تقارير ودراسات أميركية ومصرية:نظام مبارك مرتبك..

 

 

تشير التقارير الدولية والمحلّية إلى أن الوضع السياسي في مصر أصبح محلّ ترقّب وأنه يتدهور، وأن النظام الحاكم أصبح في موقف قلق واضطراب واهتزاز وارتباك تكشف عنه التحرّكات والتصرّفات والاجراءات التي يلجأ إليها نظام مبارك في الآونة الأخيرة بينما تؤكّد قيادات النظام الحاكم في مصر أن «كل شيء تمام».. ولا داعي للقلق، تتواصل التقارير والدراسات والتحليلات السياسية والاقتصادية في واشنطن والقاهرة، التي ترى أن علامات الانهيار والارتباك والفشل بدأت تظهر بوضوح على نظام عمره ٢٧ عاماً ويتعرّض لموجة احتجاجات واعتصامات وإضرابات وتظاهرات غير مسبوقة.. ليس آخرها إضراب قادت الدعوة إليه عناصر من جيل جديد من الشباب واعتمدت فيه على التواصل من خلال شبكة الإنترنت وموقع «فاس پوك» وتداعى هؤلاء الشبان والشابّات الذين قدّرت موسوعة «ويكيبيديا» عددهم بمئات الآلاف، لتحويل يوم عيد ميلاد الرئيس مبارك الثمانين، إلى حالة عصيان مدني تطالبه بالتنحّي وفي محاولة لإجهاض إضراب ٤ أيار (مايو)، قرّر الرئيس المصري أن يقدّم موعد احتفال عيد العمّال الذي يلقي فيه خطابه، وكان مقرّراً له يوم ٥ أيار (مايو)، لكنه بكّر في موعد الخطاب والاحتفال، فجعله يوم ٣٠ نيسان (أبريل). ويرى محلّلون أنه كان هناك سببان وراء هذا التبكير، الأول أن يأخذ الرئيس فرصته في استباق الاضراب بإعلانه زيادة العلاوة الاجتماعية على أجور العمال والموظّفين، ووصفها الرئيس بنفسه بأنها غير مسبوقة وتفوق التوقّعات، اعتقاداً منه بأن هذه الخطوة والدعاية الواسعة لها قد تساعد في تقويض الاضراب. والسبب الثاني هو ألا يضطر الرئيس إلى مواجهة شعبه في اليوم التالي للاضراب الذي قد ينجح.

ماذا جرى في عيد العمّال؟

يقول عبد الله السناوي الكاتب والمحلّل السياسي ورئيس تحرير جريدة «العربي» التي يصدرها الحزب العربي الديمقراطي الناصري: بدت المشاورات السريعة التي أجراها الرئيس مبارك على منصّة احتفالات عيد العمّال مع رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف ووزير المالية الدكتور يوسف غالي، قبل أن يعلن زيادة العلاوة الاجتماعية بنسبة ٣٠%، كاشفة للأزمة وأبعادها بأكثر من أي مشهد آخر.

