عقود البنتاغون في العراق و الشفافية المفقودة!!

 

 

عقود البنتاغون في العراق.. معضلة أمام الكونغرس

تبعات الحرب على العراق لا تنتهي وغالبا ما تسبب حرجا للإدارة الأمريكية. وكانت أخر تلك التبعات من نصيب وزارة الدفاع الأمريكية، وهي أكبر وزارة في الحكومة الفيدرالية (طلبت إدارة بوش لها هذا العام 606.5مليار دولار لميزانية عام 2008)، وذلك بسبب تضخم ميزانيتها الموجه للعراق، والتي بلغت 270 مليار دولار خصصت لخدمات ونفقات وبضائع في السنة المالية 2005. وإضافة إلى إنفاق كل تلك المبالغ على الخدمات، أصبح من الملاحظ أن هناك تحولا كبيرا في أنواع عقود خدمات دعم القوات، وحجمها، وكذلك الافتقار إلى رقابة فعالة على إدارة تلك العقود. ولأن معظم هذه العقود أصبحت تمنح لمصدر واحد وعلى أساس غير تنافسي، صار من الصعب الإشراف عليها.

وهناك عدة أسباب أثارت مخاوف المشرعين بشأن عقود العراق، أولها تكلفة عقود الدعم اللوجستي. ثانيا: ما عرضته العديد من الهيئات العامة والمنظمات الخاصة حول ما شاب تلك العقود من إسراف، وغش، وسوء استعمال، وغياب الرقابة المالية. ثالثا: إعلان وزارة الدفاع الأخير عن استبدال العقد الثالث الحالي لبرنامج التنمية المدنية للوجستيات بثلاثة عقود جديدة على الأقل لتشجيع المنافسة بين المتعاقدين. مما أثار حفيظة الكونغرس ودعاه لإعلان خطط لعقد جلسات استماع حول العقود في العراق. ويقدم هذا التقرير الذي أعده خدمة الأبحاث التابعة للكونغرس دراسة لعقود الدعم اللوجستي لخدمات دعم القوات في العراق، والتي تعرف أيضا (بعقود الخدمة).

خلفية قضية العقود

في أغلب الأحيان تمنح عقود الحكومة الفيدرالية بناء على قاعدة "المنافسة الكاملة والمفتوحة"، إلا أن هناك استثناءات خاصة وقت الحروب. وقد حدد الدستور الأمريكي، واللوائح الفيدرالية السلطات المخولة منح معظم عقود الحكومة الفيدرالية. كما حددت تلك اللوائح سبع حالات فقط تسمح لوزارة الدفاع باستخدام قواعد أخرى غير قاعدة المنافسة الكاملة والمفتوحة لمنح عقود الحكومة الفيدرالية. وهناك العديد من المؤسسات الفيدرالية التي تتقاسم مسئولية مراجعة حسابات وزارة الدفاع، والتحقيقات، وكتابة التقارير. منها على سبيل المثال وكالة مراجعة عقود وزارة الدفاع، ووكالة المراجعة العسكرية، والمفتش العام لوزارة الدفاع وغيرها.

وقد جاء تعيين ستيوارت بون، المفتش العام لإعادة إعمار العراق، نتيجة الافتقار الملموس للشفافية في عقود العراق الأولى. وقد وصفت تحقيقات المفتش العام عقود الخدمة في العراق بأنها تفتقر للشفافية، والمراقبة، والمحاسبة المالية. كما سجلت تلك التحقيقات حالات إهدار أموال، وغش، وسوء استعمال. كما وجد المراجعون أن الحكومة تكلفت مرارا دفع فواتير أعمال لم تنجز. وأن النفقات العامة غير المباشرة مثل الانتقالات والأمن تراوحت بين 11 و55 بالمائة من قيمة العقد، في حين قدمت شركة كي بي آر، المسئولة عن عملية إعادة الإعمار في العراق، الفاتورة على أساس عقود إعادة الإعمار. لذا يرى السيد بون أن الاستعانة بمصدر واحد، وإبرام تعاقدات محدودة المنافسة في العراق يجب أن تتوقف في القريب العاجل، وأن العقود التي أبرمت بالفعل يجب أن تطرح للمنافسة مرة أخرى.

أما وكالة المراجعة العسكرية فتقوم بإجراء ثلاث مراجعات مستمرة لدعم عملية تحرير العراق. وكذلك خدمة التحقيق الجنائي التابعة لوزارة الدفاع، وهي ذراع التحقيق الجنائي للمفتش العام لوزارة الدفاع، فقد اشتركت بدورها في التحقيق في الأمور ذات الصلة بوزارة الدفاع. وقد أدى وجود هذه الخدمة في المنطقة لإجراء عدد هائل من التحقيقات المعنية بالفساد الذي يشوب الأعمال التجارية، وضياع الأموال الأمريكية عن طريق غش العقود، وكذلك ضياع المعدات العسكرية العراقية.

