القرار النووي الإيراني : من مرحلة خاتمي ـ روحاني الى عهد نجاد ـ لاريجاني

 

 

مصطفى اللباد

 

المؤسسات الإيرانية التي تمتلك القرار النووي وآلية عملها

يجسد الملف النووي طموح إيران إلى لعب دور إقليمي، في مرحلة فارقة من تاريخ المنطقة الحديث؛ إذ يختصر عنوان مواجهة طهران للغرب، ويلخص جوهر القضية الرقم واحد على الأجندة الدولية حالياً.

ينشغل هذا المقال بالإجابة عن سؤال يبدو فائق الأهمية في سياق التطورات الجارية وهو: من يمتلك قرار إيران النووي؟ وتتطلب الإجابة استعراض خبرات إيران التفاوضية مع الغرب، وإلقاء الضوء على هيكلية «مجلس الأمن القومي الإيراني» الذي يدير الأزمة النووية منذ المفاوضات الإيرانية - الأوروبية عام 2003، وصولاً إلى تعيين الاختلافات في الآليات والأولويات التي اعتمدتها طهران لصناعة قرارها النووي في مرحلة خاتمي/روحاني السابقة، ومرحلة نجاد/لاريجاني الحالية. لا تمثل المرحلة الحالية من إدارة الملف النووي الإيراني قطيعة مع المرحلة التي سبقتها، ولا حتى تغييراً راديكالياً يستند إلى دوافع أيديولوجية مغايرة، وإنما استمراراً منطقياً لها. ويكمن الاختلاف الأساسي بين المرحلتين في صعود الحضور الإقليمي لطهران بعد احتلال العراق، والذي أفضى إلى تغيير التكتيكات التفاوضية الإيرانية وآليات صناعة القرار النووي فيها بالترافق مع وصول نجاد إلى رئاسة الجمهورية.

عاصرت «جمهورية إيران الإسلامية» تغيرات جيوبوليتيكية عميقة في جوارها الإقليمي خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، حيث تشكلت خمس دول جديدة على حدودها الشمالية إثر انهيار الاتحاد السوفياتي بداية التسعينات. كما أدى احتلال أفغانستان 2001 على حدودها الشرقية وما تلاه من احتلال العراق عام 2003 على حدودها الغربية، إلى تغييرات جذرية في بنية المنظومة الإقليمية المحيطة بإيران.

وعلى رغم التحولات العاصفة على حدودها وقدراتها على استثمار التناقضات في المنطقة لتعظيم مصالحها الوطنية، لم تزد التجربة التفاوضية لإيران بعد الثورة - مع كل ذلك - عن تجربتين فقط.

تمثلت التجربة الأولى في المفاوضات عبر وسطاء مع واشنطن عقب أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران عام 1980، وتجلت الثانية في المفاوضات مع النظام العراقي السابق عقب انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية عام 1988.

لذلك مثلت المفاوضات مع الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) أهم تجربة تفاوضية في تاريخ إيران الثورية، التي اختبرت للمرة الأولى في تاريخها مفاوضات على درجة عالية من التعقيد تتشابك فيها الإبعاد السياسية والقانونية مع مثيلاتها التقنية والأمنية. وقتذاك ظهرت خلافات بين وزارة الخارجية والوكالة الإيرانية للطاقة الذرية حول قضايا أساسية ثلاث هي: مسؤولية إدارة المفاوضات، السياسات الواجب إتباعها في فترات المفاوضات المختلفة، وتحديد الأولويات التفاوضية.

وكشف كبير المفاوضين الإيرانيين السابق حسن روحاني أن هذه الخلافات تفاقمت عند طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية السماح لها بتفتيش المنشآت النووية. وإذ قللت الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية من أهمية الطلب، قدرت وزارة الخارجية الأمر في شكل أكثر خطورة.

