مستقبل اليمين المسيحي بعد رحيل فالويل

 

 

مثل نبأ وفاة القس جيري فالويل Jerry Falwell أحد رموز التشدد الديني المسيحي في الولايات المتحدة محور اهتمام كافة وسائل الإعلام الأمريكية طوال يوم الثلاثاء الماضي. وفي صباح يوم الأربعاء كانت "شخصية فالويل في الميزان" هي عنوان ومضمون البرنامج الذي يقدمه كريس كور على أثير الإذاعة اليمينية الأشهر في واشنطن. قال كور في حواره مع أحد المستمعين إن الشعب الأمريكي متدين ويتأثر بالشخصيات السياسة التي تدعو إلى الأخلاق المسيحية والصلاة والإيمان، ولكن عندما يتشدد السياسي المتدين ويفرض أجندته الأصولية على الجماهير، فإن مزاج الشعب الأمريكي لا يتقبل هذا وينقلب عليه. ومع ذلك كانت معظم مداخلات المستمعين ضد هذا الرأي معتبرين أن الإعلام الأمريكي الليبرالي قد شوه عن قصد صورة وسمعة وأفكار فالويل.

رحيل فالويل ومستقبل اليمين المسيحي

ارتبطت صورة اليمين المسيحي لسنوات لدى الشعب الأمريكي بقيادات من أمثال جيري فالويل وبات روبرتسون وبيل غرهام ، كما أن أتباع اليمين الديني ينظرون أليهم بوصفه القادة التاريخيين والحرس القديم. لكن كثيرا من الناشطين في أوساط المحافظين يعتبرون أن حقبة هؤلاء وأجندتهم المثيرة للجدل مثلت لسنوات عبئا على اليمين المسيحي وشوهت صورة الإنغليكانيين لدى معظم الأمريكيين. وبالتالي فإن جيل الشباب من المحافظين وأتباع ذلك التيار يسعون لتحسين هذه الصورة وتجاوز خطابهم التقليدي القائم على مناهضة الإجهاض والمثلية الجنسية بإضفاء جوانب إنسانية اجتماعية يمكن أن تلقى تجاوبا وانسجاما مع المزاج العام الأمريكي مثل الحماية من مرض الايدز والاهتمام بقضايا البيئة والتعليم.

وفي هذا السياق، صرح جون غرين الخبير في منتدى بيو PEW لشؤون الدين والحياة العامة بأن هناك جدلا متصاعدا وانقساما  في أوساط الإنغليكانيين حول قضايا عديدة في مقدمتها قضايا البيئة ، وضرب على ذلك مثالا في محاولة قادة محافظين من الضغط على الرابطة الوطنية للأنغليكانيين لإسكات مدير مكتب الرابطة في واشنطن القس ريك سيزيك الذي يحاول إقناع  أتباع الطائفة الإنغليكانية بأن الاحتباس الحراري خطر حقيقي. وذلك يعنى أن الجيل المعاصر من اليمين المسيحي يشهد اختلافا وتنعوا بين صفوفه خاصة إذا ما قارنا محاولات سيزيك لإقناع أبناء الطائفة بخطورة الاحتباس الحراري في الوقت الذي ذكر القس الراحل فالويل في كنيسته بمدينة لاينشبرغ  في شهر فبراير الماضي أن أنشطة قضايا البيئة في صفوف الانغليكانيين  هي محاولة شيطانية لتشتيت  تركيز جهود الكنيسة بعيدا عن مهمتها الرئيسية وهي نشر الدعوة.

نفوذ القس المثير للجدل

كان الظهور المؤثر الأول للداعية المسيحي الأصولي جيري فالويل على الساحة السياسية والإعلامية الأمريكية في عام 1979، عندما أسس حركة الأغلبية الأخلاقية Moral Majority والتي جذبت الملايين من أتباع الكنائس الإنغليكانية Evangelical للمشاركة في الحياة السياسية، وكان من نتائج حشد فالويل لهؤلاء مساعدة مرشح الرئاسة المحافظ  رونالد ريغان في تحقيق فوز ساحق على منافسه الديمقراطي الرئيس كارتر في انتخابات عام 1980.

كان منهج فالويل في تفعيل دور الدين في السياسة ، جلب السياسة إلى الكنيسة بالتوعية الانتخابية وحشد الأنصار بدلا من الذهاب بالكنيسة إلى السياسة، ومن ثم  أصبحت الكنيسة وجهة ومركزا لحملات المرشحين السياسة خاصة في أوساط الحزب الجمهوري. وفي هذه الأجواء ولد اليمين المسيحي  قويا، وبات فالويل أبرز وجوهه ومتحدثا باسمه. أما الهدف فكان فرض الأجندة الدينية وتغيير صورة أمريكا العلمانية الليبرالية التي سادت في خمسينات وستينات القرن الماضي من خلال السعي لإلغاء الحظر الذي فرضته المحكمة الدستورية العليا على إقامة الصلوات في المدارس وتغيير مسار المجتمع الأمريكي العلماني فيما يتعلق بحقوق المرأة  والإجهاض وحقوق المثليين.

لم تكن الأفكار التي دعا عليها فالويل جديدة على المجتمع الأمريكي الذي يتسم أفراده بالتدين وميلهم إلى المحافظة بصورة عامة ، لكن نبرة التشدد والتطرف التي صاحبت تصريحات وأراء القس الراحل قد صدمت قطاعات كبيرة من الشعب الأمريكي، ووضعته في خانة رجال الدين المتشددين مقارنة بزميله في قيادة تيار الصحوة المسيحية الثالثة في تاريخ الولايات المتحدة وهو القس بيل غراهام. فقد مثل الهجوم على المثليين فقرة متكررة في برامج ولقاءات القس ومن بين تلك التصريحات ما ورد على لسانه قي مقابلة مع إذاعة NPR عام 1996 قائلا إنه يؤمن بأن المثلية الجنسية ضربا من الانحلال الأخلاقي ، وأنها خروجا عن قوانين الطبيعة البشرية.

