المعاهدة العراقية - الأميركية...دراسة في البنود السرية

 

صباح جاسم

 

 

المعاهدة العراقية - الأميركية: محاذير ومخاطر

مع اقتراب ساعة الرحيل تتضح معالم النتائج لأكبر عمل عسكري قامت به الولايات المتحدة الاميركية منذ الحرب العالمية الثانية، كلّفَها حياة اكثر من اربعة الاف جندي وجرح اكثر من ثلاثين الفا اخرين، وعدّة تريليونات من الدولارات وزخم عسكري لأكثر من نصف مليون جندي اميركي، فضلا عن تحديات داخلية وخارجية افرَزَتها الاخطاء والتجاوزات التي صاحبت قيامها دخولها العراق العام 2003.  لذلك تستعد الادارة الاميركية لان تتعامل مع العراق وفق ما تمليه ظروف الواقع المستقبلي المختلفة ومنها امكانية خروج العراق من احكام البند السابع الذي اخضعت الامم المتحدة البلد بموجبه للوصاية الدولية الى الادارة الاميركية.

من هنا فان الولايات المتحدة في طريقها لتأطير العلاقة طويلة الامد مع العراق من خلال اتفاقية تعاون ستراتيجية مختلفة الجوانب يامل العراقيون منها ان تكون غير ذات مساس بإرادة واستقلال وسيادة ومقدرات وطنهم .المجلس السياسي للأمن الوطني العراقي وضع ثلاثة شروط في بداية المباحثات، وأجمع هذا المجلس المكَوَّن من زعماء الكتل السياسية بالاضافة الى مجلس الرئاسة ورئاسة الوزراء والبرلمان، على ضرورة ان تتضمن الاتفاقية التركيز على الجوانب السياسية والامنية والاقتصادية والثقافية.شروط المجلس تؤكد على، عدم انشاء قواعد عسكرية دائمية للقوات الاميركية، وان لا يقدّم العراق اية  تسهيلات عسكرية او حصانة للمتجاوزين من هذه القوات، اضافة الى انه لا يحق اعتقال اي عراقي من دون اذن او تنسيق مسبق مع الحكومة العراقية ورغم ان السفارة الاميركية في بغداد بيَّنت ان الاتفاقية ستكون شفافة وليست فيها اية بنود سرية، مذكرة بانها ستُعرَض بعد الانتهاء منها على البرلمان العراقي والكونغرس الاميركي للمصادقة عليها، إلا ان العديد من شرائح العراقيين متخوفون من ان يفرض الاطار الحالي للولايات المتحدة الاميركية، أساسا تستغله الادارة الاميركية لتحقيق ما يمتنع العراق عنه لو كان يتمتع بالاستقلال والسيادة ابتداءً. اضافة الى احتمال احتواء المعاهدة على بنود سرّية.

بالنسبة للفرقاء السياسيين فان هناك شبه اجماع على ضرورة تأطير العلاقة بين العراق والولايات المتحدة بإطار تعاون قانوني معاهداتي دائم، ويَظهر ان هذا الامر هو من المسلّمات المُتفق عليها حتى قبل التاسع من نيسان العام 2003 ومن ثم عملية التغيير التي لا تزال بطور الإنجاز.فقط هناك التيار الصدري الذي أبدى وما يزال، تحفظاته الشديدة على اجراء اية مفاوضات او اتفاقيات او معاهدات دولية مع الولايات المتحدة او غيرها، إلا بعد خروج القوات الاميركية من العراق، انطلاقا من ان البلد في موقف ضعيف وظروف استثنائية لا تمكّنه من الاختيار الامثل وفق معايير السيادة والاستقلال الكاملة، بينما الاكراد يرحبون اشد الترحيب بالمعاهدة بل انهم اعلنوا استعدادهم لقبول اقامة قواعد عسكرية اميركية دائمة في الاقليم حتى قبل طرح موضوع الاتفاقية وسربت مؤخرا جريدة الغارديان البريطانية بعض البنود السرّية في الاتفاقية ومنها، سعي الولايات المتحدة الى تضمين المعاهدة التزاما عسكريا اميركيا غير محدد زمنيا في العراق. وهو بطبيعة الحال يعني تواجدا دائما للقوات الاميركية. كذلك فان الوثيقة حسب جريدة الغارديان تسمح للولايات المتحدة "بشن عمليات عسكرية في العراق وتوقيف اشخاص لضرورات امنية" بدون تحديد سقف زمني ايضا.

