مشاكل الدبلوماسية العامة الأمريكية

(2-2)

 

 

 

الدبلوماسية العامة لازالت تواجه مشكلات وتحديات مهمة

كان "مكتب محاسبة الحكومة" (GAO) قد أصدر عددا من التوصيات المهمة لتفعيل الدبلوماسية العامة، للتعامل مع المشكلات الأساسية للدبلوماسية العامة، خاصة ضعف التنسيق بين الوكالات والهيئات المعنية بتنفيذ أنشطة وبرامج الدبلوماسية العامة، والمشكلات الخاصة بوضع مؤشرات لقياس أداء وفاعلية الدبلوماسية العامة.

وقد تركزت التوصيات المقترحة في:

(1) تطوير استراتيجيات اتصالية، للتنسيق بين جهود الوكالات الحكومية الرئيسية والقطاع الخص

(2) أن تقوم وزارة الخارجية بوضع خطة استراتيجية للتكامل بين أنشطتها وجهودها

(3) تطوير مؤشرات ومعايير لتقييم أداء وفعالية أنشطة الدبلوماسية العامة على مستوى وزارة الخارجية أو "مجلس أمناء البث". وانتهى التقرير موضوع العرض إلى أنه حتى الآن لازالت أنشطة "الدبلوماسية العامة" تفتقد إلى استراتيجية شاملة تضمن تحقيق التكامل بين الوكالات المختلفة ذات الصلة بتلك الدبلوماسية. ورغم أن وزارة الخارجية قد وضعت إطارا استراتيجيا لتوجيه جهودها إلا أنه لا يوجد حتى الآن دليل شامل يشرح كيفية تنفيذ وتطبيق هذا الإطار. وعلى الرغم من أن "مجلس أمناء البث" قد أضاف معيار حجم الجمهور كمعيار لتقييم أداء خطته الاستراتيجية إلا أن مراجعة أنشطة شبكات بث الشرق الأوسط تثير تساؤلا مهما حول قيمة هذا المعيار لاعتبارات منهجية عدة.

 وفيما يلي عرض لأهم الانتقادات الواردة في التقرير حول النقاط السابقة .

1. غياب استراتيجية واضحة للتنسيق بين الوكالات والهيئات المعنية بتنفيذ الدبلوماسية العامة: في 8 أبريل 2006 أنشأ الرئيس الأمريكي "لجنة تنسيق الدبلوماسية العامة والاتصالات الاستراتيجية" Policy Coordination Committee on Public Policy and Strategic communication، برئاسة مساعد وزير الخارجية للدبلوماسية العامة، بهدف التنسيق بين أنشطة الوكالات ذات الصلة بما في ذلك تطوير استراتيجية مشتركة عابرة للهيئات والوكالات ذات الصلة بأنشطة وبرامج الدبلوماسية العامة. ولكن هذه الاستراتيجية لازالت (حتى كتابة التقرير) تحت الإعداد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة تفتقد لاستراتيجية وأدوات فاعلة للتأكد من أن الشعوب المستقبلة للمساعدات الأمريكية على علم بأن تلك المساعدات تأتي من الولايات المتحدة، وأنه يتم تمويلها من الضرائب التي يدفعها المواطن الأمريكي. في مارس 2007 قامت معظم المؤسسات الأمريكية ذات الصلة بالمساعدات الخارجية بوضع عدد من الإجراءات والشروط التي تضمن الترويج لتلك المساعدات، إلا أن هذا الترويج قد يواجه بعض المشكلات منها عدم وجود استراتيجية محددة للتأكد من أن تلك الإجراءات تؤدي بالفعل إلى الترويج لتلك المساعدات. أضف إلى ذلك أنه لا يوجد دليل إرشادي متكامل وتفصيلي لكيفية الترويج لتلك المساعدات وضمان علم الشعوب المستهدفة والمستقبلة بمصدر هذه المعونات.

2. عدم وضوح الارتباط بين أهداف وأدوات تنفيذ الدبلوماسية العامة: في عام 2005 قام مساعدة وزير الخارجية الأمريكية بوضع إطار استراتيجي لجهود الدبلوماسية العامة، ضم ثلاثة أولويات أساسية، هي: أن تطرح الدبلوماسية العامة أمام الشعوب المستهدفة مجموعة من الآمال والطموحات يتم ربطها بمجموعة القيم الأمريكية الأساسية، وتهميش المتطرفين، وأخيرا تشجيع التفاهم المتبادل حول القيم والمصالح المشتركة بين الشعب الأمريكي وشعوب العالم الأخرى من مختلف الثقافات. وقد حددت مساعدة وزيرة الخارجية مجموعة من الأدوات لتنفيذ تلك الاستراتيجية، على سبيل المثال الارتباط engagement، المبادلات، التعليم، التقييم. ولكن وزارة الخارجية لم تقدم دليلا مكتوبا حول كيفية استخدام هذه الأدوات الخمس لتحقيق أهداف الدبلوماسية العامة.

