحاث المعروفة بالثينك تانك من حيث التأثير علي سياسات الولايات المتحدة، والفرق هنا هو أن منظمات الضغط لها الحق في التأثير علي سياسات الحكومة الأمريكية بينما مراكز الأبحاث هي منظمات غير ربحية وغير حكومية لا تتمتع بنفس الحقوق ومع ذلك يتم اتهام المراكز البحثية باستغلال علاقاتها مع كبار السياسيين للتأثير علي مجري السياسات الحكومية، ولكون مؤسسة هيريتيج أحد مراكز الأبحاث الثرية والقوية فإننا لا نستطيع أن نبرئها من هذه التهم كذلكً. وكل ذلك بحسب أندرو ماسلوسكي .

 

المصدر : تقرير واشنطن- أندرو ماسلوسكي- العدد 35