وتركز تلك التحقيقات على أمور مثل الرشوة، والسرقة، والتلاعب في المزادات، وتبديل البضائع. تلك الجرائم التي قدمت للقوات الأمريكية وقوات التحالف خدمات ومعدات دون المستوى، وفاقمت الوضع سوءا. ومن جانبه قام مكتب المحاسبة الحكومي بتحليل 93 عقدا من العقود المصحوبة بجوائز مشجعة منحتها وزارة الدفاع، ووجد أن الوزارة كانت تمنح باستمرار تلك المكافأت، بغض النظر عن وصول المتعاقد للتوقعات أو تخطيها أو حتى عجزه عن الوصول إليها.

عقود العراق

عقد برنامج تنمية القوات الجوية. وهو أكبر العقود الممنوحة من قبل القوات الجوية. وقد صمم هذا العقد لدعم وتأييد القوات، ويشمل العديد من خدمات الهندسة المدنية والجهود الإنسانية في مجالات الغذاء والنجارة والكهرباء وغيرها. وفي البداية حددت قيمة العقد بمبلغ 475 مليون دولار لمدة خمس سنوات، والآن بلغت قيمته 10 مليار دولار لمدة 10 سنوات. ويدير العقد وكالة دعم الهندسة المدنية للقوات الجوية، ووكالة خدمات القوات الجوية. 

عقود برنامج التنمية المدنية للوجستيات العسكرية. هو أحد أبرز النماذج على ضعف إدارة العقود. وقد نشأ هذا البرنامج العسكري في العام 1985 كوسيلة لتوجيه المتعاقدين المدنيين الذين يؤدون خدمات لدعم مهام وزارة الدفاع أوقات الحروب والمهام العسكرية. وتتولى قيادة المهمات العسكرية، وقيادة دعم العمليات إدارة البرنامج المستخدم في العديد من العمليات العسكرية الطارئة. وقد منح أول عقد من هذه العقود في العام 1992 لشركة كي بي آر، وهي أولي الشركات التي أبرمت عقودا مع الجيش لتوفير الغذاء والمأوي للقوات في العراق. أما العقد الثاني فمنح لشركة ديان كورب في العام 1994، وكان العقد الثالث من نصيب الشركة الأولى أيضا في العام 2001، للقيام بعدة مهام. وقد أشارت التقارير الصحفية الأولية أن مهمة هذا التعاقد هي تطوير خطة الطوارئ لإخماد حرائق آبار النفط التي اندلعت في العراق، لكن التقارير التي صدرت فيما بعد تضمنت مهاما أخرى مثل توفير المنازل للجنود والمياه، وإعداد الطعام، وجمع المخلفات.

قضايا رقابية محتملة

قد يلجأ الكونغرس لبحث الإشراف على عدة أمور تشمل العديد من جوانب إدارة العقود، مثل تكاليف العقد، وتنمية احتياجات التعاقد، وعدم المزايدة، والعقود وحيدة المصدر والشفافية وما إلى ذلك.

إدارة العقود

 وتشمل الإشراف على العقود وإدارتها. فعلى مدار السنوات القليلة الماضية زاد حجم عقود الخدمة وشكلها وتشابكها، في حين ظل حجم القوة العاملة للمتعاقد الفيدرالي كما هو، مما تسبب في حالة من عدم التوازن، حيث أصبح هناك عدد قليل من المسئولين الفيدراليين الذين يتولون إدارة العقود، حتى أنه في بعض الأحيان طلبت الحكومة استئجار متعاقدين للقيام بمهام الموظفين الفيدراليين. ويرى بعض المسئولين الفيدراليين مثل ستيفن كيلمان وألان بيرمان أنه أصبح هناك حلقة مفرغة نتيجة الوضع الحالي، إذ أنه في حال بقاء الوضع على ما هو عليه فقد يؤدي إلى وقوع أخطاء، وزيادة الأعباء، وينتج عنه الحاجة إلى مزيد من القوانين. لذا من المهم أن يكون لدي القطاعين المدني والعسكري في وزارة الدفاع مهنيون مؤهلون ومتخصصون في العقود.