على ان مشروع الاتفاقية لا يحدد حجم القوات الاميركية في العراق، ولا الاسلحة التي يمكنها استخدامها، ولا الوضع القانوني لهذه القوات، ولا السلطات التي تتمتع بها حيال المواطنين العراقيين. ما يضفي ظلالاً قاتمة على مستقبل العلاقة بين الشعب العراقي وهذه القوات الاميركية. هذا من الجانب المظلم. اما على الجانب الاخر الذي يُعتقَد انه ايجابي، فهناك بنود لتعاون مكثف في الجوانب الاقتصادية والصناعية والزراعية والتجارية والعلمية والثقافية، تلتزم بموجبه الولايات المتحدة تجاه العراق، كذلك تؤكد مسودة الاتفاق ضرورة المحافظة على سيادة العراق ووحدة وسلامة اراضيه واستقلاله السياسي وردع التهديدات الخارجية التي من الممكن ان تحدق به. بمساعدة الولايات المتحدة طبعا كما تتضمن المسودة ايضا على التشاور الفوري مع الولايات المتحدة في حال تعرضت وحدة وسلامة اراضي العراق واستقلاله السياسي لتهديد. وتتعهد الولايات المتحدة ايضا بالإمتناع عن استخدام الاراضي العراقية قاعدة لشن عمليات هجومية ضد دول اخرى.

وحتى تموز المقبل، الموعد المُعلَن لإنتهاء كتابة المعاهدة وطرحها على مجلسي النواب العراقي والاميركي، ستظل الساحة في البلد حبلى بالمفاجآت، بل ان هذه الفترة ستكون حاسمة بالنسبة للحكومتين الاميركية والعراقية في حصد جهود الخمسة اعوام المريرة التي مضت. فبعض دول الجوار التي تريد إخراج القوات الاميركية مُكرهةً مذعورة، ستسعى لضرب المنجزات الامنية التي تحققت، وإعادة اجواء عدم الاستقرار لإظهار ادارة الرئيس بوش، في اخر ايامها، بموقف الفشل والخسارة وعدم التاثير على الخصوم، املاً في عدم اعطائها الفرصة لترسيخ وجود طويل الأمد في العراق، وكذلك لإبقاء البلد تحت دائرة النفوذ في موقف الضعف والحاجة المستمرة لتعاون وتعاطف دول الجوار الشحيح كما ان الصراعات والتقاطعات بين الكتل السياسية والتداعيات الأمنية الاخيرة في الوسط والجنوب وضعف الاداء الحكومي بسبب تركيبته الحصصية، ستترك كلها اثرا سلبيا وعدم تركيز في موقف العراق التفاوضي بشأن المعاهدة المفتَرَضة.

لذا يجب التريث والانتباه من قِبل السلطتين التنفيذية والتشريعية في العراق، كي لايكون خروج البلد من الوصاية الدولية(البند السابع) سبباً لوقوعه من جديد فريسة المعاهدات والتحالفات التي لن تكون ايجابية بالضرورة. فاليابان وقّعَت قبلاً تحت ظروف وتاثيرات مماثلة، اتفاقية مع الولايات المتحدة ما جعلها حتى اليوم تحت الحماية الاميركية، مُجبرةً على ايواء قواعد عسكرية ومئات من الجنود الاميركيين بعد ستين عاما من انتهاء الحرب هناك. ويبدو إن تضافر الجهد الداخلي العراقي من مرجعيات دينية وسياسية ومؤسسات حكومية ولجان برلمانية، كذلك مراكز البحوث العراقية ومنظمات المجتمع المدني المختصة بالشؤون الادارية والقانونية والبحثية، وحتى الاستعانة بالخبرات الاجنبية المحايدة، هو الكفيل في وضع صيغة للمعاهدة المرتقبة تضمن للعراق مصالحه الخاصة وعدم الانجراف في تيار العولمة والمصالح الغربية والتمسك بثوابت السيادة والاستقلال والتحكم المطلق بالمقدرات والموارد.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alsabaah