باختصار، لاحظت طهران أن تعقيد المفاوضات وأهمــــيتها يتــــطلبان تمثيلاً رسمياً رفيع المستوى، وليــــس الاكتــــفاء بالوكــــالة الإيرانية للطاقة الذرية التي تولت وحدها المفاوضات. من وقتها لم يبق عنوان القرار النووي الإيراني مقتصراً على مقر وكالة الطاقة الذرية المعروف في شارع كاركر (أكبر شوارع طهران والذي يمتد من جنوبها عند محطة المترو وحتى الشمال في أمــير آباد).

وفي منتصف العام 2003 تم لأول مرة في تاريخ البرنامج النووي الإيراني تحويل اختصاص التفاوض عليه إلى «مجلس الأمن القومي الإيراني»، في شكل ألحق الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية كمجرد شريك أصغر في عملية أكثر تشابكاً تتوارى فيها الأبعاد التقنية والقانونية خلف الاعتبارات السياسية والأمنية.

مجلس الأمن القومي الإيراني

ورث «مجلس الأمن القومي» صلاحيات سلفه، «المجلس الأعلى للدفاع الوطني»، الذي تأسس عام 1979 وفقاً للمادة 110 من الدستور الإيراني بعد انتصار الثورة، وتكون وقتذاك من سبعة أشخاص هم: رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس الأركان، القائد العام لقوات الحرس الثوري، واثنان من مستشاري مرشد الجمهورية. وبعد تعديل الدستور الإيراني عام 1989؛ ليتوافق مع التغيير في قمة هرم السلطة بعد وفاة الإمام الخميني وتولي السيد علي خامنئي قيادة الثورة، فقد تغيرت وضعية المجلس أيضاً. ويعود السبب في ذلك إلى أن المرشد يتربع على قمة السلطة في «جمهورية إيران الإسلامية» حائزاًً صلاحيات دستورية وتنفيذية تستعصى على الحصر. وهكذا، لم يتعدل فقط اسم المجلس في الدستور الجديد ليصبح «مجلس الأمن القومي»، بل توسعت صلاحياته وعدد الأعضاء فيه، ومن وقتها أضيف إلى الأعضاء كل من: رئيس السلطة القضائية، رئيس مجلس صيانة الدستور، وزير الخارجية، وزير الاستخبارات، وزير الداخلية، ووزير المال (رئيس لجنة الخطة والموازنة).

ويهيمن مرشد الجمهورية على المجلس عبر صلاحياته الدستورية التي تمنحه حق تعيين سكرتير المجلس، وتجعله متحكماً في تحديد غالبية الأعضاء. كما أن المرشد هو الجهة الوحيدة التي تمنح للمجلس القدرة على تنفيذ القرارات التي يتخذها، إذ يشترط الدستور الإيراني موافقته على قرارات المجلس لتصبح سارية المفعول.

ويملك «مجلس الأمن القومي» التصويت على قرارات الدولة المصيرية، وفي شكل يفوق بأشواط الصلاحيات الدستورية الممنوحة للبرلمان الإيراني، لذلك فالمجلس يشبه «برلماناً أعلى» إن جاز التعبير.

تدير هذه المجموعة من الأشخاص ملف إيران النووي وتملك قراره - بنصيب متفاوت من الصلاحيات -، وتنفذ توجيهات المرشد في هذا الصدد.

بمعنى آخر يصنع مكتب مرشد الجمهورية التخطيط الإستراتيجي للقرار النووي، في حين ينفذ «مجلس الأمن القومي» خطة الإدارة والتنفيذ.

ولم تتغير هذه القاعدة الأساسية في المرحلتين التفاوضيتين اللتين خاضتهما إيران، سواء في عهد خاتمي/روحاني أو مرحلة نجاد/لاريجاني، لكن آليات صنع القرار على مستوى «مجلس الأمن القومي» هي التي تغيرت بالتناسب مع التغير الطارئ على المواقع التفاوضية والظروف الإقليمية والدولية.

