ثالوث الفساد,الإستبداد و الفقر يخرجهم من ديارهم...نزيف الكفاءات العربية مستمر

 

لماذا تهاجر الكفاءات العربية ؟‍‍‍

إن المتأمل في هجرة رسول الله عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة يجد بأن هجرته كانت أنموذجا مثاليا لاسترداد القوة والفاعلية بعد الكبح والقمع والظلم ولا مبرر لحالات الضيق والبأساء والهوان لأن أرض الله واسعة وفيها مراغما كثيرة وسعة والله تعالى أ مرنا بالتوكل وحتى يتحقق مفهوم التوكل يجب الأخذ بالأسباب...

ولكن ألا تشكل هجرة الكفاءات العربية من أراضيها وتكريس التخلف والجمود في أمتها ألا شكل استنزاف لأعظم ما تملك الأمة وهي العقول العربية المفكرة ؟؟؟ ما الذي سنستفيده إذا رحل العالم والمثقف والشاعر والطبيب والمهندس والفيزيائي و... و,,,وغيرهم وذهبوا للعيش في أوربا أمريكا ؟؟؟ هل يصح لنا أن نعتبر أن ظاهرة هجرة الكفاءات العربية هي ظاهرة سلبية لن تزيد الأمة إلا جرحا وألما ؟؟؟ أم نعتبرها أسمى درجات الجهاد لإيصال كلمة الحق والصدق إلى العالمين؟؟ ؟

أولا يجب أن نحدد مفهوم الهجرة حتى نستطيع تحديد أبعادها الدعوية والحضارية والثقافية والمادية وغيرها من الأبعاد التي ستكون لنا معها الكثير من الوقفات ..

الهجرة في أبسط ما يمكن أن نعرفها به هي إخلاص القلب وعزمه على فعل أمر مستقبلي برؤية تتضح معالمها ، وتعرف أبعادها ، وتفقه متغيراتها وتداعياتها .

ويمكن أن نقول أيضا بأن الهجرة حركة إيجابية واختيار لموقع يكون الإنسان أكثر فاعلية فيه وهي محاولة لتجاوز حالات العقم والحصار إلى مواقع النصر وإثبات الذات وقبل ذلك إثبات الفكرة التي اعتقدها ويسرني أن تنتشر وتبقى ما بقيت الحياة ...

ولا أدري ما إذا كان بالإمكان أن نعتبر أن الهجرة هي تحرف لقتال أو تحيز لفئة نتيجة صعوبة المواجهة وأحيانا استحالتها .

أن الهجرة في عصرنا الحاضر باتت قاصرة على اجتذاب واستدعاء الأمم المتقدمة للآخرين ومحاولة حيازة جميع الكفاءات والخبرات في شتى التخصصات وحرمان بلادهم التي أنفقت الكثير من أجل تعليمهم منهم في محاولة منها لجعل تلك الأمم مجرد متلقي للحضارة والثقافة وعاجزة عن صناعتها

والإشكالية الكبيرة هنا أن الأمم التي تستدعي وتجذب هذه الخبرات والكفاءات والعقول المفكرة ، وتراعي حقوق الإنسان هي نفسها التي تبقي أنظمة الاستبداد السياسي وتدعمها وتحافظ عليها...!!!!

ومن المعلوم بأن هذه الأنظمة تسعى دائما لتكريس الجمود والتخلف ، وتطارد الكفاءات فلا يبقى مناص من الهجرة إلى مكان آخر هو أكثر احتراما وتقديرا لكرامة الإنسان وحريته في التعبير والتفكير ....

ها هي أمريكا وغيرها من الدول المتقدمة وبعد أن فتحت باب الهجرة إليها نجد أن قوتها العلمية والبحثية والاقتصادية والعسكرية قد تضاعفت زيادة عن ذي قبل وجعلت أساس قبول هؤلاء المهاجرين هو الكفاءة والخبرة والتخصص لأنها أدركت بأن الكفاءة والتخصص والعقل المفكر هي القوة الحقيقية التي يجب أن تعول عليها

ولا يخفى على الكثير منكم كم هي أعداد المصريين - كمثال فقط - من حملة المؤهلات العالية والشهادات الكبيرة والتخصصات النادرة التي نزحت إلى أمريكا واستراليا وبريطانيا وكندا وغيرها من الدول المتقدمة.