3. تفتقد برامج الدبلوماسية العامة إلى القواعد المنهجية المعروفة في صياغة تلك البرامج، والتي تبدأ بتحديد الرسالة الجوهرية من البرنامج المطبق، وتحديد الجمهور المستهدف في البرنامج، وتطوير استراتيجيات وتكتيكات تفصيلية لتوصيل الرسائل المطلوبة إلى الجمهور المستهدف، وتطوير وتطبيق خطة اتصال تضمن تحقيق الهدف الرئيسي للبرنامج والرسالة المطلوبة إلى الجمهور المستهدف، والتقييم المستمر للبرنامج في ضوء أهدافه الرئيسية، وأخيرا إعادة صياغة الرسالة والاستراتيجيات والتكتيكات المستخدمة.

4. اتجه "مجلس أمناء البث" بداء من عام 2001 إلى تطبيق استراتيجية للبث الدولي تقوم على توسيع الجهور المستهدف إلى أكبر درجة ممكنة، خاصة في الأقاليم ذات الأولوية بالنسبة للحرب ضد الإرهاب. وقد أدى هذا التوجه إلى استحداث بعض الشبكات والإذاعات مثل راديو سوا، وتليفزيون الحرة، إلا أن المسوحات والدراسات الميدانية تشير إلى عدم تحقق هذا الهدف حتى الآن. فقد انتهى "مكتب محاسبة الحكومة" في مراجعة له لشبكات بث الشرق الأوسط في أغسطس 2006 تبين له أن معدلات استماع راديو سوا ومعدلات مشاهدة تليفزيون الحرة لازالت دون المستوى المطلوب. ويوصي التقرير هنا بضرورة اهتمام تلك الشبكات بإجراء البحوث الميدانية للوقوف على آليات توسيع جمهورها.

5. عدم الاستغلال الأمثل للمخصصات المالية: على الرغم من أن تقارير عدة حول الدبلوماسية العامة قد أوصت بزيادة الإنفاق على برامج الدبلوماسية العامة وزيادة حجم المخصصات المالية المخصصة لتلك البرامج، إلا أن هذه المخصصات لم يمكن توظيفها بشكل جيد لأسباب عديدة، أهمها نقص الكوادر وعدم كفاية عدد الموظفين المخصصين لتلك البرامج، فقد أشار الكثير من مسئولي السفارات الأمريكية في الخارج إلى أن العدد الحالي من الموظفين في برامج الدبلوماسية العامة لا يسمح لهم بالاستغلال الأمثل للموارد المالية المتاحة. ووفقا لوزارة الخارجية الأمريكية بلغ عدد المواقع الوظيفية المخصصة للدبلوماسية العامة 887 موقعا وظيفيا حتى 31 مارس 2007، ولكن 22% من هذه المواقع لازالت فارغة (199 موقعا).

وبالإضافة إلى ذلك، فإن موظفي الدبلوماسية العامة محملين بالأعباء والمهام الإدارية، ولا يتاح لهم الوقت الكافي للتركيز على المهام الاستراتيجية لوظيفة الدبلوماسية العامة. يقول أحد موظفي الدبلوماسية العامة إن المهام الإدارية، خاصة المهام المتعلقة بالميزانية، وإعداد التقارير الإدارية والمالية تستقطع مساحة مهمة من وقته على حساب المسئوليات والأنشطة الدبلوماسية المهمة. وقليلا ما يجد مسئولو الدبلوماسية العامة في الخارج الوقت الكافي للانتقال خارج عاصمة الدولة التي يعملون فيها، بل نادرا ما يجدون الوقت الكافي، تحت ضغط المهام الإدارية، لبناء علاقات شخصية مباشرة مع المجتمع الذي يعملون فيه. ويوصي التقرير هنا بضرورة تخفيف العبء الإداري عن كاهل مسئولي الدبلوماسية العامة لتوفير المساحة الكافية من الوقت للتفرغ للأنشطة والمهام الرئيسية ذات الصلة بجوهر وظيفة الدبلوماسية العامة.

6. نقص الموظفين الذين يجيدون لغات المجتمعات المحلية التي يعملون داخلها، وهي المشكلة الأكثر إلحاحا ووضوحا في حالة المجتمعات الإسلامية، بشكل عام، والعربية بشكل خاص. فقد أشار تقرير مجلس محاسبة الحكومة في مايو 2006 إلى أن 30% من المواقع الوظيفية في مجال الدبلوماسية العامة في الدول الإسلامية تم شغلها من قبل موظفين لا تتوفر فيهم الشروط والمهارات اللغوية المطلوبة، مقارنة بنحو 24% في المتوسط بالنسبة لباقي الأقاليم. وتصبح المشكلة أكثر وضوحا وإلحاحا في حالة الدول العربية، إذ يشير التقرير إلى أن 36% من المواقع الوظيفية في مجال الدبلوماسية العامة يتم شغلها بواسطة موظفين لا يجيدون التحدث باللغة العربية بالمستوى المطلوب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن معظم هؤلاء لا يجيدون الحوار والتفاعل مع الإعلام العربي، أو المشاركة في الجدل العام باللغة العربية.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: تقرير واشنطن- العدد 110