مسئولو التعاقد في وزارة الدفاع

هم أصحاب القرارات الصعبة. لكن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن. فعندما عارضت السيدة باناتين غرين هاوس، وتحمل أعلى رتبة مدنية في سلاح المهندسين العسكري الأمريكي، منح شركة كي بي آر عقودا دون منافسة، وعارضت مدة العقد التي بلغت خمس سنوات، ذكرت وسائل الإعلام أن هذه السيدة صاحبة الخبرة الواسعة خفضت رتبتها ثم أبعدت عن سلاح المهندسين.  كما شهد مايكل موبس، المساعد الخاص لنائب وزير الدفاع، بأنه اتخذ قرارا بمنح شركة كي بي آر عقد تخطيط الطوارئ دون إجراء منافسة، رغم اعتراضات محامي يعمل بقيادة المهمات العسكرية، لأن المهمات التي تتعلق بالنفط خارج نطاق عقد الدعم اللوجستي للقوات. وثبت بعد ذلك صحة موقف المحامي.

تنمية احتياجات التعاقد

تخطت عقود برنامج التنمية المدنية للوجيسيات العسكرية الإجراءات التقليدية لتحديد التمويل الحقيقي، والأطر الزمنية المناسبة، ومتطلبات هامة أخرى، من خلال إجراءات تعاقدية "غير رسمية". وقد وجدت بعض المراجعات أن تلك الإجراءات منحت شركة كي بي آر أفضلية واضحة في التكلفة. كما وجد المراجعون أن مسئولي التعاقد بوزارة الدفاع أكثر استعدادا للاعتماد على تقديرات التكلفة التي تقدمها الشركة، تلك التقديرات التي اتضح فيما بعد أنها متضخمة وبشدة. ويبدو أن العجز عن تحديد الاحتياجات وتجهيزها بشكل صحيح بات تحديا واضحا للرقابة فيما يخص عملية التعاقد في العراق.

عقود غير محددة من حيث الكمية أو شروط التسليم

لا تحدد هذه العقود كميات محددة من البضائع أو الخدمات. وتسمح عقود الخدمة، أو عقود التنمية المدنية للوجيستيات العسكرية، بالموافقة على أوامر المهمة دون إجراء منافسة. ويعد أمر المهمة 59 أكبر العقود الفردية التي أبرمت حتى اليوم، ويقوم بدعم ما يقارب 130,000 من القوات الأمريكية، وبلغت تكلفته 5.2 مليار دولار لمدة 12 شهر فقط.

التكاليف والعقود أحادية المصدر بدون مزايدة  

 تعتقد معظم السلطات أن درجة المنافسة تتحكم بدرجة كبيرة في تكاليف التعاقد الحكومي، حيث تنخفض التكلفة مع وجود عدة متعاقدين. وبينما تعتبر المنافسة المفتوحة والكاملة هي أساس التعاقد الحكومي، فإنها لم تكن كذلك بالنسبة لتعاقدات خدمات دعم القوات. وتشير التقارير إلى أن العقود التي منحتها الحكومة الفيدرالية دون منافسة زادت بنسبة 115 بالمائة في العام 2005 عن العام 2000.

عقود تسديد التكلفة

 في هذا النوع من العقود تزداد رسوم المتعاقد مع زيادة تكاليف العقد، وعليه لا يوجد أي دافع يجعل المتعاقد يحد من التكلفة الحكومية.

مصاريف العاملين 

 أظهرت تحقيقات المفتش العام لإعادة إعمار العراق بشأن عقود إعادة الإعمار أنه في بعض العقود جاوزت مصاريف العاملين نصف تكاليف شركة كي بي آر التي تحملتها الحكومة الفيدرالية. كما وجد المفتش أيضا أنه في خمسة مشاريع للشركة تجاوزت التكاليف الإدارية تكاليف المشروع نفسه، فعلى سبيل المثال بلغت التكاليف الإدارية لأحد المشروعات 52.7 مليون دولار، في حين كانت تكاليف المشروع الفعلية 13.4 مليون دولار. وقد تنشأ تلك التكاليف أيضا من الرسوم التي تتراكم من متعاقد لأخر، كما حدث في عقد شركة بلاك ووتر للأمن، وهي شركة خدمات أمنية خاصة. حيث دفعت أجور حراس شاحنات نقل الطعام والتي بلغت 600 دولار في اليوم، ثم أضافت الشركة جميع المصاريف الإضافية وممرت الفاتورة إلى شركة كويتية، التي أضافت بدورها مصاريف وفوائد ثم مررتها إلى شركة الطعام، التي فعلت نفس الشيء ثم أرسلت الفاتورة إلى كي بي آر، ثم كانت المحطة الأخيرة في مبنى وزارة الدفاع.