ولا أحفظ إحصاءات في هذا الشأن ولكن ما نستخلصه بأن هناك من الكوادر العربية المؤهلة أصبحت تفضل البقاء في المهجر على الرجوع إلى أوطانها.

ونلاحظ أن ثمة ضغط وتضييق ومحاولة تخلص من الخصوم السياسيين أو المعارضين بإقصائهم عن أوطانهم وبفتح باب الخروج بالاتفاق مع المستقبل الذي يسره هذا الأمر.

إذن هذا النزف الهائل قد يكون من أهم أسباب الجمود والتقهقر وعدم القدرة على النهوض عندنا وهو ذاته من أهم أسباب الرقي والتحضر والتقدم عندهم ...

لم تعد أسباب الهجرة تخفى علينا اليوم ونتساءل عن سرها، أو نستغرب من عدم القدرة على تقنينها والحد منها، فالأمر أصبح واضحا لمدى لا يبقى معه شك إلا أننا نحتاج إلى ذكرها وإيجازها في نقاط مختصرة قد تمثل جوهر الأزمة ، وتوضح عمق القضية ،ونستطيع بعدها إدراك جميع أبعادها:

1-    الفــــــقــــــــــر:

لا يخفى على الجميع بأننا أصبنا بالحيرة في تحديد سبب أزمتنا في عالمنا العربي هل هي اقتصادية ؟؟ أم هي فكرية ثقافية ؟؟أم هي سياسية ونحن نسعى إلى إثبات نظرية المؤامرة ؟؟؟ أم أن كل هذه الأبعاد اجتمعت علينا وجعلتنا نعاني من أزمة اقتصادية ثقافية فكرية سياسية ؟؟؟

إننا وقد أرجعنا السبب الأساسي لهجرة الكفاءات العربية إلى الدول المتقدمة بل وتفضيلها البقاء في كثير من الأحيان في بلد المهجر على العودة إلى الوطن والعيش في ربوع أفيائه إلى قضية الفقر التي تعاني منها جميع الدول العربية إذن معنى ذلك بأننا نتحدث عن البعد الاقتصادي المادي لهذه الأزمة

وأراني مضطرة إلى عرض واقعنا الاقتصادي في العالم العربي ومدى قصوره .... نعم قد يختلف البعض معي ويقول بأن دخل الدول العربية وخاصة دول النفط منها هو دخل لا تحلم به الكثير من دول العالم وأن هذا الدخل من شأنه أن يجعل المستوى المعيشي للفرد أحسن ما يكون ، وأن هذا الدخل أيضا من شأنه أن يوفر للمواطن حياة كريمة يسعد فيها وينتج ، نعم اتفق مع من يقول هذا الكلام ولكن لماذا نرى الآن أن دخل الفرد لا يغطي حاجاته الأساسية فضلا عن الكمالية؟؟؟

ولماذا نرى تدني وانخفاض حاد في المستوى المعيشي للمواطن العربي ؟؟؟ لماذا يعاني المواطن العربي من نقص الغذاء اللازم لحياته ولحياة أسرته ؟؟؟ لماذا يعاني المواطن العربي من نقص شديد في المياه الصالحة للشرب؟؟؟ لماذا لا تتوافر في هذه الدول فرص عمل كافية تبعد المواطن العربي عن ذلة السؤال واستجداء الآخرين؟؟؟  لماذا نجد دولة مثل عمان والسعودية تتصدر قائمة الدول العربية في البطالة وعدم وجود فرص عمل ؟؟؟ ما الذي يجعل صندوق النقد الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة يحذر دولة مثل عمان وهي من الدول النفطية يحذرها من مغبة تدهور اقتصادي في البلاد ؟؟؟؟

ولعل ما نراه في العراق مثال أوضح فهذه العراق مساحتها تبلغ مساحة اليابان تقريبا ، واليابان ثلاثة أرباع أرضها جبلي وهناك نقص شديد في الموارد بالإضافة إلى العدد السكاني الرهيب حيث أن سكان طوكيو بمفردها هو أكثر من سكان العراق كلها ومع كل هذا فأين العراق من اليابان ؟؟؟ المقارنة بالطبع تنعدم ...