آليات صنع القرار النووي في مرحلة خاتمي - روحاني

يستند تحليل استراتيجيات إيران التفاوضية وآليات صنع قرارها النووي في مرحلة خاتمي روحاني على تصريحات متعددة لكل منهما، فضلاً عن ورقتين مفصلتين كتبهما حسن روحاني حول الموضوع. نشرت الأولى في عنوان «وراء التحديات التي تواجه إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في الملف النووي»، في دورية «راهبرد»، أيلول (سبتمبر) 2005، الصادرة عن مركز الدراسات الإستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران. أما الورقة الثانية فكانت بعنوان «نشاطاتنا النووية الســــلمية وتعاطينا البناء مع العالم»، نشرت في دورية «ناشيونال انتيرست» الأميركية، شتاء 2005. وطبقاً لما كشف روحاني لاحقاً، أسفر الاجتماع الأول لمجلس الأمن القومي الإيراني بعد تحويل مسؤولية إدارة الملف النووي إليه في منتصف 2003، عن تشكيل هيكلية لصنع القرار من أربعة مستويات متدرجة الأهمية من الأسفل للأعلى، كالتالي:

أولاً: شعبة القضايا التقنية والمفاوضات، يرأسها نائب وزير الخارجية المختص،

ثانياً: شعبة القضايا الأمنية وتشابكاتها السياسية، يرأسها سكرتير مجلس الأمن القومي،

ثالثاً: الشعبة الوزارية المشكلة من الوزارات المعنية للتنسيق مع مجلس الأمن القومي،

رابعاً: لجنة صنع القرار النهائي، التي تتلقى تعليماتها من مكتب المرشد مباشرة. وأوكل المجلس مهمة التنسيق بين المستويات الأربعة إلى سكرتيره المتمرس حسن روحاني، الذي ترأس المجلس منذ عام 1999، باعتباره ممثلاً للمرشد في المجلس ومحل ثقته.

والملاحظ في آلية صنع القرار المذكورة أنها، وإن رسمت على قياس المفاوضات مع الأوروبيين، إلا أنها كــــانت أكثر تعقـــيداً من تلك التي اعتمدت على التنســـيق فقــــط بيــــن وزارة الخارجية ووكالة الطاقة الذرية الإيرانية. ألحقت الجهتان - وفقاً لآلية صنع القرار الجديدة - بالمجلس كلجنتين من أربع لجان، بعد أن نزعت عنهما سلطة اتخاذ القرارات التفاوضية وحصرت صلاحياتهما في تقديم المشورة التقنية فقط.

وهكذا أصبح «مجلس الأمن القومي» المرجعية التفاوضية للملف النووي، بكل ما يتطلبه ذلك من استحواذ القرار النووي، وتبنت إيران إستراتيجية هدفها تأخير التحويل الى مجلس الأمن أطول فترة ممكنة، على ما كشف روحاني.

والمثير هنا هو المعنى المضمر في هذه الإستراتيجية، والذي يعني أن طهران كانت تعلم مسبقاً بأن المفاوضات مع الأوروبيين لن تمنع تحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن. ويقود ذلك المعنى المضمر إلى نتيجة أكبر، وهي أنها ارتأت استثمار المفاوضات لكسب الوقت وتحصيل أكبر قدر من المكاسب التقنية، على خلفية التناقض في مصالح الأقطاب الدولية.

كان المفاوض الإيراني على علم بالتناقضات الواقعة بين المحاور الدولية الأربعة: أوروبا وأميركا وروسيا والصين، على رغم تشاركهم جميعاً في هدف منع إيران من حيازة برنامج نووي. وإذ تمثل الهدف الأميركي في تحويل طهران إلى مجلس الأمن، بغية استهداف النظام وإن رضخ في الملف النووي، فقد تناقض هذا الهدف مع المصالح الأوروبية التي لا تتعزز بالضرورة عند إطاحة النظام الإيراني وإحلال نظام موال لواشنطن بدلاً منه. كما أن المصالح الأوروبية في إيران ترتكز على اعتبارها مورداً محتملاً للغاز ومنفذاً إلى الأسواق الآسيوية، فضلاً عن رغبة الدول الأوروبية في الاستحواذ على نسبة كبيرة من السوق المحلية الإيرانية.