الشفافية 

تجد الحكومة الفيدرالية صعوبة في الوصول إلى متعاقدين معينين لتقديم معلومات هامة حول فواتيرهم. وقد كشف المفتش العام لإعادة إعمار العراق عن سلسة من المراجعات والتقارير التي تلفت النظر للحواجزالتي تعوق جهود الحكومة. وسجل في أحد هذه التقارير أنه من الصعب إنهاء أي تحقيق حول عقود كي بي آر، لأن الشركة تصنف بياناتها بشكل روتيني وعلى نحو غير ملائم على أنها معلومات خاصة بها.

أما المشكلة الأخرى فتتمثل في العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والمتعاقد الأساسي والمتعاقد الفرعي. فالحكومة لديها علاقة تعاقدية مع المتعاقد الأساسي فقط، مما يجعلها غير قادرة على تقديم كشف حساب لدافعي الضرائب.

إضافة إلى كل ما سبق يبدو أن وزارة الدفاع لا تمتلك العدد الكافي من المشرفين على المتعاقدين خاصة في مواقع انتشار القوات، مما يحد من قدرتها على ضمان إنفاق أموال دافعي الضرائب على نحو عادل. ويعد نقص العاملين في هذا المجال جزءا من مشكلة أكبر داخل وزارة الدفاع. فإن أحد النتائج غير المتوقعة لنقص حجم الموظفين الفيدراليين كان زيادة نمو عقود خدمة القطاع الخاص. وهناك مخاوف من احتمال ظهور عدم توازن في المهارات ومستويات الخبرة بين الموظفين الذين يديرون البرامج الكبيرة لشراء الأسلحة وعقود الدفاع.

الخيارات المحتملة أمام الكونغرس

قد يلجأ الكونغرس للعمل بالخيارات الأتية عند دراسة عقود وزارة الدفاع لدعم القوات في العراق.

الخيار الأول: إنشاء مكتب لإدارة عقود العراق لخدمات دعم القوات

إحدى توصيات المفتش العام لإعادة إعمار العراق هي تشكيل كيان تعاقدي واحد موحد لتنظيم جميع التعاقدات في الموقع. وإحدى طرق التنفيذ هي إنشاء هيئة تعاقدية طارئة تتواجد في العراق. إضافة إلى ذلك، ومن أجل الوصول إلى إدارة أفضل وإشراف على تمويل وزارة الدفاع، قد يعمل الكونغرس على إنشاء مكتب للمراجعة والتحقيق لعقود وزارة الدفاع لخدمات دعم القوات في العراق، لإجراء مراجعات وتحقيقات دورية، وقد يعمل المكتب تحت سلطة المفتش العام لوزارة الدفاع، ويكون موقع العمل في العراق.

الخيار الثاني: توسيع صلاحيات المفتش العام لإعادة إعمار العراق

فهذا الخيار يمنح المفتش العام سلطة مراجعة عقود الدعم اللوجستي لوزارة الدفاع في العراق والتحقيق فيها. وقد أثبت المفتش العام وجوده بالفعل، وأصدر 150 تقريرا شملت مراجعات وتحقيقات، وكانت لجهودة نتائج كبيرة تمثلت في القبض على خمسة أشخاص، ومصادرة ما يزيد عن 17 مليون دولار على هيئة أصول. وقد تكون ملاحظاته مناسبة لإدارة العقود والإشراف على عقود وزارة الدفاع لخدمات دعم القوات.

الخيار الثالث: إجراء دراسة حول الموظفين الفيدراليين والقوى العاملة للمتعاقدين

قد يكون من شأن هذه الدراسة بحث ثلاث تساؤلات هامة هي: (1) هل هناك توازن على النحو الملائم بين الموظف الفيدرالي وأدوار المتعاقد؟ (2) هل هناك دور فيدرالي ملائم ووجود في مجال الإشراف أو المراقبة؟ (3) هل تجذب الحكومة الفيدرالية النوع الصحيح من المهنيين؟

الخيار الرابع: الحاجة إلى المزيد من التفاصيل لكي يقوم الكونغرس بالإشراف بشكل أفضل

قد يطلب الكونغرس من وزارة الدفاع تقديم مزيد من التفاصيل، كما أنه قد يحتاج لتقرير منفصل من كل خدمة عسكرية، لمزيد من الشفافية والانفتاح فيما يخص إدارة العقود والتكاليف والأداء. وقد يشمل التقرير بيانات عن حجم جميع العقود وتكاليفها وبنيتها، خاصة ذات المصدر الواحد، والتي لم تجرى عليها مزايدات. كما أن الكونغرس قد يطلب وضع معايير معينة، وضرورة استيفائها قبل منح أي عقد. وكذلك إعادة منافسة دورية لأنواع معينة من العقود. وأخيرا، قد يطلب الكونغرس أن تخضع عقود وزارة الدفاع الكبيرة للمنافسة.   

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: تقرير واشنطن-العدد98