ميزانيات الدول العربية معروفة منها الفقيرة للغاية لا تساوي شيئا مما يصرف على القطط والكلاب في أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا ، ومنها ما هي غنية للغاية ووصل غناها لدرجة دعم الحزب الاشتراكي البعثي الموجود في استراليا ، وبناء الأوبرا ، وتخصيص الملايين للسياحة وكرة القدم ، بل وصل الأمر إلى رشوة الفنانين والفنانات وما ينفق على المهرجانات لا يمكن تخيله ...

ومع ذلك يعاني المواطن العربي من كل ما ذكرته وأكثر من ذلك ؟؟؟؟

إذن كل هذه الأمور كفيلة بجعل المواطن العربي يفضل الهجرة على البقاء في ظل هذا الوضع المأساوي...

بالإضافة إلى ذلك فإن الطبقية التي أصبحت تضج بها مجتمعاتنا ساهمت وبقوة في مضاعفة الهجرة ، فالمجتمع إما طبقة غنية مرفهة تسكن القصور ، وتقود أفخم أنواع السيارات، ولها أرصدة خيالية في بنوك سويسرا،وتسافر كل صيف إلى دولة لتبتعد عن الحرارة المرهقة...

وطبقة أخرى فقيرة ، يشبعها رغيف الخبز ، وتصبر على شمس الصيف الحارقة ، وكم تسعدها رحلة بسيطة بجانب الوادي.....

ولا فرق في ذلك كله بين أصحاب الخبرات والكفاءات وغيرهم من الناس ، فالمجتمع بأسره واقع تحت هذه الطبقية الظالمة ...

فإذا كان هذا الوضع المزري لا يروق لعامة أبناء الشعب فكيف عساه أن يروق لمن أصبح يفكر بعقلية قادرة على نقد الواقع والاحتجاج عليه ، بينما تبقى عاجزة عن تغييره .... أكيد أن هذه الكفاءة ستحاول البحث عن بديل آخر قادر على احترامها ، وتقدير كفاءتها .

وأقول باختصار شديد أن الأزمة الحقيقية التي تعانيها الأمة الإسلامية ليست أزمة اقتصادية أو سياسية أو فكرية أو ثقافية .. بل إن الأزمة والمحنة الحقيقية تكمن في ابتعادها عن دينها .. وهذا السبب الحقيقي الذي سبب لنا جميع تلك الأزمات في مختلف المجالات وجعل الأمة ذليلة مهانة بين دول العالم , لا تملك لنفسها أمرا ولا نهيا ..

وكان لنوال السباعي رأي في المحنة الحقيقية للأمة أذكره هنا  :

إن المحنة الحقيقية التي تعيشها بلادنا اليوم أكبر من محنة سياسية تتعرض إليها فئة من الناس في هذا القطر أو ذاك , إنها محنة عقول لا بد من إعادة تشكيلها , ومحنة قلوب تحتاج إلى مجاهدات عنيفة لتستعيد سلامتها وإخلاصها،ومحنة أرواح انغمست زمنا طويلا في معارك مضنية لتحصيل لقمة وجاه ومتعة .

إن محنتنا في أنفسنا هي محنتنا الحقيقية التي يجب أن نتحدث عنها , ونبحث عن الوسائل الناجعة لاجتيازها والتغلب عليها , بعد أن نضع أيدينا على مواضع جراحنا الحقيقية كلها دون أن نهمل واحدة منها , ودون أن نخشى في التدليل لومة لائم من أخ صديق أو رفيق صادق أو عدو لدود أو حاسد حاقد .

وأقول باختصار شديد أن الأزمة الحقيقية التي تعانيها الأمة الإسلامية ليست أزمة اقتصادية أو سياسية أو فكرية أو ثقافية .. بل إن الأزمة والمحنة الحقيقية تكمن في ابتعادها عن دينها .. وهذا السبب الحقيقي الذي سبب لنا جميع تلك الأزمات في مختلف المجالات وجعل الأمة ذليلة مهانة بين دول العالم , لا تملك لنفسها أمرا ولا نهيا ..

1- عدم توفر إمكانات البحث العلمي : الوطن العربي يعاني من انعدام إمكانات البحث العلمي مثل:

1- الجامعات والكليات والمعاهد التي تعنى بالبحث العلمي.