وعرض الأوروبيون ضم إيران إلى منظمة التجارة العالمية وفتح الأبواب للاستثمارات كي تتدفق عليها، في مقابل توقفها عن تخصيب اليورانيوم. لكن عنصرين لعبا دوراً في رفض طهران العرض الأوروبي، وتمثل الأول في تقدير طهران أن هذا العرض لا يجلب لها فوائد مباشرة، بل سيستغرق وقتاً طويلاً في المفاوضات حوله. وتلخص العنصر الثاني في رغبة طهران بالمضي قدماً في التخصيب لتحسين مواقعها التفاوضية.

وتشاركت روسيا وأوروبا في محاولة ثني إيران عن امتلاك دورة الوقود النووي، وأرادت كل منهما تصدير دورة الوقود إلى إيران لجني فوائد اقتصادية.

وبالتوازي مع كل ذلك راهنت إيران على الصين، لتفتح من طريقها ثغرة في جدار مجــــلس الأمن الذي عرفت أنها ستحول إليه في فترة لاحقة. ولتعزيز فرص المراهنة، أبرمت طهران اتفاقات تعطي مزايا اقتصادية وسياسية لبكين، لحضها على استعمال حق الفيتو (النقض) في مجلس الأمن ومنع استصدار قرار يتضمن توجيه ضربات عسكرية إليها.

وعلى صعيد إدارة العلاقات الدولية خارج مجلس الأمن، اقترح روحاني، لكسر الحصار الدبلوماسي المفروض على بلاده، إشراك جنوب أفريقيا والبرازيل في مفاوضات إيران مع الأوروبيين. ويستند الاقتراح إلى حقيقة أن الأخيرتين متهمتان أيضاً بتطوير دورة الوقود النووي، ولهما مصلحة بالتالي في عدم معاقبة إيران، خصوصاً في ضوء عدم قربها الجغرافي منها وعدم تشكيل البرنامج النووي الإيراني أي خطورة وشيكة عليهما.

وافقت إيران على تجميد - موقت ومشروط - لنشاطاتها النووية؛ في مقابل تعهد الأوروبيين البقاء في مفاوضات مع إيران، حتى التوصل إلى حل دائم يحقق فوائد اقتصادية وتكنولوجية لطهران. لكن هذه الفوائد كانت مشروطة بفرض رقابة صارمة على برنامجها النووي، في شكل يضمن بقاءه تحت مستوى امتلاك دورة الوقود النووي. واللافت أن إيران توقفت بالفعل عن نشاطاتها، ولكن، في المجالات التي حققت فيها تقدماً تقنياً فقط، في حين رفضت التجميد في المجالات التي لاقت صعوبة فيها.

وهكذا تم تشييد وتشغيل منشأة أصفهان النووية أثناء المفاوضات، في مثال نادر على قدرات إيران في كسب الوقت، ويبلغ هذا الاستنتاج ذروة كفايته المنطقية بملاحظة التطور في عدد أجهزة الطرد المركزي التي تملكها إيران.

امتلكت إيران عند بدء المفاوضات مع الترويكا الأوروبية 164 جهازاً للطرد المركزي، وعند نهاية 2004 كان لدى إيران 500 جهاز تعمل بأقصى طاقتها، ولدى خروج روحاني من منصبه عام 2005 تمكنت إيران من امتلاك ألف جهاز، والآن في عام 2007 تشغّل إيران ثلاثة آلاف جهاز بأقصى طاقتها.