ورغم أن أتباع وأنصار القس الأصولي  نظروا إليه باعتبار مدافعا أمينا عن الأخلاق والقيم المسيحية، فإنهم قد شعروا مرات عديدة بخجل من تصريحات فالويل، فقد ذكر ذات مرة  أمام حشد من القساوسة أن المسيخ الدجال Anti-Christ هو  شخص يهودي يعيش في عالمنا  الآن. أما القشة التي قصمت ظهر البعير وجعلت منه شخصية مكروهة ومتطرفة في نظر معظم الأمريكيين ، فكان تصريحه بعد يومين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر في البرنامج التلفزيوني الذي يقدمه زميله المتشدد القس بات روبرتسون بأن مسؤولية هذه الهجمات  تكمن في غضب الرب وعدم رضاه عن أمريكا غير الأخلاقية، حيث قال إني أسدد أصبعي في وجوه دعاة الشرك بالله وانتشار المعاصي مثل الإجهاض والشذوذ الجنسي والذين يسعون إلى علمنة أمريكا وأقول لهم أنتم تتحملون مسؤولية ما حدث.

كما أن اسم جيري فالويل يرتبط في ذهن العرب والمسلمين في العالم بدعمه اللا محدود لدولة إسرائيل بناءا على تفسيرات مسيحية أصولية تتعلق بعودة المسيح في نهاية الزمان.

محطات في حياة جيري فالويل

• 11 أغسطس 1933: ولد جيري لامون فالويل في مدينة لاينشبرغ بولاية فرجينيا لأسرة غير متدينة. وكانت نقطة التحول في شبابه بسماعه "نداء الإيمان" على حد قوله عندما كان يستمع إلى عظة أحد رجال الدين في الإذاعة المحلية.

• يونيه 1956: بعد تخرجه  بفترة وجيزة من كلية الكتاب المقدس المعمدانية بولاية مونتانا، عاد فالويل على مسقط رأسه لاينشبرغ ليصبح راعيا لأبرشية توماس رود المعمدانية. وفي نفس العام بدأ فالويل في تقديم برامج دينية للإذاعة والتلفزيون.

• 12 أبريل 1958: تزوج  جيري فالويل من ماسيل بيت

• 1967: أسس فالويل أكاديمية لاينشبرغ  المسيحية لتقدم برنامج دراسة يومي للطلاب من مرحلة الروضة وحتى الثانوية العامة.

• 1971: أسس فالويل جامعة ليبرتي

• 1972: تعرضت جامعة ليبرتي لأزمة اقتصادية نتيجة حكم قضائي بتغريمها  6.% مليون دولار لكن إدارتها تفادت دفع الغرامة بإشهار إفلاسها معلنة أنها خسرت الملايين من أموال مستثمري الكنيسة.

• يونيه 1979: أعلن فالويل عن تأسيس  "الأغلبية الأخلاقية" كجماعة ضغط (لوبي) مهمتها فرض الأجندة المسيحية على أفكار وتوجهات الحزب الجمهوري. وادعت الحركة بعد فوز رونالد ريغان بانتخابات الرئاسة عام 1980 أنها كانت وراء هذا الفوز.

• 1983: أقام فالويل دعوى قضائية ضد أحد المجلات لقيامها من السخرية منه ورغم حصوله على تعويض مادي من المجلة إلا أن المحكمة العليا قبلت طعن من المجلة على أساس أن ما نشرته يندرج في إطار حرية التعبير.

• 1987: أطاحت فضائح مالية وجنسية بجيم باكر مقدم البرامج الدينية التلفزيونية وحكم عليه بالسجن لخمس سنوات ليحل جيري فالويل محله.

• 1989: بمناسبة معاونته للحزب الجمهوري في الفوز بثلاثة انتخابات رئاسية، أعلن فالويل رسميا حل حركة الأغلبية الأخلاقية مبررا ذلك بأن المهمة التي أسست من أجلها قد أنجزت.

• 1995: شرع فالويل في نشر دورية ناشونال ليبرتي جورنال.

• سبتمبر 2001: تعرض فالويل لحملة انتقادات واسعة في أعقاب تصريحات ترى أن غضب الرب من أمريكا المنحلة أخلاقيا هي السبب وراء هجمات 11 سبتمبر.

• 2003: دافع فالويل عن روي مور القاضي الذي فقد منصبه بسبب رفضه إنزال لوحة للوصايا العشر على جدار المحكمة. وقد شبه فالويل القاضي بناشط الحقوق المدنية الأسود مارتن لوثر كينغ.

• 2004: أسس فالويل تخالف الأغلبية الأخلاقية كنسخة تناسب القرن الحادي والعشرين من حركته السابقة الأغلبية الأخلاقية.

• 2006: عادت العلاقات بين السيناتور جون ماكين والقس جيري فالويل وذلك عندما قام مرشح الرئاسة الأمريكية بإلقاء كلمة في جامعة ليبرتي. وكانت العلاقة قد ساءت بين الرجلين في عام 2000 عندما دعا السيناتور ماكين الأمة الأمريكية إلى العودة إلى الاعتدال الاجتماعي، واصفا القس فالويل وغيره بأنهم وكلاء التعصب.

• 15 مايو 2007: وفاة القس جيري فالويل بعد أن وجد مغشيا عليه في مكتبه بجامعة ليبرتي بولاية فرجينيا.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:تقرير واشنطن-العدد 109