2- المعامل التي تمارس فيها التجارب العلمية

3- المختبرات بما تتضمنه من معدات وأجهزة وأدوات

4- التمويل اللازم لإجراء التجارب العلمية وإعداد المختبرات وتزويدها بالأجهزة والوسائل .

5- التمويل اللازم لدعم مراكز البحث العلمي ، والتشجيع المحفز لإعداد البحوث العلمية .

6- المرجعية العلمية والتي يعول عليها الباحث في تجاربه واختباراته سواء من حيث الخبرة أو الدعم أو التشجيع وتصحيح الأخطاء

7- الاهتمام بالكفاءات العلمية القادرة على إثبات وجودها وتشجيع قدرتها على الإبداع.

إذن عدم توفر جميع هذه الإمكانات المتعلقة بالمناخ العلمي من شأنه أن يؤثر على الباحث الذي يحتاج إلى ما يرقى بقدرته على الإبداع والابتكار والاكتشاف فسرعان ما تتحطم أحلامه في ظل انعدام جميع هذه الإمكانات ...

وفي المقابل نجد أن هذه الإمكانات موجودة وبكثرة في بلد المهجر، ويجد المواطن العربي أن هذه البلاد تسعى إلى احتضانه ،وتغريه بكل ما هو محتاج إليه ليبدع ويكتشف ، فلا يجد مناص من الهجرة إليها طالما أن وطنه غير قادر على توفير كل ما من شأنه أن يرقى بعقليته ويأخذ بيده إلى طريق الإبداع والاكتشاف.

الاضطهاد السياسي وكبت الحريات :

الاضطهاد السياسي وعدم الاستقرار السياسي لأسباب ثقافية أو دينية أو عرقية أو سياسية كان سببا فاعلا وبقوة في هجرة الكفاءات العربية

ولنضرب مثالا على ذلك :

نجد مثلا أن الكثير من الحركات الإسلامية لم تنشط ولم تستطع إثبات وجودها وتفعيل قدرتها على التغيير إلا بعد الهجرة

فالقمع السياسي الذي تمارسه أنظمة الحكم العربية والاستبداد السياسي، وعدم تكافؤ الفرص ، وانعدام الحقوق السياسية للمواطن العربي المتمثلة في حق الانتخاب والترشيح واختيار الحاكم ، ونظام الدولة ودستورها كل هذه عوامل تشجع الهجرة كما أننا نجد بأن الكثير من الكفاءات العربية هاجرت بسبب عدم انسجامها وتوافقها مع المناهج التي تتخذها أنظمة الحكم للإمساك بدفة الحكم ....

وبالطبع فإن هذه الحكومات يصعب عليها تغيير أيديولوجياتها أو منهجيتها في الحكم ، وتحاول وبقوة أن تقمع وتفتك بكل من تسول له نفسه المعارضة أو الاحتجاج ....

فلا تجد هذه الكفاءات العربية سبيلا غير الهجرة إلى دول أكثر التزاما بمبدأ تعدد الحريات وأكثر تقبلا للآخر مهما كان الحزب أو التيار الذي ينتمي إليه ...

وهكذا نجد أن عدم الاستقرار السياسي في الدول العربية ابتداء من الاضطهاد ، وانعدام الحقوق السياسية ، ومرورا بالاعتقال دون قوانين واضحة وكبت الحريات وختاما بالتصفيات الجسدية جعلت المواطن العربي وخاصة صاحب الكفاءة يفكر في الهجرة ويسعى إليها ...

ولا أدل على ذلك من مصر الشقيق فهو منذ 25 عاما يطبق قانون الطوارئ في البلاد فالسلطة لها الحق في اعتقال من تشاء وفي أي وقت تشاء دون محاكمة علنية وقوانين واضحة وهذا يفسر بالطبع وجود مصر في أول قائمة الدول التي تنزف كفاءات بأعداد رهيبة في تخصصات حرجة ودقيقة ..... وفيما حدث لمفكرها وأديبها سيد قطب أبلغ مقال وبعد أن عرضنا أهم ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في كثافة الهجرة، ورأينا كيف كان بالغ تأثيرها على المواطن العربي ، فجعلته يؤثر الغربة والبعد على البقاء

من المؤسف حقا أن تكون من بين ثمرات التخلف في قراءة الظواهر الاجتماعية تلك النظرة السلبية التي يراها البعض في الهجرة ويكتفي بها دون محاولة جادة للبحث عن جوانب أخرى أكثر إشراقا في القضية ...