قد تبدو الرسالة مقصودة بذاتها ـ متضمّنة في مشاهدها ـ أن الرئيس منحاز الى من اعتاد الخطاب الرسمي في العقود الأخيرة على وصفهم بـ: محدودي الدخل، أكثر من كبار معاونيه. أو أنه يختلف مع توجّهاتهم التي تتميّز بقدر كبير من مجافاة الرأي العام، يراجعونه في نسب الزيادة لكنه يصرّ على رفعها، ويتّخذ قراره ويعلنه، طالباً من الحكومة أن تدبّر تكاليفه، وهو معنى حاولت أن تلحّ عليه وتؤكّده وسائل الاعلام الرسمية، غير مدركة أنه يتضمّن في صلبه ارتباكاً غير مسبوق في إدارة الأزمات، وتعبيراً عن غياب أي مراجعات حقيقية للأسباب التي أدّت إليها، فالأزمة تتجاوز أشخاصها إلى السياسات.. ولم تهبط تلك السياسات على مبنى الحكومة في غيبة من الرئيس، وهو يتحمّل مسؤولية الفشل الاقتصادي أكثر من أي أحد آخر، بحكم الصلاحيات الواسعة التي يخوّلها له الدستور الحالي ولم يحدث من قبل في تاريخ الرئاسات المصرية أن أخذت قرارات لها صفة التأثير في حياة المواطنين بصيغتها النهائية على المنصّات أمام الرأي العام، والرسالة العكسية ـ متضمّنة في صلب المشهد ـ أن ضغوط الأزمة دعت الى قرار رئاسي برفع نسبة العلاوة بأكثر مما كان مقدّراً.. وأن أشباح كانون الثاني (يناير) تبدّت أمامه في تلك اللحظة، وطغت اعتبارات أمن النظام ويرى السناوي أن ما حدث ـ زيادة نسبة العلاوة ـ كان أقرب إلى الضربات الاستباقية، لكن حساباتها الأمنية تصادمت مع السياسات الاقتصادية.. في المشهد بدا الرئيس راغباً في أن يرمّم صورته السياسية ودعائم نظامه السياسي الذي يوشك على أن يدخل بالكامل في حقل ألغام اجتماعية قد ينفجر فيه في أي لحظة، غير أن عمق الأزمة فوق طاقة النظام، وتتصادم سبل الخروج منها مع مصالح مراكز السيطرة والمال التي تتحكّم فيه ومعنى ذلك أن اعتبارات الأمن تتصادم مع توجّهات النظام الاقتصادية، وأن مستقبل النظام نفسه معلّق على حسابات تتعارض مع توجّهاته التي أدّت إلى تآكل شرعيته واتساع فجوات الكراهية بينه وبين الرأي العام وقد يقول بعضهم إن ما سبق هو تفسير لصحفي معارض، لذا كان علينا أن نبحث عن صوت من خارج المعارضة المصرية لحكم مبارك، ومن خارج مصر عموماً . صحيفة «هيرالد تريبيون» الأميركية العالمية نشرت تقريراً اعتبرت فيه أن إعلان الرئيس مبارك زيادة العلاوة إلى ٣٠% قد جاء نتيجة لدعوة المعارضة إلى إضراب عام يوم عيد ميلاد الرئيس وإن الرئيس أكّد في كلمته بمناسبة عيد العمال على أن نسبة الزيادة ستكون ٣٠% بدلاً من ١٥% التي كانت مقرّرة من قبل وأرجعت الصحيفة قيام الرئيس بزيادة العلاوة إلى سلسلة الاضرابات العمالية التي جرت أخيراً احتجاجاً على سياسات الخصخصة وتسريح العمال وارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتي كان آخرها أحداث الشغب التي وقعت في مدينة المحلّة الكبرى، مؤكدة أن هذه الاضرابات بدأت بالاحتجاج على أزمة الخبز وارتفاع الأسعار وانخفاض المرتّبات، وانتهت بالتنديد بمبارك نفسه.

الشعب المصري محاصر

وعودة إلى مصر لنقرأ هذا البيان: أصدرت أمانة الشباب في الحزب العربي الديمقراطي الناصري بياناً أعلنت فيه مشاركتها في الاضراب، ودعت الشعب إلى المشاركة بقوّة احتجاجاً على الغلاء والفساد والبطالة والاستبداد والتعذيب في أقسام الشرطة. وقال البيان إن الشعب المصري المحاصر بين الفساد والاستبداد، عليه أن يتحرّك دفاعاً عن قوت يومه وحقّه في حياة كريمة ودعا البيان الرئيس مبارك إلى التنحّي وترك موقعه فوراً، وفتح المجال أمام مصر للتحوّل نحو الديمقراطية الحقيقية التي تعيد الى مصر دورها التاريخي الذي فقدته في ٢٧ عاماً من حكم الرئيس مبارك.

هل ينهار نظام مبارك؟

يرى المحلّل السياسي الدكتور رفيق حبيب أن هناك كتابات كثيرة تتناول حالة مصر منذ بداية ما سمّي بالحراك السياسي في العام ٢٠٠٥، ويتوقع بعضهم نهاية النظام الحاكم في مصر بسبب موجة الاحتجاج الشعبي المتفجّرة، والمقصود بالنظام أنه يمثّل النخبة الحاكمة المسيطرة على مقاليد السلطة وأيضاً النظام السياسي القائم، حيث يشهد الوضع الراهن نوعاً من التداخل الشديد بينهما (النخبة والنظام).. وهدف التغيير يشملهما معاً.. وبرصد أحوال هذا النظام يمكن معرفة مدى قابليته للتغيير، أو أنه معرّض للانهيار.. أو أنه قابل للاستمرار لمدة زمنية بعيدة والتاريخ يعرّفنا بصعوبة استمرار نظام في الحكم لمدة طويلة، ما دام غير مرضٍ للجماعة التي يحكمها.. وهذا يعني أن النظام القائم في مصر الآن لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. وكلّما واجه النظام معارضة شعبية قوية، كلما كانت قدرته على البقاء أضعف. وعليه لا يمكن تصوّر فكرة سقوط النظام من تلقاء ذاته، وفي كل الأحوال تعتبر الحالة الداخلية للنظام نفسه، وأداؤه في مواجهة الأزمات والمطالب الجماهيرية وموقفه من المعارضة والاحتجاج الشعبي، من العوامل المهمّة المؤثرة في قدرته على البقاء.