لم تملك إيران خياراً أخر سوى ترك المفتشين الدوليين ليدخلوا منشآتها النووية، للتدليل على الطابع السلمي لبرنامجها النووي وهو شرط استمرار المفاوضات، ويقول روحاني: «همنا كان رسم صورة كاملة لنشاطاتنا النووية السابقة من دون أن يتم تحويلنا إلى مجلس الأمن. لم نكذب لكننا أعطينا بعض المعلومات متأخرين».

حرصت إيران طيلة الفترة الممتدة من 2003 وحتى 2005 على التأكيد في كل مناسبة على الطابع الطوعي والموقت لتوقفها عن تخصيب اليورانيوم، الذي ربطت طهران العودة عنه بشرطي وصول المفاوضات إلى طريق مسدود وعدم الاعتراف بحقها في امتلاك دورة الوقود النووي، وهو ما حدث بالفعل بعد تولي نجاد رئاسة الجمهورية. أوقفت إيران التخصيب عند مرحلة تقنية تسمح لها بالعودة إليه والوصول إلى مستوى 3.5 في المئة في غضون شهور قليلة. وكان معروفاً أن «الدولة التي تستطيع تخصيب اليورانيوم الى مستوى 3.5 في المئة تستطيع أيضاً الوصول إلى مستوى 90 في المئة»، ويخلص روحاني إلى نتيجة تكشف الهدف النهائي لمرحلة خاتمي/روحاني التفاوضية «ساعتها سيتغير الوضع وسيتعين على العالم الاعتراف لإيران بالقدرة على امتلاك دورة الوقود النووي، فالعالم لم يرغب في امتلاك باكستان القنبلة أو امتلاك البرازيل دورة الوقود النووي، لكنه كان مضطراً للتعامل مع هذه الحقائق».

وتكشف التكتيكات الإيرانية أن المفاوضات أفادت في النهاية البرنامج النووي الإيراني ولم تبطئ سيره، كما تظهر الأحداث التي توالت بعد ذلك أن إيران كانت دقيقة في تقديراتها الموقف الدولي آنذاك الذي لم يسمح لها بأكثر من التوقف تماماً قبل وصولها الى مرحلة امتلاك دورة الوقود النووي الكاملة.

آليات صنع القرار النووي في مرحلة نجاد - لاريجاني

يمكن تصور أن تعديلاً قد طرأ على الأولويات النووية الإيرانية بسبب تحسن مواقعها التفاوضية، واختلاف الظروف الإقليمية والدولية. وفي حين توارت ابتسامة خاتمي وحوار الحضارات اللذان استهدفا الشريك التفاوضي الأوروبي، حلت محلها عملية تسخين مكثفة تتوجه إلى منطقة تضج بالمظالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ويسمح هذا التسخين لإيران بتغطية تمددها الإقليمي المتعاظم من معبر خانقين شمالاً وحتى غزة جنوباً، ومن ثم استثمار هذا التمدد في إدارة ملفها النووي.

ويعود ذلك التحول إلى تقدير القيادة الإيرانية أن العودة إلى تخصيب اليورانيوم حتى الوصول إلى امتلاك دورة الوقود النووي، ستؤدي لا محالة إلى تحويل الملف الى مجلس الأمن. ويزيد من أهمية امتلاك دورة الوقود النووي في العيون الإيرانية حقيقة وجود عدد محدود من الدول التي تمتلك طاقة نووية، لكن معظمها لا يملك دورة وقود نووي، أي القدرة على تخصيب اليورانيوم ذاتياً. وعوضاً عن خسارة الأوروبيين كشريك تفاوضي، والعقوبات الاقتصادية المتدنية السقف في مجلس الأمن، تستطيع إيران التفاوض من جديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن من موقع امتلاك دورة الوقود النووي.

