التعليم العراقي
في ظل العولمة.. الأهداف والسـياسـات
المهندس صارم
الفيلي
لقد أثبتت المعطيات الواقعية أن
زيادة فاعلية وكفاءة رأس المال البشري لا تقل أهمية في تحقيق التقدم عن
وجود الثروة الطبيعية ونستطيع أن نجد بسهولة أمثلة كثيرة لدول حققت
قفزات نوعية في مجال التنمية لكونها تمتلك العناصر البشرية النوعية في
فاعليتها, كما أثبت الواقع ايضا تخلف بلدان أخرى عن ركب التقدم العالمي
رغم إمتلاكها لكم هائل من الثروات الطبيعية مع الإفتقار الى الثروة
البشرية المتمثلة بالملاكات القادرة على التفاعل الإيجابي مع متغيرات
العصر .
وهكذا اصبح مفهوم التنمية يتعدى
الجوانب المادية المباشرة ليمتد إلى الصحة والتربية والتعليم والبيئة
والقيم الإيجابية التي تسود في مجتمع معين مثل التفاؤل بالمستقبل
والدقة والتنظيم وإحترام الوقت .. لدرجة تم ربطها عضويا بمفهوم الأمن
القومي ويصنف التعليم والتعليم العالي بوجه خاص كعنصر متقدم على غيره
في تحقيق هذا المفهوم , كونه القاعدة الاساسية لتحديث المجتمع وتحقيق
الطموحات القومية في الارتقاء لمستوى استيعاب متطلبات العصر وتحقيق
المنافسة الحضارية مع المحيط الإقليمي على الأقل. وذلك في ظل مناخ
العولمة بفضاءاتها المفتوحة لحركة المنتوجات والمعلومات وحتى الكفاءات
البشرية في عالم لم يعد فيه مكان للعزلة , ما جعل التمايز بين الشركات
العابرة للدول والقارات في إمتلاك الملاكات عالية القدرة على المبادرة
والإبتكار والإبداع , والتي تنعكس إيجابا على قدراتها التنافسية في
انتاج السلع وتنفيذ المشاريع المتطورة . وهنا أريد ان أسجل موقفي
المؤيد للصحافة الوطنية- الممولة من المال العام - إذ تفتح حوارات
مجتمعية حول مفاصل بالغة الأهمية كالتعليم وهذا هو في الواقع جزء مهم
من رسالة الإعلام والصحافة في إشراك الآراء المتباينة بشأن القضايا
الحيوية للنهوض بالواقع المجتمعي, وتوسيع وتعميق المشاركة في الهم
الوطني وما له من أثر في ترسيخ مفهوم الولاء والإنتماء .
الهدف المركزي للتعليم العالي هو
استثمار أمثل للعقول التي ستنهض لبناء المجتمع , و يرتكز مقياس تقويم
المؤسسات الجامعية على القدرة في إنتاج خريج مؤهل وفق المواصفات
المقبولة على المستوى الدولي وفي مختلف إتجاهات المعرفة , والتجاوب مع
حاجات المجتمع الآنية والمستقبلية بما تنتجه من بحوث ودراسات تلامس
الواقع الانتاجي والخدمي العام وسوق العمل الخاص , وتكون في الوقت ذاته
عامل تطوير وارتقاء لكل الواقع المجتمعي من خلال ماتقدمة من حلول
لمشاكل التنمية.
وللوصول إلى الأهداف المنشودة يجب
الأخذ بسياسة تعليمية شاملة تنطلق من الواقع الفعلي وتتحرك في مسارات
الهيكل المؤسسي للتعليم العالي والمتمثل بالأستاذ - الطالب -البنية
التحتية المادية - إدارة , وبتناغم هذه العناصر يتحقق الإستغلال الأمثل
لها في إنطلاقها لتحقيق الأهداف التعليمية والبحثية ثم تأتي
مرحلة دراسة النتائج وفق مقاييس تنسجم مع الأهداف الموضوعة مثل قدرة
الخريجين على التنافس في سوق العمل وثقافتهم العامة التي تساعد في
استقراء جيد للواقع الموضوعي , وعند وجود ضعف أو قصور في العملية يتم
اجراء تغييرات مدروسة على المدخلات ومراقبة التنفيذ المرحلي وتقييم
النتائج والمخرجات مرة ثانية وفي ضوء الأهداف المحددة .