فبقدر ما نعتبر الهجرة ظاهرة سلبية أفرزتها حالات التخلف والاستبداد السياسي بقدر ما تشكل رصيدا حضاريا ، ومخزونا تخصصيا ، وثقلا بشريا ، ووزنا سياسيا أيضا هذا بالطبع عندما تعيد تلك الأعداد المهاجرة قراءة ذاتها ، وتدرك رسالتها الإنسانية التي ينطوي عليها ديننا العظيم ، وتستوعب الدور الدعوي والحضاري الذي يمكن أن تقوم به في بلد آخر ...... فالمسلم لا يشعر بغربة في أي مكان كان فيه لأنه يعلم تماما العلم بأن أي أرض هي أرض الله ، وأنه مستخلف فيها ، مأمور بعمارتها والدعوة فيها إلى دينه الحق .

لذلك آثرت أن أذكر النواحي الإيجابية المشرقة لقضية الهجرة فقط ، لأن الجوانب السلبية هي أكثر من أن تحصى ولعل أهمها فقدان وطننا العربي لأعداد هائلة من الكفاءات سنويا بعد أن أنفق على تعليمها أموالا طائلة ....

ولكن بما أن الأمر حاصل ، والأزمة واقعة ، والهجرة مستمرة متزايدة ، ومن لم يهاجر يحلم بالهجرة ، فكان واجبا علينا أن نكون أكثر إيجابية في التعامل مع الحدث وأن نحاول الإفادة منه قدر الإمكان ....

- تبليغ دين الله تعالى ونشر الإسلام وتعاليمه :

لعل رسالة التبليغ التي ينبغي أن يحملها المسلم في قلبه هي من أهم الأهداف التي يسعى المسلم إلى تحقيقها من وراء هجرته ، لأن جميع النصوص الدينية جاءت تبارك الهجرة من أجل الدين وتحث عليه وتعتبرها من وسائل النضال والجهاد ، وكذلك هجرة النبي عليه الصلاة والسلام كانت عاملا حاسما لانتصار الدين وقوة شوكته ، ورسوخ قدمه .

ثم بعد ذلك تتابعت هجرات المسلمين إلى مشارق الأرض ومغاربها فكانت هذه الهجرات سببا في انتشار الإسلام واستقراره واستمراره حتى الآن ، وكانت هذه الهجرات أيضا سببا في التمازج الحضاري والثقافي وسببا مباشرا في وجود الحضارة الغربية الراهنة ...

- أننا إذا ما استنهضنا البعد الدعوي الرسالي في ظاهرة الهجرة ليصبح نشاطا فاعلا فإنه سيمتد بالدعوة الإسلامية بكل ما تحتويه إلى بلاد المهجر الغربي ..  وسيحدث نتيجة لذلك – كما أسلفت سابقا – نوعا من التمازج الحضاري ... كل طرف يعطي حسناته للأخر ، فالقيم الإسلامية وتعاليم ديننا الحنيف ومبادئه ستتعزز بما لدى الآخر من معارف كونية وإدارية واقتصادية  وإذا بتلك المعارف والنظريات لدى الغرب تتعزز وتأخذ البعد الإنساني من قيم ديننا الحنيف . وهكذا ....

وكل هذه الأمور تفضي في النهاية إلى مدخل هام من مداخل هذا التمازج الحضاري......... وهو تبليغ دين الإسلام وخيره العظيم إلى هؤلاء مع الإفادة مما لديهم قدر الإمكان ... فالإسلام دين عالمي موجه إلى الناس كافة ، دون نظر إلى زمان أو مكان ،و مع ذلك نجد أن كل فرد مكلف بتبليغ هذا الدين والدعوة إليه...........( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله)....

وكلما توفرت لدى الفرد المسلم الإمكانات المادية والمعنوية في الدعوة إلى الله كلما كانت الدعوة مسؤولية آكد وأثقل وأعظم ....

وعلى هؤلاء الدعاة أن لا يقفوا أمام الغرب موقف المبهور المصدوم بل عليهم أن يتفاعلوا مع هذه الحضارة وأخذ أحسن ما فيها وما يتناسب مع قيمنا ومبادئ ديننا الحنيف ( فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ) .