ويزداد الموقع الأخير قوة على قوته التفاوضية بدمجه مع الحضور الإقليمي لطهران في المنطقة، في صورة تسمح لها بتنفيس الضغوط الدولية التي تمارسها وترعاها الولايات المتحدة، وبطريقة أصبحت إدارة الملف النووي الإيراني مرتبطة بالتطورات الإقليمية على نحو منهجي ومترابط.

بعد نجاح نجاد في انتخابات رئاسة الجمهورية وما استتبعه من تغيير في سكرتارية مجلـــس الأمن القومي، بدأت طهران الإعلان عن العودة إلى تخصيب اليورانيوم – على خـــلفية الورطة الأميركية في العراق-، وعلى أساس أن توقفها عن التخصيب كان طوعياً وموقتاً. ثم أعلنت طهران عن نجاحـــها في الوصول إلى مستوى تخصيب يبلغ 3.5 في المئة. ومثلت لحـــظتان متلازمتان قمة الصعود الإقليمي الإيراني، الأولى صمود حزب الله في مواجهة الآلة الحربية الإسرائيلية أثناء حرب لبنان 2006، والثـــانية إعلان طهران امتلاكها دورة الوقود النووي الكاملة، والتي وصفها الرئيس نجاد بأنها تعني «الانضمام إلى النادي النووي».

يمكن تصور أن آليات صنع القرار النووي في إيران تعدلت لتواكب المزايا المتحققة من ازدياد القدرات التقنية النووية وطفرة الحضور الإقليمي، لتوازن في النهاية الضغوط الدولية المتزايدة عليها. ويستتبع ذلك منطقياً أن تبنى الآليات الجديدة لصنع القرار النووي على ما تحقق في المرحلة التي سبقتها، لكنها ستتعقد أكثر لدمج الإيقاع الإقليمي في عملية التفاوض النووي.

ويتوقع تبعاً لذلك أن تقترب آلية صنع القرار النووي الإيراني من النموذج المفترض التالي.

أولاً: لجنة القضايا التقنية والمفاوضات، تضم وزير الخارجية منوشهر متكي، ورئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية غلام رضا أغا زاده، ومنسق مجلس الأمن القومي الإيراني جواد وعيدي، ومعاون الوزير للشؤون القانونية والدولية عباس عراقجي، وممثل إيران الدائم في الأمم المتحدة جواد ظريف، ورئيس وفد إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي أصغر سلطانية، ووزير الطاقة برويز فتاح.

ثانياً: لجنة القضايا الأمنية وتشابكاتها السياسية، تضم سكرتير مجلس الأمن القومي علي لاريجاني ورئيس أركان القوات المسلحة عطاء الله صالحي، وزير الداخلية مصطفى بور محمدي، وقائد الجيش محمد حسين دادرس، وزير الدفاع مصطفى محمد نجار، ومسؤول المكتب الأمني الخاص للمرشد أصغر حجازي.

ثالثاً: لجنة التنسيق والمتابعة، يرأسها علي لاريجاني وتتابع عمل الوزارات المعنية بالملف. (وزارة الاستخبارات، وزارة الخارجية، وزارة العلوم والتكنولوجيا).

رابعاً: لجنة الرئاسة: تضم محمود أحمدي نجاد، وبرويز داودي نائب الرئيس، ورئيس لجنة الموازنة فرهاد رهبر، ودور اللجنة هامشي صرف. ولا يملك هذا الفريق صلاحيات حاسمة، بل يشهد في أحيان كثيرة تحجيماً وتصعيداً للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، على قياس التطورات الإقليمية.

لذلك يبدو دور الرئيس نجاد منحصراً في منافسة علي لاريجاني على إعلان المواقف التفاوضية والنجاحات التقنية، ولكن في فترات التصعيد فقط، في حين يتوارى في فترات التهدئة.

خامساً: لجنة الشؤون الإقليمية، تعنى بالتطورات في الإقليم وخصوصاً في العراق وسورية ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، للتوصية بالإيقاع الواجب اعتــــماده في المــــفاوضات على هدي التطورات الإقليمية.