وأعتقد أن مصير النظام سوف يتحدّد أساساً من خلال قرارات هذا النظام نفسه، وهنا يصبح من المهم النظر إلى طبيعة النظام الحاكم في مصر وتركيبته الداخلية، فمن الواضح أنه لم يعد يمثّل تركيبة معيّنة لها أي أسس سياسية، بل هي مجموعات من النخبة المنتمية للنظام والمستفيدة منه، وترابط شبكات المصالح لا يؤدّي إلى تكوين كيان متماسك، وهذا النوع من الشبكات يعتمد على التوازن الداخلي بين مصالح الأطراف، والنخبة الحاكمة لا تمثّل فئة اجتماعية محدّدة، بل هي نتاج صعود العديد من النخب المختلفة التي امتلكت في النهاية السلطة والثروة بدرجة جعلت لها مصلحة في بقاء النظام، وتتحدّد أهداف النظام على أساس المحافظة على مصالحهما.

مصر تواجه ٣ مخاطر

وفي دراسة كتبها ديفيد شنيكر من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حول أوضاع مصر بمناسبة بلوغ الرئيس المصري حسني مبارك الثمانين من عمره يوم ٤ أيار (مايو) الحالي، اعتبر الباحث أن مصر تواجه ٣ مخاطر اجتماعية وسياسية قد تؤثّر في قدرة النظام الذي يتزعّمه مبارك على البقاء وهذه المخاطر هي: تزايد التضخّم وتفاقم أزمة أسعار الغذاء في الداخل وتزايد القلاقل العمالية، علاوة على تزايد المواجهة مع التيار الديني الذي تمثّله جماعة الإخوان المسلمين وحول تزايد أزمة أسعار المواد الغذائية وتأثيرها في ملايين المصريين، قالت الدراسة إن هذه الأسعار ارتفعت بشدّة في الآونة الأخيرة، ووصل الحال إلى مقتل ٨ أشخاص في طوابير الخبز في الصراع لأجل الحصول على أرغفة الخبز المدعمة.

وقد حاول مبارك الاستجابة بقدر الامكان لهذه المضاعفات الخطرة، فقرر تعبئة الجيش لتوفير أرغفة الخبز، وتم منع تصدير الأرز لمدة ٦ شهور. ولكن تأثير هذه الاجراءات، كما تقول الدراسة الأميركية، سوف تكون تصرّفاً موقّتاً ولا يعالج أصل الأزمة، فاستمرار الحظر على صادرات الأرز يزيد حرمان زارعي هذا المحصول من الحصول على عائد أكبر، علاوة على أن الجيش نفسه قد لا يتمكّن من السيطرة على أزمة الخبز، حيث أن جانباً كبيراً من هذه الأزمة يعود إلى الفساد الذي يؤدّي إلى تسرّب الدقيق المدعوم إلى السوق السوداء وحول التحدّي الثاني وهو القلاقل الاجتماعية تقول الدراسة: رغم أن مصر حقّقت مستويات نموّ عالية في السنوات الأخيرة، إلا أن الفئات المطحونة الفقيرة لم تستفد من هذا النموّ، حيث يعاني العمال انخفاضاً شديداً في الأجور المجمّدة منذ العام ١٩٨٤، ويصل متوسط أجر العامل في شركة غزل ونسيج المحلّة التي كانت محوراً لمواجهات وقلاقل عمالية، الى حوالى ٢١ دولاراً في الشهر!.. ويطالب العمال بزيادة هذا الأجر عشر مرّات شهرياً حتى يستطيعوا مواجهة غلاء الأسعار، وقد شهدت قلاقل المحلّة تحطيم صورة كبيرة للرئيس حسني مبارك.

وأزمة النظام تتفاقم لأنه في كل الأحوال لديه مصالح لفئة معيّنة يحافظ عليها، ومن هنا فهو غير قادر على تغيير سياساته أو اتخاذ قرارات فاعلة أمام المواقف الداخلية المتوتّرة، وتحت شعار التحرّر الاقتصادي من دون التحرّر السياسي، بوصفه شعار شبكة المصالح الحاكمة، ويعتمد كلّيّة على الأمن وينفصل تماماً عن المطالب الجماهيرية، لأن هناك تعارضاً بين مصالح الجماهير ومصالح النخبة الحاكمة وهكذا نجد أن نظام الحكم في مصر بقيادة الرئيس حسني مبارك يواجه أحد احتمالين: الأول يرتبط بتصاعد الاحتجاج الجماهيري لدرجة لا يستطيع النظام الوقوف أمامها ولا ينفع معها الحلّ الأمني. وهنا سوف ينقسم النظام على نفسه، ويصبح هناك فريق منه يحاول التغيير لمنع تصاعد الاحتجاج الشعبي، وفريق آخر يعاند هذا الاحتجاج والاحتمال الثاني: أن تتفكّك شبكة المصالح داخل النظام الحاكم في مصر، وتتحوّل إلى شبكات عدّة تتنازعها المصالح وتأخذ كل منها موقفاً مختلفاً، ويبدأ الصراع والتنافس فيما بينها الى درجة تؤدّي إلى ضعف السلطة وتمزّقها وضعف قبضة النظام الحاكم.نعود إلى دراسة معهد واشنطن لنقرأ: ولم يعد صعباً أن نخمّن أن الوضع السياسي الداخلي المتوتّر في مصر، يتدهور بأسرع من ذي قبل.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:almoshahed