- وبما أننا أثرنا نقطة التبليغ لدين الله في بلاد المهجر أحببنا أن نذكر بعض الجوانب التي يمكن أن تحتويها هذه الدعوة وتكون الهجرة سبيلا إلى نقلها إلى بلاد الغرب الكافر وبالطبع فإن ديننا الحنيف هو عقيدة وخلق وسلوك وعمارة للأرض وتأمل في الكون كل هذه الأمور باستطاعة المهاجر تبليغها ونقلها إلى حيث يهاجر ويكون بذلك قد جعل هدفا ساميا لهجرته قبل كونها خروجا من حالات الاضطهاد والذل والاستبداد.

1- تبليغ العقيدة :

ويشمل هذا التبليغ الدعوة إلى الإسلام وعبادة الله تعالى وحده ، وتبليغهم التفسير المنطقي للوجود ، وقدرة الإسلام وتعاليمه وقيمه وما فيه من أنظمة قادرة على تنظيم الحياة وحل معضلاتها ، وفك أزماتها ، وقهر الخلل الذي يصيب المجتمعات التي تخلو من عقيدة إسلامية ....... وقدرة الإسلام على إيجاد الحلول المنطقية للكثير من القضايا التي أصبحت خطرا يهدد حياة هذه المجتمعات الكافرة ........

وهذا الضرب من التبليغ ينحو المنحى النظري وغالبا ما يكون عن طريق الحوار الفكري والفلسفي بين النظريات والمذاهب الموجودة عند الطرفين ....

2- تبليغ القيم والمبادئ الإسلامية:

والأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة التي دعا إليها الإسلام لتحكم وتضبط العلاقة بين الإنسان ونفسه وبين الإنسان وربه ، وبين الإنسان وكل ما هو حوله يكون هذا التبليغ عرضا حواريا نظريا .....

والأهم من ذلك أن يترجم المهاجر هذه المبادئ والقيم التي دعا إليها الإسلام إلى سلوك يعتمده في الحياة ومنهجا يسير عليه وبالتالي يكون هذا المهاجر قد عرض هذه القيم عرضا عمليا وذلك عن طريق التحلي بتلك القيم في التعامل مع الآخرين على جميع مستويات التعامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا ... بحيث تشكل تلك المبادئ والقيم واقعا يعيشه أهل الغرب مع هذه العقول المهاجرة ويشاهدون هذه القيم أنموذجا تطبيقيا في حياتهم ...

3- وهناك تبليغ لشيء آخر وهو بأن المسلم مطالب في دينه بعمارة الأرض

فعلى المهاجر أن لا يغفل هذه القضية وهي عرض الأنموذج الإسلامي في تعمير الأرض وذلك عن طريق التأمل في الكون والبحث فيه ، والاهتمام بالتكنولوجيا ، والعلوم الحديثة ، والاختراعات والابتكارات...  وبالطبع فإن هذا العرض الدعوي هو عرض تطبيقي عملي وإن كان يتبعه جانب الحوار والمناظرة....

4-نقل اختراعات الغرب وابتكاراته م إلى المسلمين :

لا شك أن هذه العقول المهاجرة استطاعت استيعاب التقدم التكنولوجي التي وصلت إليه البلاد الغربية بل واستطاعت أن تنتج فيه وتحرز قصبات السبق ..........

ولذلك فعلى هذه العقول المهاجرة أن تعي بأن هجرتها بالمعنى السياسي لا تعني أنها أنبتت عن الأمة الإسلامية عقيدة وحضارة وفكرا .........

فيتطلب منها الانتماء إلى هذه الأمة أن تقوم بدور رسالي آخر وهو إفادة البلاد الإسلامية بما توصلت إليه الحضارة الغربية من العلوم الكونية والاختراعات والتقنيات ، وذلك بنقل تلك المكاسب إلى المسلمين ، وتيسير سبل الاستفادة منها قدر الإمكان ، وإدخالها إلى حياتهم والترويج لها  بشرط أن تكون هذه العقول استطاعت استيعاب تلك المبتكرات والمخترعات بتفاصيلها وجزئياتها ، وأن تكون تلك التكنولوجي ا متناسبة مع قيم ديننا الحنيف وحضارتنا وقيمنا الأخلاقية ........