من هنا يتبين إن سياسة التعليم
العالي يجب أن تكون تراكمية تبنى الحلقة اللاحقة على الحلقات السابقة ,
ولابد إذن أن تكون أيضا سياسة متفقة عليها من قبل الدولة والمجتمع ,
وأن لاتخضع خطوطها العامة بإستمرار لأفكار متغيرة بتغير القيادات
الإدارية العليا في المؤسسة التعليمية وابتداء بالوزير فالجامعات
والمؤسسات التعليمية الأخرى تقع في المساحة المشتركة لتفاعل الدولة
والمجتمع فتتأثر بالإثنين وتؤثر فيهما ما يجعل مهمتها بالغة الأهمية
وبالغة التعقيد ايضا , لذا واجب تمكينها يرتقي إلى قضية أمن قومي كما
ذكرنا سابقا .
والسقف الأدنى لمسؤولية الدولة يبدأ
من تأمين الموارد المالية من الميزانية لقطاع التعليم العالي بإعتباره
قطاع خدمات عامة تعود فائدتها على المجتمع ككل , ويرتفع سقف المسؤولية
ليصل إلى ضرورة إطلاع مؤسسات التعليم العالي للقادم من إحتياجات الدولة
من الموارد البشرية في المجالات الضاغطة والمتمثلة بالإعمار والطاقة
والتكرير والصحة وغيرها, وتحديد مواصفات المنتج البشري المطلوب للنهوض
بمهام المرحلة القادمة .
وأن تربط نسبيا حجم دعمها للجامعات
المختلفة بمؤشرات المنافسة في نوعية الخريجين واهمية الأبحاث المقدمة
منها والمستجيبة للحاجات التنمويةالآنية والمستقبلية على صعيد العراق
بشكل عام والمناطق التي توجد فيها على وجه التخصيص وفي عصر
التطور المتسارع للتكنولوجيا يكون دور الدولة العراقية مركزيا في توفير
فرص لأساتذة الجامعات للإطلاع على الخارج والإحتكاك في المجال العلمي
والتكنولوجي في إطار إبرام إتفاقات دائمة للتعاون العلمي مع الدول
المتقدمة . وبمقدار إرتباط التعليم العالي بالتعليم الثانوي تأتي ضرورة
إعداد الطالب من المراحل قبل الجامعية على التفكير المنطقي وإكسابه
مهارات الإدراك والتحليل بعيدا عن التلقين والحفظ ليواصل في المراحل
الجامعية والدراسات العليا السير في طريق الإبداع والإبتكار في بيئة
يتراجع فيها حجم البنى التعليمية والبحثية التقليدية لصالج بنى الذكاء
الصناعي .
وفي الإطار الأشمل علينا التوفر على
هيئة للنوعية والجودة - مرتبطة مباشرة برئاسة الجمهورية أو رئاسة
الوزراء - تتعدى دائرة المنتج المادي إلى المنتج البشري النوعي في
المجالات المعرفية المختلفة , وتتولى التخطيط الستراتيجي للواقع العلمي
والصناعي والزراعي ومساحات التفاعل بينهما, وتأطير الحراك العلمي العام
لضبط إيقاع فعالياته المختلفة ومراقبة أدائها ما يضبط الفاعلية الدائمة
لها ويؤمن إمكانية التوفر على سيطرة ذكية مستقبلية على الأدوات المادية
والبشرية .
وتكون من ضمن مهام الهيئة المقترحة
وضع معايير قوية للأداء والترقية في الميادين المختلفة بما فيها ميدان
ترقية أعضاء هيئة التدريس في الجامعات وتقييم البحوث على اسس حديثة
تتناسب مع اهداف المؤسسات التعليمية وتستجيب ايضا للمعايير الدولية
المتطورة أما دور المجتمع في تطوير التعليم العالي يأتي من خلال
القدرة على إستيعاب أمثل للمنتج التعليمي البشري وتنميته بصورة مستمرة
ما يعود بالفائدة لمؤسسات القطاع الخاص في تحقيق منافسة حقيقية مع
مايدخل من منتج مادي اقليمي أو دولي .
وهكذا نجد هناك مصلحة للشركات الخاصة
في دول العالم لدعم الجامعات ورعاية المتفوقين من طلبتها اثناء المراحل
الدراسية تمهيدا لضمهم لقوى العمل لاحقا , وتجري الكثير من المؤسسات
الخاصة بحوثا مشتركة مع الجامعات في مجال اشتغالها لتطوير النظم وتحسين
أداء الوحدات العاملة.
و كل
ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر:جريدة الصباح-29-10-2007
|