وتضم اللجنة قائد استخبارات الحرس الثوري، وقائد فيلق القــــدس بالحــــرس الثوري، ومعاون وزير الخارجية للشؤون العربية والافريقية الذي يترأس لجنة العراق في وزارة الخارجية، ومجموعة من خبراء الشؤون العربية الإيرانيين وسفراء إيران لدى الدول العربية.

سادساً: لجنة صنع القرار النهائي، تتكون من المرشد علي خامنئي، محمدي غولبايكاني مدير مكتب المرشد، ومسؤول المكتب الأمني الخاص للمرشد أصغر حجازي، وزير الاستخبارات محسني إيجئي، قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، رئيس البرلمان غلام رضا حداد عادل، رئيس السلطة القضائية محمود هاشمي شهرودي، سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس الخبراء ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام.

لا يكمن الاختلاف بين روحاني ولاريجاني في موسيقى النصف الأول من اسميهما، ولا حتى في تباين وجهات النظر حول إستراتيجية التفاوض الإيرانية؛ بل في اختلاف المراحل التفاوضية. الأول هيأ الأساس التقني والشروط التفاوضية الملائمة؛ والثاني- في لحظة تاريخية مواتية- أعلن العودة إلى التخصيب وأطلق «النجاحات النووية» واحدة تلو الأخرى ليضغط على الأطراف المتفاوضة.

وبتحقيق الهدف المرحلي المتمثل في امتلاك دورة الوقود النووي، تضغط طهران على الأطراف الدولية بعامل الوقت أيضاً، لأن المسافة بين امتلاك دورة الوقود النووي والإمكانية النظرية لامتلاك القنبلة يمكن تجسيرها بقرار سياسي. وما تأكيد نجاد المستمر على نجاح إيران في امتلاك دورة الوقود النووي إلا رسالة إلى أميركا، مفادها أن مرحلة منع بلاده من تخصيب اليورانيوم بالمفاوضات قد ولت. وفي مقابل دقة التقديرات الإيرانية في مرحلة خاتمي/روحاني، تبدو حسابات طهران في مرحلة نجاد/لاريجاني معتمدة على تقدير منطقي لكنه يقوم على رهان غير مؤكد.

يتلخص التقدير المنطقي في أن المفاوضات المقبلة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية ستؤدي إلى تقبل الوكالة امتلاك إيران دورة الوقود النووي الكاملة، لكن هذا التقدير المنطقي يقوم – للمفارقة - على رهان غير مؤكد بالضرورة، ومفاده أن واشنطن الغارقة في أزمتها العراقية لا تملك سبيلاً للمواجهة مع طهران.

أعضاء مجلس الأمن القومي في إيران

1- رئيس السلطة التنفيذية محمود أحمدي نجاد

2- رئيس السلطة التشريعية غلام رضا حداد عادل

3- رئيس السلطة القضائية محمود هاشمي شهرودي

4- رئيس أركان القوات المسلحة عطاء الله صالحي

5- نائب الرئيس ورئيس لجنة الموازنة فرهاد رهبر

6- النائب الأول للرئيس برويز داودي

7- سكرتير المجلس وممثل المرشد علي لاريجاني

8- وزير الخارجية منوشهر متكي

9- وزير الداخلية مصطفى بور محمدي

10- وزير الاستخبارات غلام حسين محسني إيجئي

11- قائد الجيش محمد حسين دادرس

12- قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري

13- رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني

14- وزير الدفاع مصطفى محمد نجار

15- نائب الرئيس للطاقة النووية غلام رضا أغا زاده

16- وزير العلوم والتكنولوجيا محمد مهدي زاهدي

17- وزير الطاقة برويز فتاح

18- الممثل الدائم في الأمم المتحدة جواد ظريف

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الحياة اللندنية -14-10-2007