التوجهات التي يمكن أن نعول فيها على الكفاءات العربية المهاجرة :

1- الدفاع عن حقوق المسلمين لدى السياسيين

من المهم جدا أن تدخل هذه العقول المهاجرة لدى أصحاب القرار لتدافع عن حقوق المسلمين الذين يتحولون إلى جزء من كيان هذه المجتمعات الغربية ويجب أن تقوم بإقناع المسؤولين بضرورة تساوي فرص العمل كشرط أساسي من أجل أن يكونوا مواطنين فيها أو بمعنى آخر لتحقيق المواطنة في شتى الأصعدة والمجالات سواء كان في الجانب السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي  ففي الجانب الاجتماعي يجب إيجاد ظروف تضمن الكرامة ، وخاصة فيما يتعلق بالسكن والتعليم والعمل ، مع إلزامها بتجنب إقصاء هؤلاء المهاجرين بسب أصولهم العرقية أو الدينية تحقيقا لمبادئ الديمقراطي ة التي تنادي بها تلك الدول .....

وكذلك على المستوى الثقافي يجب أن يكون لهذه العقول المهاجرة أثر ووجود في صناعة الفكر والثقافة والقرار أيضا ، وإعطاءها حق التصدي لمن يسعى لتشويه صورة الإسلام وكذلك الرد على كل من يثير النعرات العرقية أو الطائفية وكذلك على المستوى السياسي من حيث إعطاء هذه العقول المهاجرة الحق في الترشيح والانتخاب والتصويت ، والحق أيضا في تكوين الأحزاب والمنظمات مهما كان التيار الذي تنتمي إليه..............

وإذا ما توفرت جميع هذه الحقوق للمسلمين المهاجرين ستكون هذه الكفاءات المهاجرة جسورا حضارية وثقافية ممتدة بيننا وبين الغرب ...........

2- محاورة أصحاب الثقافة والإعلام

ونقصد هنا المفكرون وأساتذة الجامعات والباحثون ، فإن إقناعهم بوجهة نظر الإسلام في الكثير من القضايا والمسائل يعتبر مكسبا عظيما ... محاولة من هذه العقول المهاجرة تصحيح الرؤى والتصورات المأخوذة عن الإسلام وخاصة إذا ما علمنا بأن هناك عدد من المعلمين والأساتذة من أصول إسلامية في المدارس والمعاهد الغربية .... فهذا يعتبر مدخل مهم لتصحيح التصورات والمفاهيم  ولكن لن يتم ذلك حتى تكون هذه الكفاءات مستوعبة للدين الإسلامي وللتصور الإسلامي في جميع القضايا المطروحة والمختلف عليها بيننا وبين الغرب.

أما بالنسبة للإعلام فعلى هذه العقول المهاجرة أن تركز على القضايا الحساسة لتكون المدخل للحوار مع الإعلاميين مثل قضية الشرق الأوسط وأبعادها المختلفة أو العولمة وهيمنتها على العالم بأسره ، أو الصحوة الإسلامية وغيرها من القضايا  ولكن بشرط أيضا أن تكون هذه العقول المهاجرة قد استوعبت وأدركت العوامل الفكرية والسياسية التي تؤثر ولا زالت على الإعلام الغربي  واكتفي بهذا القدر وآمل أن تكون الصورة والفكرة قد وضحت لكل من قرأ وتابع ........ فإنه وبأي حال من الأحوال يجب أن نتعامل مع الأمور بإيجابية وننظر للهجرة على أنها ذات أبعاد حضارية وثقافية محضة  .

وليعلم هؤلاء المهاجرون بأنهم مكلفون بحمل أمانة تبليغ الدين كما نزل دون غلو وإفراط ، ودون تساهل وتفريط ، وعليهم أن لا ينغمسوا في الحضارة الغربية حتى الذوبان والانصهار في بوتقتها القذرة بفعل الظروف المحيطة بهم بل عليهم أن يكونوا كيانا مستقلا فاعلا قادرا على إثبات وجوده ومدى فاعليته في دفع عجلة الحياة إلى الأفضل....

ولا نقول لهم سوى حفظكم الله وردكم إلى أوطانكم سالمين غانمين وعسى أن تتبدد وتنقشع تلك السحب السوداء التي أظلتكم فتركتم على أثرها الأهل والوطن .....

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:majarra